التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

فاجعة كربلاء وحرمات الله 

لقد بلغت هذه الأمّة يوماً ما مبلغاً من الجهل والمغالطة والوقوع في لبس الأمور ومتشابهاتها، حدّاً لم تعد معه تفهم الحقائق إلّا من خلال الوقائع الصارخة، والأحداث القارعة.. فكان الإمام الحسين -عليه السلام- وحده الذي يوقظ هذه الأمّة من جهلها وغفلتها، ومن توهّماتها ومغالطاتها…
فكانت يومها ملحمة كربلاء، وكانت واقعة عاشوراء. فكانت الحقائق كالصواعق مسمعة مرهبة، وكانت كالشموس الساطعة كاشفة محتجّة معجبة، وكانت التساؤلات الحائرة تتري تلحّ علي الأفهام والضمائر:
– متي جاز للمسلم قتل المسلم؟! و متي جاز للناس استباحة دماء الأولياء والصلحاء؟! و متي أمر الشرع الحنيف بقتل ذرية النبيّ من أهل بيته الأبرار الأمناء؟! و متي رفعت حرمة المثلة بأجساد الشهداء؟! و متي سنّت سنّة أسر النساء المسلمات الطاهرات، بعد النّهب والسلب والشتم الإرعاب؟! وأخيراً… من أباح كلّ هذه الأشكال والصور من الهتك الفضيع لحرمات الإسلام الحنيف غير بني أمية وآل أبي سفيان؟!
ولم تصح الأمّة هذه – يومها – ولم تفق علي هذه التساؤلات الخطيرة إلّا بدويّ دماء أبي عبد الله الحسين في كربلاء، و إلّا بمشاهد السبي الفجيعة إلي الكوفة ثمّ إلي الشام.
لقد تحير الفقهاء من جميع مذاهب المسلمين كيف يجيبون علي سؤال متسائل متعجّب: متي أحلّ سبي المسلمة في الإسلام ومن قبل المسلمين وفي بلاد الإسلام، والمسلمة تلك أحياناً من أهل بيت النبيّ -صلي الله عليه وآله وسلم-؟!
ولماذا لم نسمع ولم نقرأ استنكاراً صارخاً عنيفا علي ما جري من سبي حرائر رسول الله في كربلاء، ألا انّهن من أسرة الإمام عليّ -عليه السلام-؟!
فأين الغيرة علي الدين، وعلي حرمة المسلمات والمسلمين؟!
في (السيرة النبوية) للحلبيّ انّ امرأة وقعت أسيرة عند النبيّ -صلي الله عليه وآله- فقامت إليه تقول له: «يا محمّد، إن رأيت أن تخلي عنّا، ولاتشمت بنا أحياء العرب، فإنّي ابنة سيد قومي، وإنّ أبي كان يحمي الذمار ويفكّ العاني، ويشبع الجائع ويكسو العاري، ويقري الضّيف ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قط، أنا(سفّانة) بنت حاتم الطائيّ!» فقال لها رسول الله -صلي الله عليه وآله-: “يا جارية، هذه صفة المؤمن حقّاً، لو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه، خلّوا عنها؛ فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق”.
وتلكم زينب بنت أمير المؤمنين، وبنت فاطمة سيدة نساء العالمين، وحفيدة محمّد المصطفي سيد الأنبياء والمرسلين، يأسرها يزيد بن معاوية ولايري لها حرمة في الإسلام ولا في رسوله؟! فأين ذهبت العقول والضمائر، وأين دفنت الغيرة، وكيف لم يصح وجدان هذه الأمّة علي أفعال آل أمية وأزلامهم؟!
ولفظاعة هذه الجرائم سعي ذيول البغي الأموي لتبرئة الطاغية يزيد من المسؤولية عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها جلاوزته في كربلاء ونسمع من مشايخ الوهابية ونظرائهم فتاوي بهذا المضمون بين الحين والآخر، فما هي مصداقية هذه الإدعاءات؟
فالإشتراك في أي جريمة ولاسيما حين تكون الجريمة ذات طابع اجتماعي دائماً تحمل بصمات عدة اطراف في القضية. حينما ننظر الى الجريمة التي حصلت في ظهر او عصر يوم العاشر من محرم عام ٦۱ هجرية نجد أنها جريمة قد تحمل وزرها حتى الساكت عنها ولو لم يشرك فيها بحرب او طعن او قتال لأن قتل الإمام الحسين عليه السلام مسئلة كانت فاصلة وحد فاصل وواضح بين الإيمان وبين الكفر وبين مسار يتوجه اليه المجتمع يتحكم فيه الظالم والمستبد بشؤون الأمة وبين مسار آخر ينصب فيه الأمام المنصب من قبل الله عزوجل ومن قبل رسوله ليكون هو الحاكم الشرعي الوحيد في الشؤون العامة للأمة. الأمة في ذلك اليوم كانت بين هذين الخيارين، أن تتوجه الى هذا الخيار او ذلك الخيار الآخر.

يزيد الذي كان طاغية العصر وكان الحاكم المستبد الذي نصب على رقاب المسلمين من دون أي ارادة ومن دون أي شرعية حتى في أدنى حدودها كما نعلم وكما ينقل التاريخ وينقل المحدثون والمؤرخون أن يزيد بن معاوية ما كان يمتلك حتى الحد الأدنى من الشرعية يعني حتى الإلتزام بمظاهر الإسلام كان حد تجاوزه يزيد وبالتالي لابد أن يحمل جرماً كبيراً وأن يكون له دور يحاسب عليه في قتل الامام الحسين عليه السلام وإلا الأمور لايمكن أن تجرى بهذا السياق المهمل الذي نريد من خلاله أن نخلص يزيد من المشكلة التي واجهها والتي كانت سبباً في إنهيار الحكم الأموي فحسب بل أصبحت الثورة الحسينية مؤشراً لكل حاكم ولكل نظام حكم سياسي ولاسيما في عالمنا العربي والاسلامي يريد أن يطغي عليه صفة الشرعية.

كتب الخوارزميّ الحنفيّ في (مقتل الحسين عليه السلام): أنّه لما سير عمر بن سعد رؤوس الشهداء إلي الكوفة، أقام مع جيشه إلي زوال اليوم الحادي عشر من المحرّم، وبعد الزوال ارتحل إلي الكوفة ومعه نساء الحسين وصبيته وعيالاته وعيالات الأصحاب، فسيروهنّ أسيرات علي أقتاب الجمال بغير وطاء، كما يساق سبي الترك والروم، أي السّبي الذين يقعون بيد عساكر الترك والروم يومها، وهنّ ودائع خير الأنبياء، ومعهنّ الإمام السجّاد عليّ بن الحسين -عليه السلام- وهو علي بعير ظالع بغير وطاء وقد أنهكته العلّة، ومعه ولده محمّد الباقر وله سنتان وشهور أو ثلاث سنوات.
وقد قلن النسوة لآسريهنّ: بالله عليكم إلّا مررتم بنا علي القتلي. فلمّا نظرن إليهم مقطّعي الأوصال وقد طحنتهم الخيل بسنابكها، صحن ولطمن الوجوه، وصاحت زينب العقيلة:«يا محمداه، هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتّلة».

وأتاهنّ زجر بن قيس فصاح بهنّ فلم يقمن، فأخذ يضربهن بالسّوط، ثمّ اجتمع العسكر عليهنّ حتّي أجبروهنّ علي ركوب الجمال.

وفي الكوفة، أدخلن بنات الرسالة فاجتمع الناس هناك للنظر إليهم، فصاحت بهم أمّ كلثوم: “يا أهل الكوفة، أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلي حرم النبيّ صلي الله عليه وآله؟!”. وأخذ أهل الكوفة يناولون الأطفال التمر والجوز والخبز، فصاحت أم كلثوم زينب -سلام الله عليها-:

“إنّ الصدقة علينا حرام”. ثمّ رمت بما قدّموا جانباً، ليفهموا أنّ هؤلاء الأسري هم من ذراري رسول الله صلي الله عليه وآله! وكانت لها خطبة في أهل الكوفة عظيمة أنّبتهم بها علي أفعالهم الشنيعة، وهتكهم لحرم الرسالة والرسول، أعقبتها خطبة لبنت أخيها فاطمة بنت الحسين -عليه السلام-، ثمّ خطبة بليغة أخري كانت لأمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليّ -عليه السلام- جاء فيها قولها: “يا أهل الكوفة! سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتبّا لكم وسحقاً! ويلكم! أتدرون أيّ دواه هتكتم، وأيّ وزر علي ظهوركم حملتم، وأيّ دماء سفكتم، وأيّ كريمة أصبتموها، وأيّ صبية أسلمتموها، وأيّ أموال انتهبتموها؟! قتلتم الرجالات بعد النبيّ، ونزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب الله هم المفلحون، وحزب الشيطان هم الخاسرون”.

ثمّ كانت للإمام عليّ بن الحسين -عليهما السلام- خطبته الكاشفة، وكان منه دفن أبيه الحسين-عليه السلام- في صبيحة الثالث عشر من المحرم، وبعدها أدخلن السبايا إلي قصر الطاغية عبيد الله بن زياد، فكان منه ما كان من هتك حرمة الرأس الأقدس لسيد شباب أهل الجّنة أبي عبدالله الحسين -عليه السلام-، ومن الاستخفاف والتهديد والشماتة من النساء واليتامي بقتل ذويهم!

وأعظم ما يشجي الغيور حرائر
تظام وحاميها الوحيد مقيد!
فمن موثق يشكو التشدّد من يد
وموثقة تبكي فتلطمها اليد!
كأنّ رسول الله قال لقومه
خذوا وتركم من عترتي وتشدّدوا!

إذن فقصة سبي عيالات الحسين – عليه السلام – وهم من أهل بيت النبوة – عليهم السلام و بتلك الصورة المفجعة تعد من أوضح البراهين علي عداء عتاة بني أمية لله ولرسوله – صلوات الله وسلامه عليه وعلي أهل بيته الشريف – وأن مسؤولية هذه الجريمة الشنعاء تقع علي عاتق الطاغية الفاجر يزيد بن معاوية بالدرجة الأولي وعلي أشياعه بالدرجة الثانية.

المصدر : برنامج “فاجعة كربلاء وحرمات الله” إذاعة طهران

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق