وسط تدهور اقتصادي واعتراضات أممية واقليمية ومحلية مسعود يصر على اجراء الاستفتاء
في وقت يمر فيه اقليم كردستان العراق بأسوء وضع اقتصادي ويشهد العراق معارك شرسة ضد الارهاب، يصر زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود بارزاني (المنتهية ولايته) على اجراء الاستفتاء في موعده المقرر (25)ايلول الجاري، حيث تؤكد التقارير التي ترد من اقليم كوردستان العراق ان الوضع الاقتصادي للمواطنين بات صعبا جدا، سواء على مستوى رواتب الموظفين الذين لم يستلموها منذ فترات طويلة أو على رواتب قوات البيشمركة ايضا، كون مساهمة الحكومة الاتحادية تمثل 80 في المئة من موارد موازنة الإقليم.
وعبر المواطنون في الاقليم عن استيائهم من الحالة التي يعيشونها وانخفاض المستوى المعیشي فيما قال احد المواطنين”نحن لانعرف الى اين ذاهبون !!”.
كان خطأ الحكومة الاتحادية في العراق، انها تعاملت مع مسعود بارزاني على انه الراعي الاول لزعامة الاقليم، مع ان برلمان الاقليم لم يجدد له الرئاسة وحين استولى على الاموال شرع يتعامل بها وفق اهوائه وتوجهاته وحرم منها الجزء الاكبر من المواطنين، خاصة المناطق التي يعتقد انها لاتواليه مثل السليمانية مثلا ! وقد عبرت الاحزاب الحاكمة في الاقليم عن استيائها من تصرف مسعود واستيلائه على الاموال في الاقليم وتوزيعها على مناصريه واعوانه حیث حاول مسعود ان يستفيد من كميات النفط المخزونة في ارض الاقليم، فاستدعى شركات اجنبية للحفر والاستخراج ولأن هذه الشركات تعلم بتجاوزها على القوانين الدولية دون التعامل مع الحكومة الاتحادية، فقد طالبت بأموال عالية في عمليات الحفر حدأ ان الكميات المستخرجة لاتسد نفقات الاستخراج ! فظلت هذه الابار معطلة، وكان مسعود يعتقد ان ما يصدره من نفط خاص بالاقليم يمكن ان يسد نفقاتهم في حال الاستقلال لكن المفاجأة كانت في انخفاض اسعار النفط.
وباع إقليم كردستان نفطه دون التنسيق مع الحكومة الاتحادية مقابل أموال دفعت مقدماً من شركات مثل “فيتول” و”ترافيغورا” و”جلينكور” و”بيتراكو”، تحصل على براميل نفط مقابل دفع ديون.
واقترض الإقليم مؤخراً، أكثر من ثلاثة مليارات دولار من هذه الشركات، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، يتم تسديدها عبر براميل نفط كل شهر.
واقترض الإقليم مؤخراً مبلغ مليار دولار من شركة “روسنيفت” الروسية، وستتم إعادة المبلغ إلى “روسنيفت” من براميل النفط.
وفيما يتواصل تراكم الديون، وبسبب استمرار انخفاض سعر النفط، يجد الإقليم نفسه غير قادر على الدفع للمستثمرين الذين يطورون حقولاً نفطية مثل مجموعة “دي إن أو” النروجية و”غينيل إينرجي” الإنجليزية التركية. كما توصلت حكومة كردستان إلى اتفاق جديد أبرمته في اب الماضي مع المستثمرين لزيادة أرباحهم وتوسيع الحقول مقابل إلغاء ديون. علما ان حقول إقليم كردستان النفطية تنتج 600 ألف برميل يومياً تصدر 550 ألفاً منها يومياً عبر ميناء جيهان التركي. لكن خزائن كردستان فارغة والإقليم مثقل بالديون.
بعد اعلان مسعود بتحديد موعد الاستفتاء عمدت الحكومة الاتحادية الى التعامل بجدية وحذر في قضية حركة الاموال مع الاقليم ، كما ادركت دول الجوار خطورة ما يخطط له مسعود ودعمه من قبل اسرائيل، فباتت تعمل على تخفيض منسوب التعامل التجاري مع الاقليم واعاقة الكثير من المشاريع الداعمة ومراقبة نشاطات المصارف المتعاملة مع الاقليم، مما أثر كثيرا على سوق التعامل بالعملة وعلى حياة المواطنين خاصة اولئك الذين هم من اصحاب الدخل المحدود . في ذات الوقت فأن رجال الاعمال في داخل الاقليم باتوا يشعرون بخطر التصعيد العرقي والكراهية لدى العرب والتركمان ضدهم في بقية محافظات العراق بسبب التصعيد الاعلامي للاقليم ضدهم، مما قد يشعل حربا اهلية تنعكس اثارها على الوضع الاقتصادي وتصادر اموال او قد يتم الاستيلاء عليها، وبذا تتعرض المصالح الاقتصادية للخطر، في الجانب الاخر فان موضوع الاستفتاء خلق ازمة مع دول جوار الاقليم وهؤلاء سيجدون في الاقتصاد أفضل وسيلة للضغط , مما يربك حركة راس المال وانحساره , وتوقف حركة العمل والاستثمار.
التقارير التي تصل من داخل الاقليم تؤكد على تذمر الناس هناك من التمادي اكثر في قضية مشروع الاستفتاء ويعتقدون ان السياحة ستكون هي الخاسر الاكبر، فدول الجوار ستعمد الى منع مواطنيها من السفر الى الاقليم، كما تمنع حركة طيران الخطوط الجوية التابعة للاقليم من التحليق فوق اجوائها وبما ان الاقليم ليس له من منفذ بحري فسوف تختنق حركة التجارة والعمل ويصاب البلد بالكساد.
من الجانب الاخر فان الحكومة الاتحادية ستعمد الى جملة من الاجراءات الوقائية تقع في مقدمتها، ايقاف رواتب (75) الف موظف من اهالي الاقليم يعملون في مؤسسات الحكومة الاتحادية ليضيف هما اكبر. وفوق ذلك فأن الدول ستبقى في ريبة من أي نشاط اقتصادي داخل الاقليم قد يدفع بهم الى الاستقلال.
ان الزائر الى الاقليم الان يرى توقف حركة البناء والاعمار تماما كما يرى ان اصحاب المحال التجارية في قلق اتجاه رؤوس اموالهم ومصير البضائع المستوردة، حيث تمكن إقليم كردستان من استقطاب المستثمرين كونه منطقة مستقرة أمنياً فيما تشهد المدن العراقية الاخرى معارك شرسة ضد الارهاب وتحولت مدينة اربيل والسليمانية إلى مدن مزدهرة، وارتفعت فيها مبان وفنادق حديثة ومراكز تجارية، واستقبلت رجال أعمال أجانب يخططون للقيام بأعمال تجارية واسعة في الإقليم، لكن تقارير البنك الدولي مؤخراً تؤكد بأن الصدمة شديدة، فحكومة الإقليم تواجه انخفاضاً في الإيرادات، الأمر الذي أدى إلى تأجيل الاستثمارات وتأخير في المدفوعات، خصوصاً بالنسبة إلى رواتب الموظفين الحكوميين، واللجوء إلى الاقتراض عبر شركات خاصة محلية وأجنبية ومصارف خارجية. وأكد التقرير أن الأزمة المالية لها تأثير سلبي كبير على النمو الاقتصادي الذي انخفض الى 5 في المئة نسبة بين عامي 2013 و2014، وارتفاع معدل الفقر إلى 8.1 في المئة بعد أن كان 3.5 في المئة للفترة نفسها.
بشكل عام فإن مسعود بارزاني الذي حشر الاقليم في خانة ضيقة بسبب تحديده لموعد الاستفتاء في (25)ايلول الجاري، بات مشروعه محاصرا داخليا وخارجيا، بعد ان ختم الاعتراضات الدولية والاقليمية والمحلية بيان مجلس الامن الدولي يوم الخميس الفائت بدعوة الاقليم الى عدم اجراء الاستفتاء وهذا يدعونا للتفكير بجدية في التعاطي مع هكذا زعماء لايرعوون الى التحذيرات الدولية والاقليمية والعالمية ولايكترثون الى مصائر شعوبهم واذا ما احسوا بفشل سياسي فروا الى حيث الازمات والمشاكل لان مثل هؤلاءالزعماء قد يكونون سببا في تدمير بلدانهم.
في ذات الوقت ندعو الحكومة الاتحادية في بغداد ان تمارس واجبها الوطني في حماية شعب الاقليم كونهم جزءا من الشعب العراقي وان لاتتركهم على اهواء شخصيات ترى في نفسها خارج الاطر القانونية والدستورية ولم تقدر حجم المخاطر التي يمر بها البلد من محاربة الارهاب وسواها وترى في الشعب وسيلة للوصول الى اهدافها لاغير، فالاقليم فيه شخصيات وطنية حريصة على مواطنيها وعلى وطنها ويمكن التفاهم معهم ضمانا لمستقبل العراق.
الكاتب والمحلل السياسي محمود الهاشمي
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق