حماس تَستكمل مُراجعاتها وقيادتها “القسّاميّة” الجديدة بانتخاب العاروري نائبًا لهنيّة
سياسة ـ الرأي ـ
في غَمرة انشغالِ الأوساط السياسيّة والشعبيّة في داخل فلسطين المُحتلّة وخارجها بـ”مهرجان” المُصالحة الفلسطيني، ووصول الدكتور رامي الحمد الله رئيس الوزراء إلى قطاع غزّة لاستلام الوزارات والإدارات الخدميّة الأساسيّة، فاجأت حركة “حماس″ الجميع عندما أعلنت الخميس أن مجلس الشورى فيها انتخب السيد صالح العاروري، رئيس الجناح العَسكري في الضّفة الغربيّة، نائبًا لرئيس المَكتب السياسي خَلفًا للدكتور موسى أبو مرزوق.
هذا الانتخاب، وما يَحمله من أمورٍ رمزيّةٍ عديدةٍ، يُعتبر على درجةٍ عاليةٍ من الأهميّة والخُطورة في الوَقت نفسه، الأهميّة لأنه يُصعّد أحد أبرز الشخصيّات تشدّدًا وإيمانًا بالكِفاح المُسلّح داخل الحَركة والضفّة الغربيّة والقِطاع، والخُطورة لأنه، أي السيد العاروري، يُمكن أن يُعيد تَفعيل المُقاومة في الضفّة في المَرحلة القادمة، وأن يتزعّم المَكتب السّياسي للحَركة بَعد السيد إسماعيل هنية، بعد انتهاء فَترته، مع التّحذير المُسبق بأنّه كان وسَيَظل هدفًا لجهاز “الموساد” الإسرائيلي، أُسوةً بمُعظم قادة “حماس″ و”فتح” والشعبيّة والجِهاد وفصائل المُقاومة الشّهداء السّابقين.
ما يُمكن استقراؤه من بين ثنايا هذهِ الخُطوة يتلخّص في النّقاط التالية:
أولاً: اكتمال تركيبة حركة “حماس″ القياديّة بهذا الانتخاب الذي يَعني قَلب هَرم القمّة فيها، أي اختيار السيد هنية رئيسًا للمكتب السياسي، وهو من قطاع غزّة، وانتخاب السيد العاروري (من الضفّة) نائبًا له، مع الإشارة إلى أن القيادة السّابقة كانت مَعكوسةً، أي تولّي السيد خالد مشعل، هو من الضفّة رئاسة المكتب السياسي، والسيد أبو مرزوق (من القِطاع) نائبًا له، وهذا قمّة التوازن والذّكاء السياسي التّنظيمي.
ثانيًا: بانتخاب السيدين هنية والعاروري تكون حركة “حماس″ أجرت “مُراجعةً” غير مُباشرةٍ ومَسؤولةٍ، لسياساتها في السّنوات السّبع الماضية، من حيث إعادة القيادة إلى الداخل، و”إراحة” القيادة السابقة التي كانت لصيقة بحركة الإخوان المسلمين، واتخذت قرار الخُروج من سورية إلى قطر، والانحياز كُليًّا إلى جانب الثورات العربيّة والسوريّة خُصوصًا.
ثالثًا: اللّافت أن النّسبة الأكبر من قادة المكتب السياسي الجُدد في الحَركة هُم من مُؤسّسي الجَناح العَسكري للحركة (عز الدين القسّام)، ومن الذين قَضوا سنواتٍ عديدةٍ في سُجون الاحتلال، أمّا لقيادة عمليّات عسكريّة ضد الاحتلال، أو المُشاركة فيها فِعليًّا، مِثل السادة يحيى السنوار (23 عامًا في السّجون) والعاروري (16 عامًا)، وروحي مشتهي، والقائمة تَطول.
رابعًا: وجود استراتيجيّة بَعيدة المَدى لحركة “حماس″ في العودة بقوّة إلى مِحور المُمانعة والمُقاومة، وترميم العلاقات مع إيران وسورية، وتَعزيزها بشكلٍ أقوى مع المُقاومة اللبنانيّة بزعامة السيد حسن نصر الله، وعبر السيد السنوار، رئيس المكتب السياسي للحَركة وقائدها في قطاع غزّة عن هذهِ الاستراتيجيّة أثناء لِقائه الأول مع مجموعةٍ من الصحافيين في القِطاع قبل شهر، وأشاد بإيران الدّاعم الأكبر لكتائب “القسّام” بالمال والسّلاح.
مُنذ اللّحظة الأولى التي بثّت فيها قناة “الميادين” صورة للسيد العاروري مع السيد أمير حسين عبد اللهيان، مُستشار مجلس الشورى الإيراني في السفارة الإيرانيّة في بيروت قبل شهر، ثم وجوده على رأس وفد حركة “حماس″ الذي زار طهران للمُشاركة في حَفل انتخاب الرئيس حسن روحاني بعد اللّقاء المَذكور بأيّام، كان واضحًا أن نجم الرّجل في صُعودٍ مُتسارع، وأن حركة “حماس″ قيادة وقواعد، تَكن له التقدير والاحترام، وتَعتبره رجل المرحلة في الضفة الغربيّة، وربّما خارج الأراضي المُحتلّة أيضًا، غير عابئةٍ بمُطاردة إسرائيل وأجهزتها الأمنيّة له، لاتهامه بالوقوف وهندسة عمليّة اختطاف ثلاثة مُستوطنين في منطقة الخليل وإعدامهم فورًا، انتقامًا لحَرق الشاب محمد أبو خضير (17 عامًا)، وهي العمليّة التي جَرّت إسرائيل إلى مَصيدة العدوان على قِطاع غزّة صيف عام 2014، وتكبّدت خلالها هزيمةً سِياسيّةً وعَسكريّةً فادحة.
هذهِ المُراجعات “الصّامتة” التي تَجري بثقةٍ كبيرةٍ في ظِل عمليّة تقاربٍ سياسيٍّ “براغماتي” مع مصر، وجناح النائب محمد دحلان، والمُضي قُدمًا في المُصالحة مع الرئيس محمود عباس وإجراءات تسليم السلطة، تأتي في سياقِ استراتيجيّة حَمساويّة بعيدة المَدى تُريد التخلّي عن الأعباء السلطويّة والإداريّة الباهظة التّكاليف، في ظِل الحِصار الخانق، ولمَصلحة التّركيز على تعزيز الجناح العَسكري المُقاوم، مُحاكاةً لتجربة “حزب الله” في لبنان وهي تجربةٌ مُشرّفةٌ تستحق أن تُحتذى، مع فارقٍ أساسيٍّ ومُهم، وهو أن حركة “حماس″ أولى بهذهِ المُحاكاة لأنها ما زالت تُقاوم احتلالاً للأراضي التي تَقف عليها، وكل أراضي فلسطين التاريخيّة.
راقبوا هذا الثّنائي السنوار والعاروري والصّلة الوثيقة بينهما على أرضيّة العَمل العَسكري والاعتقال معًا، وراقبوا أيضًا حِكمة السيد إسماعيل هنية وهُدوءه أيضًا، فهذهِ القيادة الجديدة تُشكّل مُنعطفًا مُهمًّا في حركة حماس رّبما يُمكن رَصد تطوّراته في ما هو قادمٌ من أيّام.
حركة “حماس″ تتغيّر بشكلٍ مُتسارعٍ، وبطريقةٍ ديمقراطيّة، تُثبت أن شُيوخها ليسوا “ظلاميين”، مِثلما يَتّهمهم البعض، اللهم إلا إذا كانت المُقاومة، وتَعزيز قُدراتها، ومُواجهة الاحتلال، و”البراغماتيّة” السياسيّة وتَجديد القيادة من القمّة إلى القاعدة هي من أبرز مَلامح “الظلاميّة” في نَظر البَعض.. والله أعلم.انتهى