سياسات ترامب الخارجية تُنذر بنهاية عصر الازدهار الأمريكي.. أحداث ووقائع
كتب “إليوت كوهين” في مذكرة نشرتها مجلة “أتلانتيك” الأمريكية بأن: القوى العظمى قد مارست الكثير من الضغوطات على النظام العالمي، بنحٍو أدت إلى نمو معدل الطاقة الإنتاجية في الصين إلى أكثر من نصف معدل الطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة، وإلى خلق حالة الركود الاقتصادي التي حدثت في عام 2008 وإلى تزايد شعبية ترامب في أمريكا وإلى تزايد أعمال الشغب في منطقة الشرق الأوسط وإلى حدوث الكثير من المشاكل الاقتصادية في جميع أنحاء العالم. وذكر الكاتب بأنه على الرغم من فشل تلك الحروب التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق “بوش” ضد الجهاديين الإسلاميين في أفعانستان وانتشار الكثير من التقارير التي تفيد عن قيام الجيش الأمريكي بالكثير من حالات التعذيب في تلك الحروب، إلا انه قام بعد ذلك بغزو العراق ونظرا لسوء عملية الإدارة التي قام بها الجيش الأمريكي في السنوات الثلاث الأولى لتلك الحرب وقيامه بالكثير من الأخطاء، فلقد واجه الكثير من الانتقادات.
الجدير بالذكر هنا أن سياسة إدارة الرئيس السابق “أوباما” لإعادة التجنيد “التي وصفها مسؤولو البيت الأبيض بأنها “تجري وراء الكواليس” قد جعلت الأمور في الولايات المتحدة أسوأ مما كانت عليه. لقد قامت أمريكا بالكثير من الأعمال السلبية خلال مشاركتها في الحرب السورية، واستفادة خلال حربها تلك بالكثير من الأسلحة الكيميائية وتجاوزت كل الخطوط الحمراء ونظرا لهذا كله فأن هذه الأوضاع كانت تُعد مشكلة خطيرة للرئيس القادم. هنا تجدر الإشارة بأن الشعب الأمريكي انتخب الرئيس “ترامب” لتولي منصب رئاسة الجمهورية في البلاد، عندما اطلق وعوده الانتخابية بإقامة جدار إسمنتي قبالة الحدود الجنوبية وإلغاء اتفاقيات تجارية طويلة الأمد مع الشركاء التجاريين وإقامة علاقات وثيقة مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” و حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. وأوضح ذلك الكاتب في مذكرته تلك أيضا، يبدو أن ترامب لا يمكنه أن يمتنع عن إهانة القادة والرؤساء الآخرين.
وهنا تجدر الإشارة بأن شعار ترامب الموسوم بـ”أمريكا الأولى” يُشير إلى أمريكا تقبع في مستنقع العزلة، مثل تلك التي وقعت في عام 1940 والتي يعلم بها قادة العالم. فكان من الممكن أن يقوم “ترامب” بالحديث من النص المكتوب، لكنه امتنع عن ذلك وبهذا فلقد اظهر للعالم بأنه يفتقر إلى القدرة على التعبير فيما يخص قضايا العالم.
من جهة اُخرى تواجه حكومة “ترامب” الحكومة الألمانية التي تعد الحكومة الأكثر ديمقراطية في القارة الأوروبية. وهنا تجدر الإشارة هنا بأن الحكومة البريطانية التي تُعد الحليف القديم للولايات المتحدة، أصبحت كارهه للسياسات التي يتبعها “ترامب” ويبدو أنه يرفض السفر إلى بريطانيا حتى تتحسن سمعته الإعلامية فيها (والتي بالطبع لن تتحسن).
وفي سياق متصل نرى بأن الوضع الأمريكي في آسيا ليس أفضل وقد يزداد سوءا. فعلى الرغم من أن كوريا الشمالية على وشك إنتاج صاروخ باليستي عابر للقارات قادر على حمل رؤوس نووية، إلا أن “ترامب” لم يتمكن من حشد حلفاء الولايات المتحدة لمواجهة هذه المشكلة. وهنا يدعي مستشاريه السياسيين والعسكريين بأنهم وجدوا الحل، وهو أن تقوم الصين بالوساطة بينهما، متجاهلين حقيقة الأمر أن هذه المقامرة قد فشلت في حكومات “كلينتون” و”بوش” و”أوباما” السابقة.
الجدير بالذكر هنا انه عندما يتولى شخصا ما منصبٍ مهمٍ في الحكومة ويستمر فيه لفترة طويلة، فأنه بعد ذلك سوف يحب السلطة اكثر ونتيجة لذلك فأنه سوف يُقلل من أهمية آراء الآخرين المخالفة له. فالرئيس ترامب شخصٍ غير متزن وغامض وعصبي ومن المرجح أن يستمر في حالته هذه إلى النهاية. فلن تنتهي هذه الحقبة الخطيرة والاستفزازية في التاريخ الأميركي إلا بعد ثمان أو أربع سنوات، وفي حالة تم إزاحة “ترامب” عن الرئاسة وفقا للقانون الخامس والعشرين الأمريكي، فأنه هذا الفصل سينتهي خلال عامين أو حتى خلال سنة واحدة. ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ هل ستتعافى الولايات المتحدة في غضون سنوات قليلة؟
على أية حال، هذه هي الحقيقة. فـ”ترامب” ليس حدثا تاريخيا، ولهذا فأنه ينبغي أن نرى ما هي آراء ووجهات نظر الشعب الأمريكي حول سياسته الخارجية فيما يخص العالم . فالمخالفين لـ”ترامب” يرون بأنه من الواجب عليهم أن يهتموا ويركزوا على المشاكل الداخلية للبلاد، من اجل إيجاد حلولا لها. ولعل ذلك الاهتمام قد استقطب الكثير من الناس، خاصة وأنهم لم يعودوا يثقون بقوة المؤسسات والقوى السياسية.
مرة أخرى، يمكن للمقاومة والمرونة الأمريكية أن تنقذها من ذلك المستنقع، خاصة إذا لم يُنهي “ترامب” ولايته الأولى. ولكن السيناريو المحتمل هنا هو أن يقوم “ترامب” بإفساد وتضعيف مؤسسات الدولة السيادية وبأن يقوم بتقسيم جهاز السياسة الخارجية الأمريكية إلى قسمين وان يقوض المواقف الأمريكية في العالم ونتيجة لذلك، فمن الممكن إن تنعدم الثقة عند الكثير منالأمريكيين بحكومة الولايات المتحدة، وان تظهر قوى غير ديمقراطية وحركات شعبية يسارية ويمينية، وأن تنهار الكثير الحكومات حول العالم وأن يعود العالم إلى حقبة أواخر 1920 أو إلى حقبة أوائل 1930.
المصدر / الوقت