التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

القرار الأممي بتجريم “داعش” 2379.. الأبعادٌ والمخاطر! 

بعد سنوات من الصراع المرير والتضحيات الجسام التي قدمها الشعب العراقي بكافة شرائحه في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، ومع قرب الإعلان عن نهاية وجود هذا التنظيم على الأراضي العراقية وحتى السورية، أطل مجلس الأمن علينا بقرار لتجريم داعش، مستحسن في الظاهر ولكنه مثير للتساؤلات والريبة من حيث التوقيت والأهداف التي وضع لأجلها.

القرار البريطاني المنشأ الذي حمل الرقم (2379) والذي صدر يوم الخميس المنصرم يتحدث عن محاسبة تنظيم داعش الإرهابي على الجرائم التي ارتكبها في العراق، وقد طلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة إنشاء فريق تحقيق دولي برئاسة مستشار خاص وذلك لدعم الجهود المحلية الرامية لمحاسبة داعش وذلك عن طريق جمع وحفظ كافة الأدلة التي تشير لأعمال قد ترقى لمستوى جرائم حرب وإبادات جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وكل ذلك حسب القرار.

هذا ودعا القرار العراق ومن سماها بالدول الأخرى للتعاون مع الفريق المزمع تشكيله بخصوص الأمور المرتبطة بالترتيبات القانونية.

من ناحية الشكل قد يعتبر البعض أن هذا القرار هو انتصار للعدالة على الإرهاب وخطوة إلى الأمام من أجل تحصيل حقوق العراقيين الذين تعرضوا للأذى والتهجير والتنكيل بهم طيلة الفترة التي تواجد فيها تنظيم داعش على الأراضي العراقية، ولكن العالم بحقيقة مجلس الأمن والمجتمع الدولي بما في ذلك مقترحي القرار أنفسهم يُدرك أنه لابد هناك خطب ما من وراء هذا القرار. الذي يمكن له تحت مسميات مختلفة كمحاسبة من ارتكب جرائم حرب أن يلتف على إنجازات القوى العراقية الفاعلة على الأرض بما فيها الحشد الشعبي الذي يحاول الكثيرون تشويه سمعته داخليا وخارجيا.

يُذكر أن العراق لم ينضم إلى اليوم للمحكمة الجنائية الدولية، ولذلك فإن المساعي الخارجية كثيرة لإخضاعه بشكل أو بآخر لسلطة القضاء الدولي وتجريده من حرية القرار التي يتمتع فيها حاليا.

في حال تشكيل الفريق الذي ينص عليه القرار والموافقة عليه من قبل الحكومة العراقية فإن كافة الملفات الخاصة بالجرائم التي وقعت أثناء وجود داعش في العراق ستصبح تلقائيا ضمن اختصاص اللجنة الجديدة وتحت رقابتها. والخطير هنا تفعيل قضايا وفبركات مرتبطة بالحشد الشعبي وبعض القادة في الجيش والقوى الأمنية العراقية ومحاسبتهم من خلال السلطة الجديدة التي سيتمتع بها هذا الفريق الدولي.

على الحكومة العراقية ومجلس النواب وكذلك القضاء أن يكونوا حذرين جدا إزاء هكذا أمر، فالموافقة لا تعني فقط عدم استقلالية القضاء العراقي بل ووقوع القرار القضائي والجرمي في يد جهة أممية ليست مضمونة الميل والهوى.

هذا القرار يُلزم العراق بتبني أحكام وقرارات قضاة دوليين، قضاة سيكون لهم مكاتبهم إلى جانب مكاتب القضاة العراقيين وبالتالي سيكون لهم تأثيرهم المهم في مجرى الأمور. هذا الأمر بنفسه كاف ليكون مدخلا قانونيا للتدخل الدولي والأممي في سير المحاكمات للإرهابيين. وسيكون من المسموح لهؤلاء القضاة بالاعتراض على أحكام سبق واتخذها قضاة عراقيين بحق إرهابيين.

هذا القرار يشكل بابا للتدخل السافر بشؤون وسيادة العراق الداخلية. يُذكر أن القضاء العراقي يتابع ودون أي مشاكل حاليا ملفات جرائم تنظيم داعش الإرهابي. وإلى اليوم لم يسجل أي قصور وضعف لدى الجهاز القضائي العراقي وبالتالي لا مبرر لأي تدخل خارجي من أي نوع كان.

كما أتى في القرار دعوة للحكومة العراقية لتأمين كل ما يطلبه الأمين العام للأمم المتحدة وتنسيق الناحية القانونية ليتمكن الفريق الدولي من العمل بحريته، وهذا خرق فاضح وسافر لسيادة العراق. نعم نفس اعتراف الأمم المتحدة بوقوع جرائم حرب في العراق من قبل تنظيم داعش الإرهابي أمر إيجابي، ولكن السماح بتدخل منظمات وجهات دولية في سير التحقيقات الداخلية بالجرائم والأعمال الإرهابية له هدف أبعد وينسف أصل استقلال القضاء العراقي. هذه التحقيقات يجب أن تبقى عراقية بشكل كامل ولا يجب السماح بأن تتأثر بأي شكل من الأشكال بقرارات دولية حتى لو صدرت عن الأمم المتحدة.

العراقيين جربوا ما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة داعش، هذا التحالف الذي ساعد التنظيم في أكثر من مرة وضرب القوات العراقية الموالية تحت ذرائع الخطأ. هم نفسهم اليوم وبعد أن تمكنت القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي من تحقيق النصر على داعش يسعون اليوم للدخول من الباب العريض إلى النظام القضائي العراقي. ببساطة الحفاظ على النصر ومحاسبة الإرهابيين أصعب من النصر والحرب نفسها لذا فإن الصحوة وصلابة القرار السياسي هي المطلوبة اليوم من الجميع وخاصة رؤساء السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق