التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

أي استراتيجية اعتمد ترامب… وما النتائج؟ 

قبل انتخابه رئيس للولايات المتحدة الأميركية رفض ترامب الاتفاق النووي الدولي مع إيران وتعهد بإلغائه فور وصوله الى البيت الأبيض، وبعد انتخابه اصر على التمسك بتعهده، وعند استلامه للسلطة قبل 9 اشهر من الان راح ترامب يقذف ايران بالتهديد والوعيد وبأنه سيمزق الاتفاق، وأضاف في تهديداته الأخيرة تهديد الحرس الثوري الإيراني بإدراجه على لائحة الإرهاب وملاحقته بهذه الصفة..

طبعا ولم ينس ترامب في حملته المسعورة حزب الله الذي كان له نصيب وافر من غضب ترامب وتهويله هو ومسؤوليه حتى وصل الحال بهم الى اقتراح انشاء تحالف دولي لملاحقة هذا الحزب المقاوم الذي بات يشكل رقما صعبا في المعادلة الإقليمية غربي آسيا كلها.
وفي مسيرة التهديد حدد ترامب يوم الجمعة 13\10 الفائت موعدا لأطلاق استراتيجيته «العنيفة» ضد إيران وحزب الله وكامل محور المقاومة وبالفعل خرج ترامب بخطاب مفوه، راح المراقبون يفتشون فيه عن الكلمات التي تعني «تمزيق الاتفاق» وتوصيف الحرس الثوري «بالإرهاب» وسواها من العبارات القطعية التي توحي بأن ترامب نفذ تهديده ووضع استراتيجية فاعلة للتنفيذ ولكن… خاب امل المنتظرين، وتنفس الرافضون الصعداء، لأن ترامب لم يجرؤ على تنفيذ وعيده، واكتفى من الامر باتخاذ مواقف فيها من الهروب ما يكفي وفيها من التراجع عن التهديد ما هو واضح واكيد. فلا الاتفاق الغي ولا الحرس الثوري صنف إرهابيا، مع ان ترامب أحال الامر على الكونغرس لمراجعة الاتفاق، وعلى وزارة الخزانة الأميركية للتضييق على الحرس الثوري، وأوحى للبنتاغون وللخارجية باتخاذ التدابير التي تضيق على إيران بما يخدم اهداف ترامب حول حصارها وتشديد العقوبات عليها. ما يعني ان ترامب اعتمد استراتيجية ليس فيها الغاء للاتفاق وتوصيف إرهابي للحرس بل هي استمرار لسياسة أميركية سابقة تتصل بسياسة الاحتواء والعقوبات الشهيرة التي ابتدعتها اميركا ضد إيران منذ أكثر من عقدين ونيف.
ومع هذا التراجع الترامبي، نطرح السؤال عن سبب تهيب ترامب من تنفيذ تهديده الذي اتعب العالم والاعلام العالمي به لنيف و20 شهرا تقريبا؟ وسؤال اخر الى أي مدى يستطيع ترامب مع وجود الاتفاق الذي يستمر هو بالتهديد بإلغائه، الى أي مدى يستطيع ان يندفع في فرض عقوبات على إيران دون اهتزاز الاتفاق؟
في السؤال الأول نرى ان هناك فئات ثلاثة من الأسباب التي قيدت ترامب، أولها إيرانية ثم دولية وأخيرا محلية أميركية داخلية. ففي الأولى كان الموقف الإيراني الحاسم بان أي حماقة أميركية جديدة ستجد ردا إيرانيا قاسيا وهنا يعلم الجميع ان الرد الإيراني المحتمل يبدا بالنووي ذاته ويعني خروج إيران من تعهداتها في الاتفاق والعودة الى تنشيط البرنامج النووي وتشغيله بكل طاقاته وهنا سيعود القلق الغربي عامة والصهيوني خاصة من احتمال امتلاك إيران للقنبلة النووية الى مستوياته العليا. ومن جهة أخرى كان لتهديد الحرس الثوري لكافة الأهداف الأميركية المحيطة بإيران وضمن مسافة 2000 كلم، أثره البالغ في كبح الجنون الترابي، خاصة وان لأميركا 85 قاعدة عسكرية في هذه الدائرة وأنها ليست مستعدة للذهاب الى حرب واسعة وحدها مع إيران كما ان عهد التحالفات الدولية بقيادتها لغزو البلدان على غرار ما حصل في العراق وأفغانستان قد ولى …اذن القوة والحزم الإيراني كان في طليعة أسباب التراجع الأميركي.
اما الفئة الثانية فكانت دولية وتجلت بالموقف الموحد للدول الخمسة الأخرى التي تشكل مع اميركا مجموعة ال الخمسة زائد واحد التي فاوضت إيران على الملف وتوصلت معها الى الاتفاق ورفعته الى مجلس الامن حيث صدر بقرار دولي أصبح نهائيا. لقد رفضت روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا ومعهم المانيا رفضوا جميعا المس بالاتفاق خاصة بعد ان اكدت وكالة الطاقة النووية الدولية ان إيران تنفذ التزاماتها بموجب الاتفاق بدقة متناهية، ثم ان روسيا حذرت اميركا من مغبة أي خطيئة ترتكبها وتمس بالاتفاق النووي لما لهذا من انعكاس سلبي على الاستقرار القانوني الدولي أولا ولما له من تأثير خطير على الامن والاستقرار العالمي وفي غربي آسيا خاصة.
هذه المواقف جعلت اميركا معزولة بعد ان ابتعد عنها أقرب حلفائها الاوروبيين ما جعل ترامب في موقف المضطر للتراجع.
اما الفئة الثالثة من الأسباب فتعود للداخل الأميركي حيث ان الانقسام فيه عامودي حاد بين من يؤيد ترامب ومن يعارضه في هذا الملف وبحدة، وفي الثقل نجد ان الفريق المعارض أكثر اتساعا واقوى حجة، خاصة وان اميركا لا تملك الخيار البديل او لا تمل القدرة الان على اعتماد الخيار البديل للاتفاق وهو الحرب. لقد جزم المعارضون وهم كانوا مسؤولين في الإدارة قبل ترامب جزموا بان اميركا لا تملك خيارا غير هذا الاتفاق، ولو كانت تملك هذا الخيار لاعتمدته ولما وقعت الاتفاق ولما تنازلت لإيران عن كثير من المسائل، لكن ضيق الخيارات فرض التنازل وفرض الاتفاق على اميركا.
اذن نجد ان العجز هو الذي فرض التراجع، وهو امر لا يمكن فصله عن مسائل سبقته فأميركا اليوم ليست اميركا نهاية القرن الماضي ولا اميركا بداية القرن الواحد والعشرين، اميركا اليوم هي اميركا التي فشلت في تثبيت دعائم النظام العالمي الأحادي القطبية، وهي اميركا التي فشلت في احتلالها للعراق وافغانستان وهي اميركا التي فشلت في حربها البديلة او شبه المباشرة في سورية، هي اميركا التي خسرت القرار في مجلس الامن وبات الفيتو الروسي الصيني المزدوج يؤرقها ويحرمها من مجرد الامل بتمرير قرارتها العدوانية ضد دول العلم وشعوبه . انها اميركا التي تمردت عليها اليونيسكو التي اغضبت إسرائيل مما اضطرها للانسحاب منها ثم انها اميركا التي يترنح اقتصادها فتهرع الى دول الخليج(الفارسي) لتنهب مالها علها تعيد توازن ما لاقتصادها ولا تنجح… بالخلاصة انها اميركا العاجزة التي لم تعد تخيف الا الضعفاء… ولهذا سمعنا روسيا تحذر من لجوء اميركا الى النووي للخروج من نفق الفشل والخيبة.
وعليه نرى ان اهم فضيلة لترامب في مساره في الأشهر السابقة هي انه فضح حقيقة اميركا، وأظهر ان هذا الكيان الديناصوري العملاقي، ليس بالقوة والقدرة التي يظنها العالم او بعضه، بل هو اقل بكثير مما يتصورون، وأن امتلاك شجاعة القرار بالمواجهة وامتلاك إرادة المواجهة والاستعداد للتضحية اذا وقعت المواجهة، ان توفر ذلك يفتح المجال لتراجع اميركا وتجنب المواجهة معها وإذا وقعت المواجهة فإن خسارة اميركا فيها امر ممكن بعد ان ثبت ذلك وبالقين القاطع في الميدان السوري الذي يشهد الآن اكبر عملية تصدي للمشاريع الاستعمارية بقيادة أميركية، ويشهد تحقيق الإنجازات الأسطورية الكبرى وإسقاط المشروع العدواني تلو المشروع .
وفي كلمة أخيرة نستطيع ان نقول بان تراجع ترامب عن تنفيذ تهديداته واعتماده تدابير يحاول البعض ان يوحي بانها خطيرة ومكلفة لإيران – وهي ليس كذلك مطلقا لأنها استمرار او تشديد لما هو قائم ولن يكون له أي إثر تغييري يذكر – معطوفة على المواقف الدولية سياسيا، ونتائج المواجهات العسكرية في سورية ميدانيا، كلها تقود الى القول بأن ما حلمت به اميركا من كيان امبراطوري يسود العالم بقيادتها امر ولى وأن الشعوب التي اختارت المقاومة نهجا للمواجهة هي التي ستنتصر وان محور المقاومة في غرب آسيا نموذجا… وأن ما قيل انه استراتيجية ترامب الجديدة هو استراتيجية التخبط والارتباك والجهل بالقانون الدولي والإطاحة بما تبقى من هيبة وسمعة لأميركا في العالم، لأن هذا السلوك سيقضي على ما تبقى من ثقة دولية بأميركا ويمنع أي اتفاق او تعاقد معها …و بالتالي فان المتضرر الأول من الاستراتيجية المدعاة هي اميركا ذاتها ولهذا يقول الاعلام الأميركي بانها خطيرة .
بقلم :العميـد د. امين محمد حطيـط

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق