ما بعد “طائرة أيّوب”: تحوّل نوعي بمضامين استراتيجية
على وقع المناورات الإسرائيلية، وبينما كانت قيادة الجيش منشغلة بافتتاح أوّل قاعدة أمريكية، وأجنبية في الوقت عينه، في الكيان المحتل، وجّهت القوّة الجويّة في حزب الله ضربة نوعية للدفاعات الإسرائيلية عبر طائرة بدون طيّار وصلت إلى مدينة صفد المحتلّة.
بدا الارتباك واضحاً على السلطات الإسرائيلية التي تنوّعت ردودها ما بين إسقاط الطائرة بصاروخ باتريوت أو بطائرة هجوميّة. ففي حين أوضح الجيش الإسرائيلي أنّه تمّ اعتراضها بصاروخ من نوع باتريوت، وقد أصاب الطائرة وأسقطها، في منطقة الحميدية في القنيطرة وذلك بعد إنهاء مهمّتها وإرسال معلوماتها إلى غرفة القيادة التابعة لحزب الله في مكان مجهول على الأراضي السوريّة، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن المنظومة الصاروخية فشلت بإسقاط الطائرة، التي لم يجر اكتشافها من الرادارات “الاسرائيلية” رغم وصولها إلى مدينة صفد مما استدعى تحليق طائرتين إسرائيليتين واستهدافها في الجو بعد عودتها.
الانجاز الجوّي الجديد لحزب الله، وهو الأبرز بعد عملية أيّوب الشهيرة، يحمل جملة من الرسائل والتداعيات على مسرحي الميدان السوري واللبناني، بل حتّى الفلسطيني لناحيتي الشكل والمضمون.
الشكل
في الشكل، لا تعدّ عملية الاختراق هذه الأولى من نوعها بل تأتي بعد سنوات من تحليق طائرة أيوّب الشهيرة التي خرقت حينها سبع دفاعات إسرائيلية، وقبلها مرصاد في سماء فلسطين المحتلّة، وما بين التحليقين هناك العشرات من العمليات التي فشلت الرادارات الإسرائيلية في اكتشافها والدفاعات الجويّة في إسقاطها، يؤكد مصدر في المقاومة.
في الشكل أيضاً، تتزامن هذه العملية النوعيّة مع اجراء الكيان الإسرائيلي مناورات دفاعية، شكّلت هذه الطائرة لها ولوحدات الجيش الاسرائيلي التي تعيش في حالة استنفار، ضربة قاضيّة كونها تحاكي هجوماً افتراضياً فشلت في مواجهته واقعيّاً. كذلك لا يمكن التغافل عن كون عملية التحليق تأتي بعد أقل من أسبوع على اختتام الجيش الإسرائيلي لأكبر مناورة فيلقية يجريها منذ 20 عاما بمشاركة عشرات آلاف جنود الاحتياط، ويفحص جهوزية القيادات العسكرية والضباط ودرجة التنسيق والعمل المشترك للأذرع المختلفة. فالجيش الإسرائيلي الذي لم يكد ينهي الإجراءات اللوجستية من سحب المعدّات وتفكيك دفاعات المناورة تلقى ضربة نوعيّة ومن العدو الذي أراد توجيه الرسالة له.
ليس بعيداً عن ناحية الشّكل تزامن الانجاز النوعي مع افتتاح الكيان الإسرائيلي قاعدة دفاع صاروخي مجهزة بأحدث التكنولوجيات الأمريكية في مجال الردع الصاروخي، حيث سيتم ربطها بمنظومة الدفاع التي تحمي مفاعل ديمونا النووي، فلو اقتصرت نتائج هذه العملية على هذه النقطة تحديداً لكفى.
المضمون
العملية كانت غنيّة بمضامينها العسكرية والسياسيّة، حيث تأتي بعد مطالبات سياسيّة وأمنيّة اسرائيلية بردع حزب الله في الجولان السوري المحتلّ وتشريق قادة الاحتلال نحو روسيا، وتغريبهم نحو أمريكا للأمر ذاته. وبالتالي، فإن احد أبرز المضامين السياسيّة للعمليّة من قبل محور المقاومة للكيان الإسرائيلي “في سوريا الأمر لنا”.
في المضمون، ومن ناحيّة استراتيجيّة، تؤكد هذه العملية التقارير الإسرائيلية حول نتائج التقارير العسكرية والمناورات الافتراضيّة، لاسيّما الفيلقيّة الأخيرة التي استهلكت كل مقدرات “إسرائيل” العسكرية والامنية والسياسية ووضعت من هزيمة حزب الله وسحقه عنواناً لها. بعبارة أخرى، رسّخت هذه العمليّة ما كشفه التقرير السرّي المسرّب عن لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست، والذي وصف بالخطير جدّاً، وكشف “ثغرات” في استعداد الجيش الاسرائيلي وجاهزيته. لم يكن الجيش الإسرائيلي ليكشف هذا الامر لولا الخلاف بين أعضاء اللجنة، على الجهة التي تتحمل مسؤولية هذه الثغرات، وليس على وجود الثغرات في استعدادات الجيش، ليقطع حزب الله نزاع القوم بتأكيده للمؤكد!
ومن الناحية التكنولوجيّة فضحت الطائرة الإيرانيّة التي أطلقها حزب الله من مطار عسكري في دمشق، وفق الناطق باسم جيش الاحتلال جوناثان كونرايسوس، فضحت التكنولوجيا الإسرائيلية بسبب فشل الرادارات في اكتشافها، خاصّة انّها تأتي بعد فترة وجيزة من التغنّي الإسرائيلي باستكمال الدرع الصاروخي متعدّد السطوح. وهنا من حقّنا أن نسأل عن جدوى هذه الدرع الصاروخيّة اذا ما أطلق حزب الله آلاف الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي والمنشآت الاستراتيجية.
ولكن، لو فرضنا أن رواية الجيش الإسرائيلي هي الصحيحة، والتي لا تخلو من الضعف كون الطائرة حلّقت لأكثر من نصف ساعة، فسيدخل الجيش الإسرائيلي في دوّامة الاستنزاف المالي لأسباب عسكريّة. بعد حرب تمّوز أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن تكلفة كل جندي من حزب الله قاربت المئات آلاف من الدولارات حيث كانت الطائرات الحربية تلاحق المقاتلين الذين لم يبلغون الـ20 ربيعاً لاستهدافهم عدّة مرّات دون أي تأكيد على نجاح العملية. اليوم، المشهد أكثر سوءاً للكيان الإسرائيلي، فبعض طائرات الاستطلاع التي لا تبلغ قيمتها بضع مئات الدولارات ستفرض على الجيش الإسرائيلي استهدافها بصاروخ تبلغ قيمته حوالي مليوني دولار، فماذا لو عمد حزب الله إلى إرسال أسراب من هذه الطائرات لاستنزاف الدرع الصاروخيّة الإسرائيلية؟ وكيف ستصبح جدوى هذه الدرع أمام الصواريخ؟
ما غفل عنه الكيان الإسرائيلي أن حزب الله انتهز الازمة السورية لتعزيز قدراته الجويّة خاصّة بعد استخدامه لطائرات من دون طيّار ضد تنظيم داعش الإرهابي. ولكن، هذه الخبرات التي وضعت التكنولوجيا الإسرائيلية في عنق الزجاجة لا تقتصر على الشقّ الجوّي، بل الصاروخي، والبرّي، ولذلك فلينتظروا المفاجآت التي قد تضعهم ومستوطناتهم في عنق الزجاجة أيضاً!
تداعيات
من التداعيات المفترضة هو نقل محور المقاومة هذه التقنيّة المتطوّرة للمقاومة الفلسطينية في غزّة التي خسرت في 15 كانون الأول (ديسمبر) عام 2016، المهندس التونسي العَبقري محمد الزواري، الذي اغتالته خلية تابعة لجهاز “الموساد” الإسرائيلي كونه التحق بجناح القسام عام 2006، وأسّس وحدة لإنتاج طائرات بدون طيار.
جانب آخر، وهام جدّا،ً قد يغفل عنه البعض، وهو التأثير الكبير الذي ستتركه هذه العملية على المبيعات العسكرية الإسرائيلية لبقيّة دول العالم، فكما عطّلت صواريخ الكورنيت بعد حرب تمّوز 2006 عدّة صفقات “ميركافا 4” بمليارات الدولارات ستُرخي هذه العملية بظلالها مجدّداً على المبيعات العسكرية الإسرائيلية، لاسيّما التكنولوجيّة منها، وهذا ما يفسّر اصرار الجيش الإسرائيلي على استهدافها بالدرع الصاروخي بدل الطائرات الهجوميّة.
ولعل أحد أبرز تداعيات ونتائج هذه العملية تتمثّل في تأخيرها لأي عدوان عسكري إسرائيلي لأجل غير مسمّى، كون هناك تقارير عسكريّة إسرائيلية أكّدت قبل أيّام أن أكثر ما يخشاه الكيان الاسرائيلي هو استخدام طائرات بدون طيّار لضَرب حُقول الغاز في البحر المتوسط. الـ35 دقيقة كافيّة للوصول إلى أي منشأة بحرية وبعدّة طائرات ولكم النتيجة.
المصدر / الوقت