التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

الاندبندنت: بارزاني حاول اعادة الشرعية التي فقدها عبر الاستفتاء فجلب المتاعب لشعبه 

وكالات ـ الرأي ـ

نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية مقالاً لمراسلها في العراق باتريك كوكبرن تناول ملف الاستفتاء الكردي ومآلاته وخاصة بعد دخول القوات العراقية الى كركوك والمناطق المتنازع عليها وفرضها السيطرة عليها.

ويقول الكاتب في مقاله ” بريكست .. كردكست .. وكتالونكست (الاولى هي خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي والثانية اعلان من اقليم كردستان بالاستقلال عن العراق والثالثة انفصال كتالونيا عن اسبانيا) ثلاثة تغيرات سياسية كبرى، منها ما هو ماض في مجراه ومنها ما وضعته عمليات الاستفتاء الاخيرة على الاجندة السياسية”.

واضاف ” ثلاث دول مختلفة عن بعضها كل الاختلاف، ولكن المشترك في الحالات الثلاث جميعاً هو ايهام اعداد كبيرة من المقترعين بأن اوضاعهم سوف تتحسن حين يمضون مستقلين بذاتهم بمنأى عن اي اجراءات، كما هو الحال في الاتحاد الاوروبي، او الدولة كما في حالتي العراق واسبانيا”.

ويواصل الكاتب ” عمليات الاستفتاء تحمل في ثناياها اجوبة لاسئلة كثيرة، لذا لا عجب ان تجد لها سحراً على الحكومات التي تعاني الانقسام او الزعماء الديماغوجيين او الدكتاتوريين. فعمليات الاستفتاء من الخارج لها مظهر الديمقراطيات الشعبية، وهي تعطي الانطباع بأن القرارات المهمة يمكن الوصول اليها في النهاية من خلال اختزال القضايا المعقدة وتبسيطها تبسيطاً شديداً بحيث تغدو مجرد “نعم” أو “لا””.

ويؤكد الكاتب ان “عمليات الاستفتاء تجعل من السهل التلاعب بالرأي العام لأن الشأن الذي يطلب من المصوتين الموافقة عليه يكون في معظم الاحيان من بين الامنيات التي تداعب خيالهم، وما يطلب منهم رفضه يكون رزمة بالية من المظالم التي لا صلة لها بالواقع ولا ارتباط. في الدول الثلاث المذكورة جميعاً صوت خلال الاشهر الخمسة عشر الاخيرة اناس كثيرون جداً، ولكن ما من سبب يدعونا للافتراض بأن التصويت في الاستفتاء سوف يجعلهم أحسن وضعاً او اسعد حالا”.

وركز الكاتب في جزء من مقاله على الاستفتاء كردستان قائلاً ” الاستفتاء الذي جرى في كردستان العراق في 25 ايلول كانت له سمات تميزه، ولكنه كانت له ايضاً نقاط تشابه مع غيره من الاستفتاءات. فالتصويت بالنسبة لكرد العراق كان موضوعه “مع الاستقلال” او “ضد الاستقلال”، وقد شمل التصويت مناطق هي المفروض ان تكوت تحت سلطة الحكومة العراقية، اضافة الى المناطق الخاضعة لسلطة حكومة المنطقة الكردية، ويبدو ان الذي دعا اليه هو الرئيس مسعود بارزاني من اجل ان يتشح بالعلم الكردي ويطرح نفسه حاملاً لراية القومية الكردية. بحكم المؤكد واليقين ان معظم الكرد يريدون دولة مستقلة، ولكن السؤال يتعلق بمدى واقعية هذه الدولة وقدرتها على النجاح”.

واضاف ” كان التصويت مفيداً لبارزاني لأنه منحه الشرعية التي فقدها، رغم الجدل الدائر بخصوص فترة توليه المنصب التي انتهت في العام 2015. رغم الاقتصاد شبه المنهار الذي تعيشه المنطقة الكردية تمكن بارزاني من حرف الانتباه عن ذلك وتقديم نتائج الاستفتاء غير الملزم على انها العلاج السحري الشافي لجميع المتاعب التي ينوء بها الكرد، رغم ان كثيرا من تلك المتاعب انما تولد نتيجة لفساد حكومة اقليم كردستان وسوء ادائها الوظيفي”.

ويضيف ” الوعود الخاوية بأطيب ما ستأتي به الايام يجب ان تكون اقل ضبابية مما هي الان، والامر اكثر غمة في حالة بريطانيا بشكل خاص لأن كلا الطرفين يتبادلان في مناظراتهما حول ما للبريكست وما عليه من مصطلحات اقتصادية او ذات علاقة بتأثيرات الهجرة والمهاجرين. كذلك ان معظم النقاش هنا تقريباً يطرح بصيغة المستقبل في حين ان الكوارث الكبرى التي سيفيض علينا بها البريكست أخذت تتحقق بالفعل”.

وواصل قائلاً ” فمنذ اغلاق صناديق الاقتراع في يوم 23 حزيران 2016 انقسم المجتمع البريطاني انقساماً عميقاً ربما فاق اي انقسام في التاريخ منذ الحرب الاهلية في القرن السابع عشر، اي قبل 375 سنة. وكما قالها لي احد المعلقين في الاسبوع الماضي معبراً عن مدى العمق والضغينة والديمومة التي تتسم بها هذه الانقسامات: “انها في الحقيقة اشبه بحرب اهلية بدون مدافع.” حتى الحكومة انقسمت الى حد انها باتت تناضل للعثور على مساحة كافية من الارضية المشتركة للتخلص من “تريزا ماي”، رغم انها صارت تبدو كمن يعاني من انهيار عصبي علني”

واضاف ” ثمة خطر آخر يفعل فعله هنا. فانصار بريكست ينصتون بمجامع قلوبهم الى صوت ماضي بريطانيا الذهبي، يوم كانت بريطانيا تمثل بمفردها ورشة للعالم كله تعينها على ذلك مزايا التجارة الحرة. بيد ان هذه قراءة خاطئة للتاريخ البريطاني، لأن الوقوف في الجانب المنتصر خلال الحروب النابليونية وفي الحربين الاولى والثانية لا تكاد تكون له علاقة بالقوة الاقتصادية قدر تعلقه بسطوة سلاح البحرية والبراعة في اقامة التحالفات. مرة اخرى نقول ان اضعاف الدولة البريطانية لم يعد شيئاً مؤجل الحدوث الى ما بعد مرحلة انتقالية مطاطة، بل هو امر آخذ بالحدوث منذ الان”.

وأكد ان “التجربة البريطانية في عمليات الاستفتاء ليست فريدة ولها مناظرات في اماكن اخرى، إذ تظهر لنا التجربة ان الاستفتاءات يستغلها الطرف الفائز دائماً للتظاهر بأن الاغلبية التي كسبها، مهما كانت ضئيلة ومهما بلغت قلة اعداد الذين حضروا للتصويت، تمثل ارادة امة واحدة موحدة. في حين تعكس نتيجة 52 مقابل 48 بالمئة، التي حققها التصويت على خروج بريطانيا، هو ان البلد منقسم ازاء هذا الشأن عند خط الوسط. وفي كتالونيا لم تتعد نسبة الذين شاركوا في التصويت يوم 1/10 الماضي نسبة 42 بالمئة ولكن المتوقع هو ان يعلن رئيس الوزراء الكتلاني الاستقلال إذا ما سنحت له الفرصة لمخاطبة البرلمان في 3/10”.

وذكر الكاتب ” وكما يحدث كثيراً في التاريخ فإن اولئك الذين يبتغون تغييراً راديكالياً او ثورياً لا يتمكنون من نيل بغيتهم إلا اذا استثاروا لدى من يريدون ابقاء الحال كما هو ردود فعل مبالغ بها تتخطى المنطق وترتد بنتائج عكسية. لذا كان يجب ألا يتطلب الامر من الحكومة الاسبانية كثير تأمل حتى تدرك ان ارسال الشرطة الوطنية لتحاول ايقاف عملية الاستفتاء، ثم الفشل في المحاولة، بينما يتعرض الناس العاديون للضرب امام كاميرات التلفزيون، كان خير وسيلة لإكساب مؤيدي الاستقلال مشاعر التعاطف”.

واردف ” كذلك من المحقق ان استدعاء قائد شرطة كتالونيا للمثول امام القضاء بشبهة التحريض ضد الدولة ما كان ليسفر عن شيء سوى ضمان حصول الذين اجروا الاستفتاء على الشرعية، الحماقات المفضية الى التدمير الذاتي التي ترتكبها الحكومات وهي تدافع عن مصالحها ما فتئت تثير الدهشة. فاولئك الذين يبررون استخدام القوة بأنه وسيلة لفرض القانون والنظام لا يمكن ان ينقلبوا في لحظة الى بلطجية عتاة دون ان يلحقوا بسلطتهم طعنة نافذة”.

وعاد الكاتب الى ستينات القرن الماضي بالقول ” اتذكر اني سألت قبل نصف قرن من الزمن، في العام 1968 على وجه التحديد، احد منظمي حملات الدفاع عن الحقوق المدنية في ايرلندا الشمالية عن الخطوة التالية التي تعتزم حركته اتخاذها (كانت تلك الحركة تطالب بالمساواة في الحقوق للرومان الكاثوليك في دولة طائفية يحكمها البروتستانت). قال لي انه ورفاقه قد اجروا تصويتاً في اجتماعهم مؤخراً وقرروا عدم فعل شيء والاكتفاء بدلاً من ذلك بانتظار ان تقع الحكومة في غلطة فادحة اخرى، كالسماح لقوات الشرطة بمهاجمة المتظاهرين السلميين المطالبين بالحقوق المدنية امام كاميرات المصورين ومحطات التلفزيون. وكان هذا هو بالفعل ما اقدمت عليه الحكومة”.

واشار الكاتب “ثمة تشابه آخر بين بريكست وكردكست، حيث تظاهر السياسيون البريطانيون المؤيدون للخروج من الاتحاد امام المصوتين بأن ميزان القوة بين بريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي السبع والعشرين متكافئ، وان المفاوضات يمكن ان تسير في طريقها على هذا الاساس. وعلى غرار ذلك صرح بارزاني عقب الاستفتاء بأنه سوف يتفاوض بشأن الاستقلال مباشرة مع حكومة مذعنة في بغداد. كلا الادعاءين كانا وهماً بطبيعة الحال، لأن واقع الامر ينبئ بأن الاوراق التي في يد “ماي”، ومثلها التي في يد بارزاني، ضعيفة امام خصوم اقوى بكثير. وقد اعلنت بغداد بالفعل انها لن تتفاوض في اي شأن ما لم تلغ نتائج الاستفتاء اولا، كما ان تركيا وايران في وضع يتيح لهما تسليط ضغوط ساحقة على حكومة اقليم كردستان حتى تنصاع وترضخ”.

وختم الكاتب بالقول ” لقد وعد دعاة بريكست وكردكست وكتالونكست بأن يكون هناك شيء من فقدان التوازن والاضطراب لفترة قصيرة لقاء اكتساب دولهم استقلالاً حقيقياً ورفاهاً طويل الامد، لكن الواقع هو ان البريطانيين والكرد والكتلانيين يشبهون كثيراً شخصيات “جامبلي” الذين كتب عنهم “إدوارد لير” واشتهروا بانهم نزلوا الى البحر بغربال رغم التحذيرات لهم بأنهم سوف يغرقون عن آخرهم. رد الـ”جامبلي” على ذلك قائلين: “غربالنا ليس كبيراً ولكننا سنركب البحر به ولن نعبأ مثقال زر، ولن نبالي مثقال تينة”.انتهى

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق