ايران وعاصفة ترامب
وصف الرئيس الامريكي دونالد ترامب اجتماعه بكبار جنرالاته في البيت الابيض يوم الجمعة 6 اكتوبر، لبحث قضايا إيران وكوريا الشمالية وأفغانستان والحرب علي “داعش”، بانه “الهدوء الذي يسبق العاصفة” ، وعندما سُئل من قبل الصحفيين عما كان يقصده ، قال”سوف ترون”.
علي الفور اطلق العديد من المراقبين العنان لخيالهم ل”سبر اغوار” ترامب من اجل التعرف علي ما كان يقصده بعبارة “العاصفة” ، فالبعض قال انه سيهاجم كوريا الشمالية اولا لانها تشكل “خطرا وشيكا” علي امريكا ، بينما قال اخرون انه سيشعل اولا حربا مع ايران ، لانها تشكل خطرا استرتيجيا علي امريكا ، فيما اعتبر اخرون ما قاله ترامب لم يكن سوي “مزحة” لغرابته.
جميع المسؤولين الامريكيين تهربوا حتي هذه الساعة من توضيح ما قاله ترامب عن “عاصفته” ، وهذه ليست المرة الاولي التي يضع فيها ترامب مسؤولي ادارته بمواقف محرجة بسبب تصريحاته الاستعراضية والمفصولة عن الواقع بشكل كامل.
في الوقت الذي يكرر ترامب تهديداته بالانسحاب من الاتفاق النووي تحت ذريعة ان ايران لا تلتزم به ، يصر كبار اعضاء ادارته علي ضرورة احترام الاتفاق من قبل ترامب وعدم انتهاكه مادامت ايران ملتزمة به ، ففي جلسة بمجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي قال وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس: “ان ايران ملتزمة بالاتفاق ، هذا الالتزام اكدته أجهزة المخابرات الامريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وهو كلام قاله وزير الخارجية ريكس تيلرسون في اكثر من مناسبة.
وحول الخلاف الناشب بين ترامب ، الذي هدد كوريا الشمالية بالدمار الشامل ، وبين وزير خارجيته تيلرسون الذي دعا الي التواصل الدبلوماسي مع كوريا الشمالية ، اصطف ماتيس الي جانب تيرسلون عندما قال “إن تركيز امريكا لا يزال منصبا علي إيجاد حل دبلوماسي للنزاع مع بيونغ يانغ”.
تهديدات ترامب بشن “عاصفة” لا تبقي ولا تذر ، وتهديداته ب”تدمير كوريا الشمالية بالكامل” و..، لا يمكن ان تعكس الموقف الرسمي للادارة الامريكية التي يترأسها ترامب نفسه! ، فالرجل يقول شيئا، بينما يقول اعضاء ادارته شيئا اخر، لهذا يبدو ان السناتور الجمهوري بوب كوركر كان محقا عندما طمأن الامريكيين الذي طالما صُدموا بتصريحات ترامب بقوله “ان الولايات المتحدة لا تغرق في الفوضي بفضل وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيم ماتيس والامين العام للبيت الابيض جون كيلي” ، اي علي الشعب الامريكي الا يفزع من تصريحات ترامب ، فهناك من يلجمه.
البعض يري ان “عاصفة” ترامب ، هي تهديد لايران قبل ان تكون تهديدا لكوريا الشمالية لانها ، اي ايران ، لا تملك السلاح النووي ، ويكون من السهل علي امريكا مهاجمتها ، وبذلك يضرب ترامب عصفورين بحجر واحد ، وأد البرنامج النووي الايراني و ردع كوريا الشمالية ، بينما فات هذا البعض حقيقة واضحة وهي ان ما دفع الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما للتوقيع علي الاتفاق النووي ، ليس كونه انسانا طيبا ، بل تقارير المؤسسات العسكرية واجهزة الاستخبارات الامريكية ، التي اكدت للرئيس ان اي مغامرة عسكرية ضد ايران ستكلف امريكا غاليا ، لذلك لم يجد النظام الامريكي برمته ، وليس اوباما وحده ، من خيار امامه للتعامل مع ايران الا خيار الدبلوماسية ، وهذه الحقيقة اشار اليها الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما ، بقوله انه كان يتمني تفكيك البرنامج النووي الايراني حتي اخر مسمار فيه الا انه ما كل يتمناه المرء يدركه.
سياسيا ، لا يمكن وضع تهديدات ترامب و”عاصفته” الا في خانة برامج تلفزيون الواقع الاستعراضية، فالرجل معروف عنه انه نجم كبير فيها ، ويبدو انه مازال يعيش اجواء تلك البرامج ولم يتحرر منها الي الان ، بعد ان تقمص دوره علي مدي اكثر من نصف قرن ، لذا ستبقي “عاصفة” ترامب داخل فنجان ولاسباب عديدة منها:
-كثيرا ما تجد امريكا من بين حلفائها الغربيين ، من تستعين بهم عندما تريد ان تشن عدوانا علي بلد من البلدان ، الا في حالة ايران هذه المرة ، فان امريكا معزولة كليا عن العالم ، حتي من اقرب حلفائها ، فجميع دول العالم اكدت علي ضرورة الحفاظ علي الاتفاق النووي ، ورفضت تهديدات ترامب بانتهاكه ، واشادت بالتزام ايران الكامل ببنوده.
-اي تحرك امريكي ضد الاتفاق النووي وضد ايران ، سيدس بسمعة امريكا في الوحل ، لانها انتهكت اتفاقية دولية سارية التزمت بها ايران ، وايد هذا الالتزام الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي.
-مهاجمة ايران لا يمكن ان تردع كوريا الشمالية ، بل الذي سيحدث بعد مهاجمة ايران ، ان تُقدم كوريا الشمالية بتنفيذ ضربة استباقية ضد امريكا ، بعد ان تبين لبيونغ يانغ ، غدر امريكا وانتهاكها للمواثيق الدولية حتي تلك التي وقعت عليها.
-منذ ان بدا ترامب بشن حملاته ضد الاتفاق النووي بتحريض كامل من اللوبي الصهيوني في امريكا ، وهناك راي عام عالمي وخاصة في الغرب بدأ يتشكل لاول مرة ، عماده الدفاع عن الموقف الايراني المسؤول ، والمندد بالغطرسة الامريكية المنفرة.
-اقرب حلفاء امريكا ، مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا ، يؤكدون علي ضرورة اتخاذ المفاوضات النووية مع ايران ، كأجندة فاعلة لتسوية الازمات الدولية ومن بينها الازمة بين امريكا وكوريا الشمالية.
اخيرا يمكن الاستنتاج ان تصريحات ترامب الاخيرة حول “عاصفته”، لا يمكن اخذها علي محمل الجد ، وقد نشهد خلال الايام القليلة الماضية من يُعدلها من اعضاء ادارته ، كما تم تعديل اغلب تصريحاته السابقة ، والتي تم وضعها في خانة “مزاح” ترامب مع الصحفيين لغراباتها ، الامر الذي يؤكد ان “عاصفة” ترامب ستبقي محصورة “داخل فنجان”.
المصدر: عصر ايران
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق