العراق، ايران وتركيا.. ثالوث منع الاستفتاء!
دخل استفتاء كردستان المرتقب مرحلته الاخيرة. مرحلة يستعد فيها البارزاني لدفع تكاليف الاستفتاء أمام كل من العراق وايران وتركيا.
لا نعتقد ان البارزاني سيصغي للنداءات الدولية بدءاً من الدول الغربيّة، مروراً بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي دعا إلى الغاء الاستفتاء المزمع اجراؤه في اقليم كردستان العراق في 25 ايلول/سبتمبر الجاري، وليس انتهاءً بمجلس الأمن الذي أعرب أعضاءه عن قلقهم حيال الأثر المحتمل المزعزع للاستقرار نتيجة عزم حكومة إقليم كردستان العراق إجراء استفتاء للاستقلال من جانب واحد خلال الأسبوع المقبل.
ما يؤكد هذه الحقيقة هو إصرار بارزاني رغم العديد من المطالبات الدوليّة والإقليمية بإلغاء أو تأجيل الاستفتاء، على المضي فيه حيث أعلن المجلس الأعلى لاستفتاء استقلال إقليم كردستان أنه إذا لم تصل القيادة الكردية إلی بدائل تضمن استقلاله، فإن الاستفتاء سيجرى في موعده المحدد.
في الحقيقة، لا يتمثّل التحدّي الأكبر أمام إقليم كردستان في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة وأمريكا، بل لهذه الدول ثلثي المخاطر في إجراءه، إلا أن الرفض منهم يهدف للحفاظ على المشروع الكردي، بانتظار الأرضية المناسبة للانفصال خشية أي ردّ فعل من الثالوث الإقليمي العراقي-الإيراني-التركي على خطوة بارزاني المتهوّرة، وهذه العقبة الأساسيّة اليوم امام استفتاء بارزاني كون هذه الدول تجتمع في ملف الانفصال الكردي على فرص وتهديدات مشتركة.
إن مظاهر السيادة المحدودة، التي بدأت بالحكم الذاتي الكامل منذ عام 1992، وتوسّعت بشكل كبير في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2005، قد ساهمت في تغذية التطلعات الانفصالية للإقليم عن حكومة بغداد، لكن هذه التطلّعات قد تعيد الأكراد إلى مرحلة ما قبل 2005، وربّما 1992، كون الإقليم غير قادر على التنفّس دون دول الجوار، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: رسم اللقاء الثلاثي المشترك بين وزراء خارجية العراق وتركيا وإيران، على هامش فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لمناقشة خطة حكومة إقليم كردستان لتنظيم الاستفاء، خطّاً أحمر عريضاً يُضاف إلى الخطوط السابقة حيث أكّدت هذه القوى، التي لا يمكن تمرير الاستفتاء دون ضوءها الأخضر، عدم دستورية استفتاء كردستان المزمع إجراؤه، محذرين من نشوب صراعات في المنطقة من الصعب احتواؤها. الوزراء اتفقوا على اتخاذ إجراءات مضادة بالتنسيق فيما بينهم، كون الاستفتاء يعرّض الانتصارات التي حققها العراق على حساب تنظيم داعش الإرهابي لمخاطر جمة. لم يتضمن البيان الذي نشرته وزارة الخارجية العراقية على موقعها الإلكتروني أي تفاصيل عن الإجراءات المحتملة، إلا أن الخيار العسكري مطروح وبقوّة، خاصّة أن رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية قد بحث خلال لقاءه بنظيره التركي، بحسب أردوغان، إجراء عملية عسكرية مشتركة ضد إقليم كردستان إذا ما قام بإعلان الاستقلال.
ثانياً: يبدو أن بارزاني الذي أعلن قبل ثلاث سنوات نيته إجراء استفتاء تقرير المصير، سيجرّ الإقليم نحو أزمة كبرى، ففي حين هدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بإمكان اللجوء إلى القوة إذا أدى الاستفتاء إلى انتشار العنف والفوضى، فقد نقلت وكالة الاناضول عن مسؤول بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أن البرلمان سيفتح الباب أمام الجيش لاستهداف أكراد العراق عشية الاستفتاء، مشيراً المصدر إلى ان برلمان البلاد سيعقد، يوم السبت، جلسة طارئة، لمناقشة تمديد تفويض الجيش بتنفيذ عمليات خارج الحدود، في العراق وسوريا.
ثالثاً: ما زاد في طينة البارزاني بلّة منطقة كركوك المتنازع عليها حيث يريد استغلال ظروف الإرهاب التي تعصف بالعراق لضمّ هذه المنطقة والعديد من المناطق الأخرى المتنازع عليها وتضمّ مكوّنات عربية وتركمانيّة إلى كردستان، إلا أن هذه الخطوة بالتأكيد ستؤدي إلى المواجهة العسكريّة، وبالتالي، بخلاف تصوّر بارزاني لن يرسم الاستفتاء مصير كركوك وديالى، كما يريد البارزاني، بل على العكس سترسم هذه الخطوة السياسيّة المتهوّرة مستقبل أربيل والسليمانية ودهوك كون أيّ تدخّل عسكري من القوات العراقيّة ضدّ مليشيات البيشمركة لا يمكن أن تقتصر نتائجه على ديالى وكركوك دون هزّ قلاعهم في اربيل والسليمانيّة.
رابعاً: الاستفتاء استفز مجالس الامن القومي في كل من تركيا وايران. ففي حين سيناقش مجلس الأمن القومي التركي ومجلس الوزراء اليوم الجمعة العقوبات المحتملة على إقليم كردستان العراق كون الاستفتاء يمثّل تهديداً لأمنها القومي حسبما صرح الكثير من المسؤولين الأتراك، أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في وقت سابق أن اجراء الاستفتاء في كردستان العراق سيعد بمثابة اغلاق كافة المنافذ الحدودية للاقليم مع ايران (هناك تصريح مشابه لرئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم)، أي أن هذا الإقليم سيصبح معزولا عن المنطقة والعالم.
من غير الواضح، حتّى كتابة هذه السطور، كون البارزاني سيرضخ للضغوط العراقية والإقليمية والدولية الداعية إلى تأجيل الاستفتاء، أو سيتحداها. لا نستبعد تراجع البارزاني تحت ذريعة الاستجابة للعرض الدولي، إلا أن الحقيقة هي إقليمية بامتياز، وتحديداً عراقيّة إيرانية ترکية، وغير ذلك هو ذرّ للرماد في العيون لا أكثر.
المصدر / الوقت