أزمة “السعودية” في مواجهة الحراك الشعبي.. الخلفيات والتداعيات
شهدت السعودية خلال السنوات الأخيرة الكثير من الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية لاسيّما في المنطقة الشرقية، وتحديداً في القطيف والعوامية، للمطالبة بالإصلاح السياسي وإطلاق الحريات خصوصاً حرية المعتقد والتعبير عن الرأي.
وتصاعدت حدّة الاحتجاجات بعد قيام السلطات بإعدام عالم الدين الشيخ نمر باقر النمر في كانون الثاني/يناير 2016. وانبثقت العديد من الحركات الشعبية بينها “21 أبريل” و”7 رمضان” التي تعرض أنصارها للقمع الشديد على يد الأجهزة الأمنية السعودية.
ومن الحركات الأخرى التي لعبت دوراً بارزاً في رفع مستوى الاحتجاجات الشعبية ضد نظام آل سعود “حركة 15 سبتمبر” التي ينشط أنصارها بشكل خاص وفعّال على شبكات التواصل الاجتماعي لاسيّما “تويتر”، ما دعا الأجهزة السعودية إلى شنّ حملة إعلامية شرسة ضد هذه الحركة.
وأتت الدعوة للحراك، على خلفية تغريدات نشرها المستشار في الديوان الملكي السعودي “سعود القحطاني” التي حرّض فيها على التظاهر ضد الحكومة القطرية، فما كان من المعارضة السعودية إلاّ أن تلقفت دعوته، واعتبرتها حجة ضد السياسة السعودية الرسمية الرافضة للمظاهرات الشعبية السلمية.
وتشير كافة الدلائل والقرائن المتوفرة إلى وجود هوّة كبيرة بين شرائح واسعة من المجتمع السعودي والسلطات في هذا البلد. ومما زاد في هذه الهوّة هو تكثيف الحملات الدعائية والتبليغية للنهج الوهابي الذي تتبناه أسرة آل سعود. كما أن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي ترتكبها هذه السلطات والإجراءات التعسفية التي تتخذها للتضييق على حريات الناس الاجتماعية والثقافية والدينية جعلت المراقبين يجزمون باستحالة استمرار الوضع السياسي القائم ما لم تعمد الرياض إلى تدارك أخطائها الاستراتيجية في إدارة شؤون البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الاحتجاجات الشعبية في السعودية لم تقتصر على المطالبة بإصلاح الوضع السياسي داخل البلد، بل تطالب أيضاً بالكف عن السياسات العقيمة التي تنتهجها الرياض في عموم المنطقة والتي أدت إلى زعزعة الأمن والاستقرار في العديد من الدول لاسيّما في اليمن وسوريا والعراق.
وزادت هذه الاعتراضات بعد تولي محمد بن الملك سلمان لولاية العهد بسبب السياسات الفظّة والمدمرة التي ينتهجها في الداخل وإزاء المنطقة على حد سواء.
ويعتقد المعارضون السعوديون بأن الوعود التي تطلقها السلطات بإصلاح الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ليست سوى سراب ولا يمكن التعويل عليها لأنها تهدف إلى خلط الأوراق وذر الرماد في العيون للتخفيف من حدّة الانتقادات التي توجهها المنظمات القانونية الدولية والإقليمية لانتهاكات حقوق الإنسان وغياب الحريات في السعودية.
ومما زاد من حنق السلطات ضد حركة 15 سبتمبر هي الدعوة التي وجهتها هذه الحركة لمختلف أطياف الشعب للتظاهر والمطالبة بالإصلاح السياسي والاجتماعي في يوم السبت المقبل (23 سبتمبر) الذي يصادف اليوم الوطني في السعودية.
وتعتزم سلطات الرياض منع الشعب من الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي للتقليل من تأثير هذه التظاهرات حسبما أكد المعارض “فارس بن سعود” المقيم في الخارج والذي أشار إلى أن الحراك يأتي بسبب الاضطهاد والسرقات وانعدام العدالة الاجتماعية وفساد القضاء.
ويخشى آل سعود من انتشار تأثير الحركة الشعبية إلى كافة أنحاء البلاد باعتبار أن ذلك سيضاعف من حدّة الانتقادات التي توجه لهذا النظام في الخارج بسبب انتهاكاته المتكررة لحقوق الإنسان والحريات العامة.
وتشن السعودية حملة اعتقالات واسعة، شملت أساتذة الجامعات، ومثقفين، وكتاباً، واقتصاديين، ودعاة، ومحامين، وشعراء، وإعلاميين، فيما لم تعلن السلطات عن عدد المعتقلين ولا التهم الموجهة لهم.
ويعتقد المتابعون أن إلغاء محمد بن سلمان لمشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك نابعة بالدرجة الأولى من خشيته من تفاقم الأوضاع السياسية والأمنية في داخل البلاد والتي تصل إلى مستوى الطوارئ، جراء تصاعد حدّة الاحتجاجات على خلفية ما يجري من تهميش للمواطنين وتضييع لحقوقهم والبذخ الذي يعيشه الأمراء والملوك في مقابل الحيف والقحط الذي يعاني منه الشعب، فضلاً عن خلافات حادة تشهدها الأسرة الحاكمة.
وأوضحت حركة 15 سبتمبر في بيان بأن الشعب يعاني من البطالة والفقر والحرمان من السكن وأن لهم حقاً في مليارات الدولارات التي تذهب لتمويل حروب ضد دول أخرى.
هذا وقد شددت الأجهزة الأمنية السعودية من إجراءاتها لقمع أي تحرك شعبي في يوم 23 من الشهر الجاري. كما قامت باعتقال عدد من قيادات الحراك الشعبي بتهمة التواصل مع قطر وحركة “الإخوان المسلمين”، الأمر الذي نفته المعارضة بشدة ومن بينها حركة 15 سبتمبر.
وسعت الرياض لتوظيف بعض الشخصيات المحسوبة على التيار الوهابي بهدف التحريض ضد الحركة الشعبية المتنامية من خلال إطلاق “فتاوى” تحرّم التظاهرات وتعتبرها “خروجاً عن طاعة ولي الأمر”، وكذلك لتشويه سمعة المعارضة واتهام قادتها بالخيانة من خلال الزعم بأنهم يسعون لتقويض الأمن والاستقرار في البلاد.
والملفت للانتباه أن حركة 15 سبتمبر تضم مختلف أطياف المجتمع ولايمكن للسلطات السعودية أن تتهمها بالطائفية كما فعلت مع الحركات الشعبية في شرق البلاد لتبرير قمعها بشتى الوسائل التي أثارت سخط المنظمات الحقوقية والإنسانية.
وينبغي التنويه كذلك إلى أن (حراك 15 سبتمبر) قد انتشر بسرعة كبيرة بين الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي مما يدل على أن الشارع في غليان مستمر ولا يحتاج سوى إلى تحريكه وإيجاد مسار مناسب للسير فيه حتى تنطلق الأصوات والاعتراضات لتعبر عن السخط الشعبي الذي يجري في أروقة المجتمع السعودي.
المصدر / الرقت