هل تضمن الحدود الجغرافية الاستقلال؟
يطالب الأكراد بهوية مستقلة منذ عام 1916، أي منذ توقيع اتفاقية سايكس بيكو، وعلى مدى العقود الماضية مر الأكراد بتجارب صعبة لا تخفى على أحد بعد أن أتفق البريطاني السير مارك سايكس والفرنسي فرانسواجورج بيكو على رسم حدود الشرق الأوسط قبل سقوط الإمبراطورية العثمانية بسبع سنوات.
وقد حظي هذا الاتفاق بموافقة من روسيا القيصرية آنذاك، وقد قسمت الحدود التي نص عليها الاتفاق الشرق الأوسط وبصورة خاصة سوريا، العراق، لبنان وفلسطين الى مناطق للنفوذ البريطاني والفرنسي.
وعلى الرغم من أن جميع دول الشرق الأوسط أصبح لها حدود واضحة وفقا لهذا الاتفاق، إلا أن الأكراد تحولوا الى قوم موزع في بلدان مختلفة. وكانت إيران ولا زالت مهد الشعب الكردي، فهم جزء لا يتجزأ من أرضهم الأم توزعوا في العرق، سوريا وتركيا الحالية بعد الأحداث المؤسفة التي رافقت معركة جالديران وانفصال أراضٍ عن إيران.
ومنذ عام 1916 حاول الأكراد الحصول على هوية مستقلة واحقاق حقوقهم. ورافقت هذه المساعي الكردية ثورات أو اتفاقات مؤقتة مع الحكومات العراقية، السورية والتركية كثيرة منذ عام 1925 وحتى عام 2014. ولكن منذ عام 2003 اختلفت أوضاع الأكراد في العراق بطريقة فريدة من نوعها. منذ أن حظرت الأمم المتحدة الطيران في منطقة الإقليم خلال الحرب مع نظام البعث الصدامي، وحتى الآن مرورا بسقوط نظام صدام، عاش الأكراد أوضاعا مختلفة وأكثر أمنا بالمقارنة مع بقية أبناء الشعب العراقي. كذلك الأمر بالنسبة الى أكراد سوريا الذين يعيشن الآن في ظل حكم ذاتي في 3 مناطق هي الجزيرة، كوباني وعفرين.
ربما يكون الأكراد العراقيون قد شاركوا في استفتاء الخامس والعشرين من أيلول الجاري وطالبوا بتغيير معاهدة سايكس بيكو لإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط؛ لكن ومن دون أي شك يعلم الأكراد أن بريطانيا و فرنسا لم تعودا أقوى دول العالم ليتمكن وزراء خارجيتهما من الجلوس على الجانب الآخر من العالم ورسم الحدود الجغرافية للشرق الأوسط، كما أن إيران، العراق، تركيا وحتى سوريا الجريحة بسبب الحرب الأهلية، ليسوا باللاعبين الدوليين الخاملين الذين يستسلمون لأي تغيير يحصل. أي بصريح العبارة أن أي تغيير يعتمد على الادراك الأمني للاعبين الرئيسيين في الإقليم.
ولا يحمل أي من جيران العراق، أفكارا إيجابية حول ما يسعى الإقليم الكردي الى تحقيقه. فلا مكان للرومانسية فيما يتعلق بالأمن. إن ما يؤكد عليه جميع جيران العراق وحتى المجتمع العالمي، هو صيانة وحدة الأراضي العراقية ضمن إطار شعب واحد ودولة واحدة.
إن مطالب الأكراد العراقيين محترمة، ولكن لا يمكن أن تتم من دون المبالاة بجيران العراق. منذ سنوات يدور حديث حول خطر تقسيم البلدان الكبيرة في المنطقة، إن تصغير البلدان لا يهدف الى إقامة دول ذات طابع قومي، بل الى الحد من المقدرات الأرضية والسكانية للدول التي تريد أن تعيش بعيدا عن تدخل القوى العظمى في شؤونها.
ويملك الأكراد العراقيون جميع المقدرات الضرورية من أجل مساومة الحكومة العراقية المركزية حول حقوقهم ضمن اطار الحكومة المركزية. رغم اختلاف الأكراد مع الحكومة المركزية منذ عام 2014 واستمرار هذه الخلافات، إلا أنهم لطالما كانوا محط اهتمام جيرانهم وجرت معهم مفاوضات وحصلوا على دعم سياسي. جيران العراق على علم بما جرى على الأكراد منذ عام 1916 وتعاملوا مع الحكم الذاتي للأكراد من هذا المنطلق. ولكن هؤلاء الجيران لا يقبلون بالاعتداء على السيادة العراقية، ويرون في ذلك تهديدا للمنطقة.
على المدى القريب، لن تؤدي مساعي إقليم كردستان للاستقلال سوى الى استمرار الانهيار وتعريض الشعب العراقي الى جرح جديد. إن أكراد العراق الذين كانوا حتى الأمس جزء من خارطة الطريق للخروج من أزمة انعدام الاستقرار في العراق، ويجب ألا يتصرفوا بتعجل فيتحولوا الى جزء من المشكلة. إن اجراء الاستفتاء في كردستان ليس بالأداة المناسبة للتخلص من نتائج اتفاقية سايكس بيكو. يجب أن يلتفت الأكراد الى أن تحقيق الاستقلال في عالمنا اليوم لا يعني بالضرورة رسم حدود مستقلة، الأمر اصبح للأمر عناصر ضرورية أخرى.
المصدر / الوقت