استفتاء إقليم كردستان العراق وتحدي “كركوك”
رغم إصرار رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته “مسعود بارزاني” على إجراء الاستفتاء بشأن الانفصال عن العراق لازال العديد من الأحزاب الكردية يرجح تأجيل الاستفتاء ومن بينها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الـ”یکتي” الذي يتزعمه جلال طالباني.
و أكد نجل طالباني “بافل طالباني” أن الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني قررا قبول المقترح الذي تقدمت به أمريكا والأمم المتحدة لتأجيل الاستفتاء.
وكتب بافل طالباني على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “إن مستقبل إقليم كردستان السياسي بحاجة إلى مفاوضات جدية مع بغداد” مضيفاً أنه “توصلنا إلى قناعة بأن أفضل الطرق والبديل لمعالجة الأوضاع يكمن في مقترح الأمم المتحدة وأمريكا وفرنسا وبريطانيا”.
كما أكدت الكثير من الشخصيات الكردية المرتبطة باليكتي رفضها لإجراء الاستفتاء في المناطق “المتنازع عليها” لاسيّما محافظة كركوك لوجود مخاطر أمنية، ما يشكل تحدياً أساسياً من شأنه أن يحول دون إجراء الاستفتاء أو يؤدي إلى تأجيله على أقل تقدير.
ولايقتصر هذا التحدي على رفض عدد من قيادات حزب الاتحاد الوطني لإجراء الاستفتاء في كركوك؛ بل أن الرفض شمل أيضاً المكونات الاجتماعية الأخرى في هذه المحافظة وتحديداً العرب والتركمان (سنّة وشيعة) بالإضافة إلى رفض الحكومة المركزية في بغداد ودول الجوار.
أهمية كركوك الاقتصادية والسياسية
تضم كركوك العديد من أكبر الحقول النفطية في العراق، وتشكل ما يعادل 10 بالمئة من مجموع الاحتياطي العراقي في مجالي النفط والغاز، حيث يصل الاحتياطي النفطي إلى حدود 10 مليارات برميل في هذه المحافظة. وتنتج كركوك في الوقت الحاضر 670 ألف برميل يومياً وربما يصل إلى حدود المليون برميل يومياً في المستقبل.
ومن الناحية السياسية ينظر إلى كركوك على أنها بمثابة قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة لوجود مكونات سياسية واجتماعية ومذهبية متعددة حيث تضم العرب والتركمان والأكراد والمسيحيين والآشوريين وغيرهم من الطوائف، وهذا من شأنه أن يعيق الاستفتاء بشأن الانفصال عن العراق في هذه المحافظة، لأن المكونات المذكورة باستثناء نسبة من الأكراد ترفض الاستفتاء والانفصال في آن واحد باعتباره يتعارض مع الدستور العراقي من جهة، ولخشيتها من التهميش والإقصاء وربّما القمع في حال تحقق الانفصال. ولهذا يعتقد المراقبون بأن كركوك ستكون علامة فارقة في حلم بارزاني بتكوين كيان كردي مستقل شمال العراق.
ومن التحديات الأخرى والأساسية التي تواجه بارزاني في كركوك تتمثل بوجود الجماعات الإرهابية خصوصاً “داعش” في بعض مناطق هذه المحافظة لاسيّما في جنوبها وتحديداً في قضاء الحويجة، وهذا يحتم على جميع المكونات العراقية التفكير أولاً بالقضاء على هذه الجماعات وتحرير المناطق المحتلة من قبلها، وهذا يشكل بحد ذاته تحدياً كبيراً لبارزاني باعتباره يسعى لإجراء الاستفتاء بشأن الانفصال في ظل ظروف أمنية معقدة يمر بها العراق، ما يثير الشكوك بالنوايا التي ينطوي عليها الاستفتاء في هذا الوقت بالذات.
ويعتقد المتابعون بأن إقحام المناطق المتنازع عليها وعلى رأسها كركوك في موضوع الاستفتاء قد ولد استفزازاً لدى سكان هذه المناطق، وأدى إلى بروز توترات ومشاكل ستؤثر وبلا شك على السلم الأهلي والنسيج المجتمعي”، مشددين على أن “الحل الأمثل هو إلغاء الاستفتاء في هذه المناطق والتركيز على تحريرها من عصابات “داعش” وعدم إلهاء سكانها بمشاكل سياسية واقتصادية سيكون تأثيرها على كل المجتمع وبكل أطيافه”.
وقبل أيام أكدت الهيئة التنسيقية لتركمان العراق رفضها الكامل لانفصال إقليم كردستان عن العراق. وطالبت الهيئة التي تضم القوى والأحزاب والشخصيات التركمانية في البلد بإلغاء الاستفتاء والتركيز على تحرير كامل الأراضي العراقية من عصابات “داعش” الإرهابية.
وتجدر الإشارة إلى أن إقليم كردستان برمته يعتبر من الناحية التاريخية جزءاً لا يتجزأ من العراق، وأي محاولة لفصله تمثل في الحقيقة بادرة خطيرة من شأنها أن تهدد هوية ووحدة واستقرار هذا البلد.
وعلى الرغم من الدعم الذي يتلقاه بارزاني من أمريكا والعديد من الدول الأوروبية إلاّ أنه يبدو أن هذا الدعم لا يرقى إلى مستوى الموافقة على انفصال الإقليم عن العراق لأسباب تتعلق برؤية واشنطن والعواصم الغربية الأخرى لعموم المنطقة وضرورة إرضاء الحلفاء الإقليميين وفي مقدمتهم تركيا.
كما ينبغي التذكير بأن الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان يواجه رفضاً واضحاً من أحزاب كردية أخرى في داخل الإقليم ومن بينها حركة التغيير “كوران” التي تعتقد بأن بارزاني يسعى لانفصال الإقليم وفق مقاساته وتصوراته دون الأخذ بنظر الاعتبار وجهات نظر الآخرين في هذا المجال.
وكان البرلمان العراقي والمحكمة الاتحادية العليا في البلد قد رفضا إجراء الاستفتاء بشأن انفصال إقليم كردستان باعتباره يتعارض مع الدستور العراقي، فضلاً عن المخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سيتركها على العراق ودول الجوار والمنطقة برمتها.
المصدر / الوقت