التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

استفتاء كردستان يشعل الحرب الأهلية 

تقف العراق على مفترق طرق، يقود إلى تقسيمه، أو اشتعال حرب أهلية ربما تغذيها توترات إقليمية، مع اتجاه إقليم كردستان العراق إلى خطوة انفصالية اعتبرها العالم كله خاطئة ونتائجها ستكون كارثية.

وبانتظار الساعات المقبلة والتي قد تكون فاصلة، تشتعل السيناريوهات، غداً الاثنين 25 سبتمبر الذي اتخذه الأكراد موعدا لإجراء استفتاء الاستقلال عن العراق، والذي قد يجيء بما لا يهوى العراقيون والمجتمع الدولي.

وقالت صحيفة الواشنطن بوست أن الاستفتاء الذي أعلنه رئيس إقليم كردستان العراق المنتهية ولايته مسعود برزاني يهدف إلى التمهيد لإقامة “الدولة الكردية” في حدود كردستان العراق، لكنها قابلة للاتساع.
وأثار الاستفتاء الكردي للانفصال غضب العراقيين، وكما هو معروف فإن العولمة تقلل من أهمية الحدود وتسعى جاهدة إلى تذويبها، وهي إلى ذلك دعوة إلى تذويب الحدود الإقليمية، ووفقاً لتلك التعددية صنعت أوروبا دولها الحديثة التي تتعدد فيها القوميات والأجناس وسعت إلى خلق مجتمعات مندمجة بتنوعاتها العرقية والدينية وذوبت الحدود.

وعلى خطى الرفض العالمي، يجد الأكراد أنفسهم منقسمين بين مؤيد ومعارض، حتى تعادلت نسبتا عقد الاستفتاء أو تأجيله.

فالحزبان الكرديان التقليديان “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” على خلاف متجذر منذ عقود طويلة، وربما نذكر أن عام 1996 كان قمة الحرب بينهما عندما استعان “الاتحاد الوطني” الذي يتزعمه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني ومقره السليمانية بإيران، لمحاربة أكراد أربيل الذي يتزعمه برزاني.

الأبواب المواربة التي تركها برزاني كالقنابل في مسيرة العلاقات بين بغداد وأربيل، تبدو بشكل واضح تصديرا لمشاكل الإقليم والهروب من واقع يرى الكثير من المحللين الغربيين والسياسيين العراقيين أكرادا وغير أكراد، أنه متدهور، بفعل سياسات حكومة الإقليم الإقصائية.

وللقادة الكرد خلافاتهم هم أيضاً، فاستحواذ برزاني على سلطة الإقليم، واستفراده بالقرار وبالذات فيما يتعلق برئاسة الإقليم وملف النفط أججت الخلافات بينه وبين حزب طالباني، فقد كان الحزبان الكرديان الكبيران اتفقا على التناوب في رئاسة الإقليم، لكن برزاني ضغط عام 2013 للتمديد له إلى عام 2015، وعندما انعقد البرلمان الكردي لمناقشة انتهاء ولايته، وكان رئيس البرلمان من كتلة التغيير باعتبارها الكتلة الانتخابية الثانية، علق برزاني البرلمان، لأكثر من سنتين ومنع رئيسه من دخول أربيل، وبدأت الخلافات تدب في الجسد الذي حاول الأكراد رسم صورة موحدة له، لكنهم فشلوا.

ودفع استحواذ أربيل على ملف النفط إلى مهاجمة حزب الاتحاد الوطني لشركة نفط الشمال في كركوك والسيطرة عليها بعملية مسلحة في مارس الماضي. وطالب أهالي كركوك حكومة الإقليم بـ “حصتهم من عوائد النفط وميزانية الإقليم”، مؤكدين أنها “تذهب إلى جيوب برزاني وعائلته والقادة المقربين منه”.

سيناريوهات الأزمة

وسط هذه الأجواء، فالقوات العراقية تمضي في مسيرة تحرير الأرض من “داعش”، وأغلب المعارك المتبقية في ما يحيط إقليم كردستان، وخاصة في كركوك وتلعفر وصلاح الدين وديالى وهي تحادد محافظات الإقليم الثلاث.

وفي الشمال أيضا تتحشد قوات تركية على الحدود، وتتهيأ تلك الموجودة أيضًا في قاعدة الموصل للتحرك إذا أشعلت أنقرة ضوءها الأخضر لحماية المصالح التركية وأمن تركيا، بعد إنها أعلنت أن ردها على الاستفتاء سيكون أمنياً وسياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً.

وإيران لا تختلف عن ذلك فنحو 15 فرقة من الحرس الثوري تنتشر على الحدود مع العراق وبالذات من جهة الإقليم وديالى، فيما تجمعت قوات “الحشد الشعبي” في كركوك، مع تقدم القوات العراقية لتحرير الحويجة.

وبنفس السرعة تتقابل حشود “الحشد الشعبي” والبيشمركة ومعها قوات عراقية مشتركة من العشائر، بينما يتسلح التركمان في طوزخورماتو بصلاح الدين المحاذية لكركوك والإقليم، وينتشر قناصة البيشمركة على التلال المحيطة بهذه المناطق.

وحملت لهجة امريكا أكثر من تحذير وتهديد، فقد شددت على إلغاء العلاقات التجارية والاقتصادية والدعم الذي تمنحه واشنطن لأكراد العراق، وهو كثير من دعم مالي إلى عسكري وتجاري، لكن التهديد، ترك بابا مفتوحاً فيما يتعلق بالنفط، وربما ذلك ما شجع الإقليم على اتخاذ خطوة الانفصال.

وكشفت الصحيفة عن تدشين شركة شيفرون حفر آبار في كردستان، في نفس اليوم الذي صرحت به الخارجية الأميركية رافضة للاستفتاء وطالبت بإلغائه، كما تواجد سفراء أميركيون سابقون منهم “خليل زاد” حول برزاني، مما يطرح تساؤلات حول حقيقة الموقف الأميركي.

وفي سياق المواقف فإن الاتحاد الأوروبي رفض الاستفتاء على الانفصال، رغم أن للأوروبيين علاقات متعددة مع الأكراد وقوية خاصة ألمانيا، بينما أبقت روسيا الباب مفتوحاً، فقد أعلنت أنها ضد الاستفتاء لكنها لن تدلي برأيها في نتائجه.

وأهم السيناريوهات التي يمكن قراءتها في المشهد هي الآتي:

الأول: أن تمضي قيادة كردستان قدماً في الاستفتاء بسبب فشل العراق وتركيا وإيران والمجتمع الدولي في صياغة تهديدات ووعود فعالة لإرغام الإقليم على التأجيل، أو الإلغاء.

وسيدفع ذلك تركيا إلى الإدانة القوية وربما تزيد من عملياتها العسكرية ضد ما يسمى حزب العمال الكردستاني، وستحاصر الإقليم، لكنها لن تغلق أنابيب النفط الحيوية، وتلك معضلة حقيقية فالأكراد يسيطرون على مفاتيح تلك الخطوط وإذا لم تدفع لهم تركيا سيغلقونها، ما يزيد تأزيم ملف النفط بين بغداد وأربيل وتركيا.

هذا السيناريو قد يجعل أمريكا تصدر عقوبات على الإقليم، لكن الأميركيين افتتحوا مؤخرا خمس قواعد عسكرية في الإقليم إحداها ستكون تعويضا لهم عن البقاء في قاعدة أنجيرليك، تتيح لهم السيطرة على المشهد العراقي.

وستقاوم أوروبا العقوبات المشددة، لكنها ستبقي على علاقات محدودة، ففي أوروبا نحو 20 مليون كردي، عدد كبير منهم في ألمانيا، أما روسيا فستسعى لموقف محايد بداية خاصة وقد أيدت في مجلس الأمن رفض الاستفتاء، لكن من المعروف أن العلاقات بين روسيا والأكراد قوية وعميقة منذ أكثر من مئة عام.

أما بغداد فستتخذ كل الإجراءات القانونية التي تتيح لها التصرف، فالدستور مع الحكومة، والعالم كله أيد موقفها ودعمها، خاصة أن الانفصال سيحتم تعديل الدستور وسوف تحاصر إيران الإقليم أيضا وتغلق جميع منافذه والأنهار التي تنحدر منها.

لكن بغداد لا تريد أن تسيل الدماء أنهارا، فالحروب التي مرت بها إلى الآن كانت خارجية، بينما الحرب المقبلة أهلية، ولن يحتمل العراقيون أن يذبح أحدهم الآخر.

وقد تتمكن بغداد من طرد البيشمركة من المناطق المتنازع عليها، لتنحسر القوات الكردية في إطار الإقليم، وهو ما سوف يرفضه الكرد، لكن سيجبرون على قبوله بموجب القرارات الدولية.

وسوف تبقى العلاقة شائكة بين الإقليم والعالم وبغداد، مثل جمرة تحت الرماد ستتحين فرصة للاشتعال مجددا. وقد يدفع هذا السيناريو إلى عمليات تفتيت إقليمية أو ما يسمى بتأثير “الدومينو” الذي تخشاه تركيا وإيران وسوريا، وحتى العراق فقد يؤجج ذلك النزوع للانفصال وتكوين كنتونات أو دويلات “سنية، شيعية، يزيدية، تركمانية”.

الثاني: أن ينجح العالم في الضغط على برزاني بإلغاء الاستفتاء، وسوف يتم الجدال حول “إلغاء أم تأجيل”، فالإلغاء هو الأصح دستوريا وقد أبلغ العبادي، رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بأن التأجيل غير دستوري لأن الاستفتاء غير دستوري.

هذا السيناريو سيجعل بارزاني يخسر الدعم الذي يسعى إليه في الانتخابات المقبلة، وسوف يجعله يخسر كرسي الرئاسة، وقد يفاوض على التمديد له لسنتين أو ثلاث أخرى في رئاسة الإقليم، وقد يطلب إطلاق يده في ملف النفط، ثم إعادة حصة الأكراد من الميزانية العراقية التي قطعت منذ حكم نوري المالكي، بسبب رفض الإقليم تقديم ميزانية عوائد النفط أو ميزانية الإقليم نفسه.

سوف تتحرك الدول الغربية لاحتواء الموقف ولرعاية حوارات قد تطول بين بغداد وأربيل، وسوف تلعب الأطراف جميعها بكل أوراق المساومة الممكنة لتحصيل مكاسب من الطرفين.

بقلم / سها صلاح

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق