التركمان العراقيون؛ المواقف، المنهاج والآفاق
أصبحت الأقليات العرقية – الدينية اليوم واحدة من مراكز الأزمات في العالم المعاصر. وتؤدي إدارة هذه الأقليات دورا هاما في مستقبل أي نظام سياسي. وغرب آسيا ليست استثناء من ذلك كأحد مراكز التوترات الإثنية والدينية. لقد اثار التركمان العراقيون قلق المجتمع الدولي باعتبارهم إحدی الأقليات العرقية المتضررة جراء التحديات الداخلية منذ بداية تأسيس العراق. ما هو موقف ودور تركمان العراق وما هو الموقف الداخلي والإقليمي تجاه التركمان المتضررين؟ تسعى هذه المقالة إلى الإجابة على الأسئلة المذكورة أعلاه.
تحليل الموضوع
قبل کل شئ يعتبر التركمان اقلية في قلب اقلية. يتراوح تعدادهم السكاني بشكل دقيق بين 2 الى 3 بالمئة من سكان العراق لذلك هم يشكلون نحو 500 الف الى 800 الف نسمة ويسكنون غالبا في كركوك وتلعفر. ويشكل التركمان نحو 90% من سكان تلعفر.
وفيما يتعلق بالسكان التركمان في كركوك، يمكن القول إنه نظرا لعدم وجود إحصائيات دقيقة، ولكن يمكن لعدد البرلمانيين العراقيين ومجلس محافظة كركوك أن يبين الحجم النسبي للسكان التركمان. ويوجد في مجلس محافظة كركوك (ما مجموعه 41 عضوا)، وكان التشكيل على النحو التالي في عام 2011: 27 عضوا كرديا، 8 أعضاء عرب و 6 أعضاء تركمان.
وفي الانتخابات البرلمانية لعام 2014 استطاعت كركوك ان تدخل البرلمان بواقع 8 نواب اكراد، ونائبان تركمانيين ونائبان عرب. نسب المقاعد هذه جاءت نتيجة لخروج العرب من كركوك بعد عام 2003 حيث كانوا قد هاجروا اليها بعد عمليات تعريب كركوك بعد عام 1975.
ومن الناحية الدينية يشكل 60% من السكان التركمان العرب و35% منهم هم من الشيعة، كما يشكل المسيحيون مايقارب 30 ألف شخص. وقد جلبت هذه الفوارق والتنوع الديني نهجا مختلفا داخل المجتمع التركماني. وهذه المناهج تتبع القوى الإقليمية والدولية.
النهج السياسي لتركمان العراق
يقال ان للتركمان من الشيعة والسنة مناهج مختلفة في المجال السياسي حيث يتماشى بعضهم مع حكومة اقليم كردستان والبعض الاخر مع الحكومة المركزية، وهذا ما ادى الى انشقاق المجتمع التركماني الى صفين. وعلى الرغم من أن الجبهة التركمانية العراقية، ذات الميول العلمانية، حاولت إلى حد ما التغلب على هذا الفراغ، فإن النسيج الديني والإسلامي للعراق يحتاج إلى التقارب، والعلمانية ليست لديها القدرة على حل المشكلة.
الف- التركمان المؤيدون لاقليم كردستان: هذه الأحزاب أكثر انسجاما مع حكومة إقليم كردستان وهي تطالب بنهج ديمقراطي ضمن اطار الاقليم. لديهم ميول ديمقراطية ويطالبون بإدراج كركوك ضمن كردستان. هذه المجموعة من التركمان تخضع لسياسات مسعود بارزاني وهم قريبون من الغرب، كما يحظون بدعم سنة العراق والدول العربية والسعودية. والدعاة الرئيسيون لهذا النهج هم حزب الإخوان التركمان العراقي والحركة الديمقراطية التركمانية العراقية.
1-حزب الاخوان التركمان العراقي: منظمة سياسية يقودها وليد شريكا، تمثل الشعب التركماني العراقي في البرلمان. هذا الحزب مؤيد للحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، ويتماشى مع الحركة الديمقراطية التركمانية، فإنه يريد انضمام كركوك الغنية بالنفط الى حكومة كردستان العراق.
2- الحركة الديمقراطية التركمانية: يترأس هذه الحركة نور الدين نجم الدين وتنوب هذه الحركة عن التركمانيين في البرلمان وهم احد فروع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي. تعارض الحركة التدخل التركي بالشأن التركماني. وبما انهم من المؤيدين لإنضمام كركوك لسلطة الاقليم فهم يتمتعون بدعم الاكراد ولهم ثلاث مقاعد برلمانية في الاقليم. كما وافقوا سابقا على رفع علم الاقليم فوق مبنى محافظة كركوك.
ب-التركمان المؤيدون للحكومة المركزية العراقية: على عكس التركمان المتحالفين مع حكومة كردستان وهم غالبا من الطائفة السنية، فإن اغلب التركمان من الحكومة المركزية في العراق هم في الغالب من الشيعة ومصالح التركمان الشيعة هي من أولوياتهم. يسعى التركمان المؤيدون لهذا النهج الى تركيز السلطة في الحكومة العراقية المركزية وعدم تفكيك البلاد، ويعارضون بشدة انضمام محافظة كركوك لاقليم كردستان. والمؤيدون الرئيسيون لهذا النهج هم:
1- الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق: حركة اسلامية بأيدلوجية شيعية يرأسها عباس البياتي. تأسس الاتحاد عام 1991، وبعد عام 2005 انضم الى احد فروع التحالف الوطني العراقي وحزب الدعوة. ويعتبر البياتي احد المعارضين الاشداء للأكراد. وفي انتخابات البرلمان الكردي، أخفقت قائمة الاتحاد الإسلامي التركماني في الفوز بالآراء المطلوبة، لكنهم فازوا بمقعد في الانتخابات البرلمانية العراقية. هذه الفئة من التركمان هي أكثر انسجاما مع سياسات إيران وتدعم نهج محور المقاومة والتقارب مع بغداد وتعارض السياسات الأمريكية والغربية.
2-الجبهة التركمانية العراقية: تأسست الجبهة عام 1995 في أربيل نيابة عن الشعب التركماني في العراق وباعتباره أحد فروع التحالف الوطني. من قيادات الجبهة، سعد الدين اركيج، ارشد الصالحي وحسن توران. لدى الجبهة التركمانية العراقية 5 مقاعد في البرلمان العراقي ومقعد واحد في البرلمان الوطني في كردستان العراق. ويُدعم هذا الحزب من قبل الجيش والحكومة التركية. وفي الوقت نفسه، فإن الحزب قريب أيضا من الحكومة المركزية في العراق من خلال العمل مع الائتلاف العراقي. والحقيقة هي أن الجبهة التركمانية أصبحت ناطقة باسم الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية، وهي تقوم بالتنسيق مع تركيا عند اي تحالف أو اعتراض على سياسات الحكومة المركزية في العراق أو الحكومة المحلية في كردستان.
3- حزب الشعب التركماني: تأسس الحزب عام 1997 تحت قيادة نهاد إلهانلي. وقد تم قمع هذا الحزب منذ بداية تأسيسه حتى احتلال العراق والإطاحة بصدام حسين من السلطة، ولكن بعد الإطاحة بصدام واصل الحزب العمل بحرية. وليس للحزب مكانة تاريخية كونه لم يرحب به قبل التركمان.
تركمان العراق والتطورات الراهنة
يتأثر التركمان العراقيون بالصراعات الإقليمية. وواقع الأمر هو أن العراق الحالي يتأثر بجهتين، الشيعية والسنية. وقد شددت حرب داعش هذه الجبهة، ولم يكن التركمان العراقيون مستثنين من الامر. على سبيل المثال، حادثة آمرلي وحصار الشيعة التركمان من قبل تنظيم داعش مثال على ذلك.
ووفقا لما ذكره أيدين معروف، النائب التركماني في مجلس النواب الكردستاني، فقد قُتل أكثر من 3000 مواطن تركماني خلال المواجهات في الموصل، كما استشهد 500 مواطنا تركمانيا في الحرب ضد هذه الجماعة الإرهابية. وأصبحت “تلعفر” الآن محور القتال بين تنظيم داعش والجيش العراقي والحشد الشعبي، ويعيش التركمان العراقيون في ظروف صعبة.
ويُستخدم التركمان كدروع بشرية في هذه المدينة. والأهم من ذلك أن تنظيم داعش لا يُميز في جرائمه بين السني والشيعي حيث يشكّل السُنّة اكثر من خمسة وسبعين في المائة من سكان تلعفر، بالطبع لا توجد إحصائيات رسمية لأن التركمان الشيعة انتقلوا أيضا إلى تلعفر بعد سقوط كركوك في عام 2003، وكان عدد سكان المدينة يصل إلى 205،000 بحلول عام 2014، حيث كان غالبيتهم من المذهب الشيعي.
إن قتل سنة تلعفر سيكون ضربة قوية لتنظيم داعش، لأن ادعاءاتهم بالدفاع عن الحقوق السُنّة لن يكون لها أساس، والأهم من ذلك أن جهود السنة العراقيين ستتضاعف للقضاء على تنظيم داعش في تلعفر. وعلی ضوء هذه العمليات الميدانية ونجاح قوات البيشمركة والجيش العراقي والحشد الشعبي، فإن المناخ السياسي في العراق سيكون حاسما.
الف- الجبهات السياسية في العراق ومستقبل التركمان: مع اقتراب موعد الانتخابات لعام 2018، تبحث الأحزاب السياسية والحركات السياسية عن استقطاب دماء جديدة، ويبحثون عن فرص جيدة لتحقيق الاستقرار في موقفهم، وإن كان ذلك على حساب الدعم الإقليمي. مع انشقاق عمار الحكيم عن المجلس الأعلى العراقي وتشكيل تيار الحكمة الوطنية، باتت مسايرة التحولات الجديدة وتحقيق تطلعات جيل الشباب في مقدمة خططه.
ومن خلال تشكيل هذا التيار، فسيكون للتركمان نهج مختلف في العراق. يستطيع التركمان السنة والشيعة متابعة قضاياهم العرقية في إطار تحالف شامل. اذ ان شعار عمار حكيم في تياره الجديد “العراق جسر للتواصل وليس ساحةً للصراع”، سيفتح له مظلة ستكون واسعة جدا لإجتذاب طاقات شابة.
من ناحية أخرى، للأكراد علاقات ودية مع أسرة الحكيم، وسيجد التركمان السنة والاكراد وضعا أفضل تحت هذه المظلة الواسعة. لكن هذا التيار يواجه تحديات من قبل حزب الدعوة ومقتدى الصدر، الذي سيتأثر بالنهج الجديد لمقتدى الصدر وقربه من السعودية، التي ستحدد نتائجه من خلال صناديق الاقتراع.
وعلى الرغم من أن عجز صناع القرار السياسي في العراق هو أحد عوامل الاختلاف والتوتر بين التيارات العراقية، لكن العوامل الخارجية وتأثير الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية تزيد الطين بلّة، لذلك تضرر التركمان العراقيين نفوذ دول الجوار وخاصة تركيا.
ب-استفتاء اقليم كردستان ومستقبل التركمان: التركمان الذين يتأثرون بالتوازن الإقليمي يعارضون استفتاء كردستان. ويتأثر بعضهم بمواقف تركيا، من امثال ارشد صالحي، ويتأثر البعض الآخر بموقف التحالف الوطني العراقي، من امثال عباس البياتي.
ومع ذلك، فإن بعض التركمان حريصون على دعم استفتاء الاقليم، نظرا للعلاقات التجارية، والقرابة وموقعهم الجغرافي من الأكراد.
وفيما يتعلق بتحدي كركوك، يبدو أن التوترات ستزداد، كما يتضح من تصريحات جاسم محمد جعفر، نائب الاتحاد التركماني العراقي. وفي اشارة الى امكانية اجراء استفتاء في كركوك قال انه تم اقتراح خطة على اساسها يجب تأجيل الانتخابات لمدة اربع سنوات لاجراء تعداد سكاني جديد في محافظة كركوك وسيتم توزيع المناصب الادارية للمحافظة بين القوميات الموجودة.
وعلى النقيض من ذلك، يشير الأكراد إلى المادة 140 من الدستور العراقي والى تعداد السكان الذي كان مقررا اقامته في عام 2007، والذي أرجأته الحكومة العراقية. وهذا يعني أن جزءا من التركمان العراقيين لن يعترفوا باستفتاء كردستان.
ومع ذلك، فإن إجراء الاستفتاء سيخلق تحديات في كركوك، ولا يمكن للقوات التركمانية أن تمنع حدوث أزمة الّا في إطار التعاون مع الاقليم. ورغم ان الفضل في الحفاظ على امن كركوك يعود الى شرطة كركوك وقوات البيشمركة وهو بمثابة انجاز للتركمان، وأنقذوهم من عمليات القتل التي يقوم بها داعش، لكن يجب ان لا ننسى دور التدخلات الأجنبية. في الداخل، سيعيش داعش عصر إدارة الأزمات، والإهمال وسوء الإدارة يعني الاختلافات والتوترات الجديدة.
الاستنتاج
على الرغم من أن عجز صناع القرار السياسي في العراق هو أحد عوامل الاختلاف والتوتر بين التيارات العراقية، لكن العوامل الخارجية وتأثير الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، قد زادا الطين بلّة، وقد تضرر التركمان من دول الجوار ونفوذهم، وخاصة من تركيا، حيث ازداد هذا الضرر مع دخول داعش للعراق. وكان الضرر كبيرا لدرجة أنه حتى الولايات المتحدة لم تبد اي اهمية تجاه التركمان.
على سبيل المثال، عند حصار آمرلي، كانت السياسة الأمريكية تسلط الضوء على مقتل الأيزيديين والمسيحيين، وفي ضوء هذه السياسة، تم نسيان التركمان، أو في عمليات قتل تركمان تلعفر، كان التوجه الرئيسي لأمريكا هو إضعاف القوى، كي تتمكن بسهولة من إدارة الأزمة في حقبة ما بعد داعش. ولكن لا يمكن تجاهل قدرة الزعماء التركمان، وخاصة عباس البياتي وارشد صالحي، في تسليط الضوء على أحداث تلعفر وآمرلي.
في إطار مظلة التيار الوطني العراقي ورغبة عمار الحكيم البراغماتية، يمكن للتركمان تحقيق الأهداف والإنجازات المرجوة، لأن للحكيم علاقات جيدة مع الأكراد ومع الشيعة. وفي مثل هذه الحالة، سيكون التركمان أيضا في وضع أفضل. والمسألة المعقدة الوحيدة هي الحصار المفروض على التركمان في تلعفر واستخدامهم كدروع بشرية، التي من شأنها ان تهدد الوجود التركماني أو حتى ابادة جيل كامل منهم من قبل تنظيم داعش الإرهابي.
المصدر / الوقت