التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

العلاقات السياسية – العسكرية لإقليم كردستان العراق مع أمريکا 

لقد أظهر النهج الأمريكي تجاه هجوم تنظيم داعش الارهابي على العراق، أن لإقليم كردستان أهمية خاصة لدى أمريکا. وقد واجهت إدارة أوباما رسميا وبصورة متكررة، مطالبات من قبل بغداد بضرورة تقديم مساعدات عسكرية منذ بداية هجوم داعش على العراق والتقدم السريع الذي احرزه التنظيم، في حين لم تتخذ أمريکا اجراءات كما هو مطلوب منها بل بقيت تشاهد الاوضاع، وبمجرد أن كان نطاق عدوان التنظيم يشير إلى انهيار وشيك سيحدث في شمال العراق وخاصة في أربيل، بدأت امريكا بالدخول في الساحة على الفور، وساعدت البيشمركة على كسب التفوق العسكري ضد تنظيم داعش لمنع سقوط أربيل وذلك من خلال قصف بعض مواقع التنظيم. يسعى هذا المقال إلى دراسة تاريخ العلاقات السياسية الأمريكية مع اقليم كردستان وسبب أهمية الاقليم بالنسبة لأمريکا والأهداف التي تسعى لتحقيقها في الاقليم.

تاريخ العلاقات السياسية-العسكرية

في عام 1991، وخلال عملية عسكرية للتحالف الدولي بقيادة أمريکا ضد العراق، حصل تمرد كردي ضد الحكومة المركزية في العراق، لكن صدام حسين قمعها بشدة، مما أدى إلى حدوث مجزرة وتشريد عدد كبير من الأكراد، وبالتالي، صادق مجلس الأمن على قرار رقم 688 وقام بإنشاء منطقة حظر طيران في شمال العراق بهدف إنشاء منطقة آمنة.

وتضمنت المنطقة الآمنة من كردستان العراق، الأراضي الواقعة شمال الدائرة 36 درجة، مما أدى إلى تحرر محافظات السليمانية وأربيل والدهوك من نفوذ بغداد، ونجح الأكراد بعد الانتخابات البرلمانية في 19 مايو 1991 في إقامة دولة إقليمية مستقلة ذات وجود أقليات آشورية وتركمانية في هذه المناطق. كان هذا التحول بداية لعلاقات أكثر جدية بين الأكراد وأمريکا. ومنذ ذلك الحين، حاولت واشنطن في عام 1998 حل النزاع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني. وكان الزعيمان الكرديان قد وقّعا على اتفاقية واشنطن في 17 ايلول / سبتمبر 1998 حيث تنص على تخليهما عن خلافاتهما والاشتراك في ادارة المناطق الكردية في العراق.

ومع سقوط صدام حسين وبعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، أصبح الأكراد أكثر استقلالية في إطار دولة اتحادية تتمتع بصلاحيات واسعة ورسمية. وقد أعطت المادتان 41 و 113 من الدستور العراقي السلطة القانونية اللازمة لحكومة الإقليم. أصبح طالباني رئيسا لجمهورية العراق، وتم الاعتراف بقوات البيشمركة الكردية كجزء من المنظومة العسكرية للعراق، ووفقا للدستور الجديد، ينبغي تمويل قوات البيشمركة من ميزانية وزارة الدفاع العراقية. ومن الواضح أن هذه الإنجازات لم تكن ممكنة دون دعم أمريكي. كما تم تأسيس ممثلية عن الاقليم في أمريکا بهدف إنشاء لوبي للأكراد في مراكز صنع القرار الأمريكي، وبلغ ذروته في فترة قباد الطالباني الذي عُيّن كممثل لحكومة الاقليم في أمريکا.

توثقت العلاقات بين الولايات المتحدة وكردستان منذ عام 2005، وباتت اكثر رسمية عندما اصبح مسعود البارزاني رئيسا للإقليم. وقد قام البارزاني منذ بدء عمله بأربع زيارات رسمية إلى أمريکا. وكانت الزيارة الرسمية الاولى التي قام بها في 29 تشرين الاول / اكتوبر 2008 بدعوة من الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد توقيع اتفاق استراتيجي بين واشنطن وبغداد.

وفي 11 ديسمبر 2009 قام البارزاني للمرة الثانية بدعوة رسمية، بزيارة لمدة أسبوع واحد إلى الولايات المتحدة والتقى بالرئيس باراك أوباما. وكانت زيارته الثالثة في 4 أبريل / نيسان 2012، مع وفد سياسي واقتصادي رفيع المستوى. وقد ناقش الأكراد، في جميع هذه الزيارات، قضايا العراق، واستقلال الأكراد والدعم العسكري والسياسي. وكانت الزيارة الرابعة في أوائل أيار / مايو 2015، عندما كانت قد حلت الأزمة في العراق، وعدم سيطرة بغداد على جميع المحافظات، واحتلال مناطق معينة (غالبا ما تكون سنية) من قبل تنظيم داعش، كل ذلك وفّر فرصة جيدة للمطالبة بإستقلال الأكراد.

ومع ذلك، فإن أحد الأحداث التي ميزت زيارة بارزاني الرابعة إلى الولايات المتحدة عن زياراته الأخرى، هو مشروع ميزانية امريكا العسكرية لعام 2016، الذي عرض فيه الكونغرس (الممثلون الجمهوريون) على إدارة أوباما تقديم 178 مليون دولار كمساعدات عسكرية مباشرة ودون تدخل بغداد الى قوات البيشمركة والقبائل السنية في العراق لمواجهة تنظيم داعش. وكان البارزاني يسعى في زيارته الرابعة للحصول على الدعم من مجلس الشيوخ للموافقة على المقترح، وذلك بحجة أن بغداد تعرقل تسليم المعدات العسكرية والأسلحة إلى الاقليم، ولكن على عكس الكونغرس، كانت سياسة إدارة أوباما تجاه مطالب الاقليم واحدة وهي: إرسال الأسلحة للأكراد عن طريق الحكومة المركزية في العراق.

اقترحت لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس النواب الامريكي تقديم ما مجموعه 715 مليون دولار من المساعدات العسكرية للعراق، بنسبة 25٪ (178 مليون دولار) مباشرة إلى القوات الكردية والسنية، و75٪ أخرى (537 مليون دولار) تحت تصرف الحكومة المركزية العراقية. والشيء المهم في هذا القانون هو التعامل مع البيشمركة والسنة على انهم دولة، كما حذرت امريكا، بغداد، انه في غضون 3 أشهر بعد إقرار المقترح، في حال لم يتم قطع الدعم عن القوات الشيعية، ولم يتم تحقيق المشاركة السياسية في الحكومة المركزية، وعدم الاعتراف برسمية الحرس الوطني (القوات التابعة لأهل السنة)، سيتم تخصيص 60٪ من المساعدة العسكرية الأمريكية الى بغداد (429 مليون دولار من 537 مليون دولار) الى الاكراد والقوات السنية بشكل مباشر. وفي الوقت نفسه، عارضت الحكومة المركزية في العراق وكبار مسؤوليها، بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية وآخرون، والمرجعية الشيعية العليا في كربلاء، وممثلي الحركات الشيعية، وخاصة التحالف الوطني، بشدة هذا التحرك من قبل الكونغرس الأمريكي، واعتبروه انه يهدف لتقسيم العراق.

ونتيجة لهذه الضغوط، ومعارضة الديمقراطيين في الكونغرس وإدارة أوباما، رفض مجلس الشيوخ المقترح بسبب عدم حصوله على أصوات كافية. ومع ذلك، وبعد إضعاف الحكومة المركزية في العراق وغزو تنظيم داعش للبلاد، وحتى بعد ان رُفض التصويت على مقترح الكونغرس بشأن تسليح الأكراد بشكل مباشر، كانت التكهنات تشير الى ان تسليح هذه القوات سيتم سرا. حيث تم إنشاء مركز عمليات مشترك لتوسيع التعاون بين وحدات مكافحة الإرهاب الامريكية والكردية. ويوجد اكثر من 100 مدرب عسكري امريكي وقنصلية بلادهم في اربيل. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماري هارف، ردا على ما اذا كانت هناك نية بزيادة الضربات الجوية في العراق: “على الاقل يجب على تنظيم داعش وقف تقدمه نحو اربيل، كي تقل الضربات الجوية”. ويشير هذا الموقف إلى أن الدفاع عن اقليم كردستان أمر حياتي وضروري لأمريكا. ومع ذلك، فإن قضية العلاقات الأمريكية الكردية، خاصة بعد الإطاحة بصدام، هي أكثر من مجرد علاقة قوة عظمى مع اقليم مُحاصر في العراق، وسنواصل لفهم أسباب ذلك.

مكانة اقليم كردستان في استراتيجية امريكا الخاريجة

بعد غزو الولايات المتحدة للعراق، سعت الأولى إلى إنشاء حكومة مركزية علمانية قوية ذات توجهات غربية. إن الفشل في تحقيق هذا الهدف وتقسيم المشهد السياسي العراقي إلى جماعات شيعية وسنية وكردية، وصعود الشيعة بعد انتخابات 2004، دفع امريكا إلى استخدام طريقة (التفريق بين الطوائف العراقية الثلاث) للحفاظ موضع قدم لها.

ومن بين الطوائف الثلاث المذكورة أعلاه، يعتبر اقليم كردستان أكبر أقلية سياسية في العراق ذا توجهات علمانية وهو أداة للتسلل والتأثير على أكراد إيران وتركيا وسوريا إذا لزم الأمر، فضلا عن حاجة الأكراد لدعم الغرب لجعل استقلالهم السياسي أكثر انسجاما مع الأهداف والمصالح الأمريكية، ويعود ذلك إلى تمتع الاقليم بجغرافيا سياسية، وموارد طبيعية وطاقة، ووضع اقتصادي وأمني أكثر ملاءمة من مناطق أخرى في العراق، ونتيجة لذلك، أصبح الأكراد الحلفاء الاستراتيجيين لأمريکا بدلا من حليف هامشي.

وتُظهر تصريحات الجنرال جاي غارنر، أول حاكم عسكري أمريكي في العراق، أهمية هذا الاقليم للولايات المتحدة حين قال: “إذا فشل الجهد الأمريكي في العراق، يجب علينا دعم استقلال كردستان. ومثلما كانت الفلبين هي المنصة الأمريكية لحفظ المحيط الهادي، فإن كردستان يمكن أن تكون المنصة الأمريكية للشرق الأوسط العربي في هذا القرن”.

لذلك، في ظل اضطراب الاوضاع في العراق بعد الاضطرابات التي ضربت المنطقة وهجوم تنظيم داعش، ولا سيما قوة الشيعة والتأثير الكبير لإيران في العراق بعد سقوط صدام، يمكن أن يكون الأكراد الوسيلة المناسبة لموازنة القوى في العراق ولتحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة. وبشكل عام، يمكننا تقييم السياسة الأمريكية لإقامة علاقات سياسية-عسكرية مع اقليم كردستان بالموازاة مع الحكومة المركزية في العراق، وحتى عن امكانية قيام دولة مستقلة للأسباب والأغراض التالية:

– يبدو أن الخطة الكلاسيكية لجو بايدن “بضرورة تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء فيدرالية سنية وشيعية وكردية” في طريقها للنجاح، وقد قطع هذا البلد شوطا طويلا نحو التقسيم، ولكن هذا التحليل هو حاد قليلا، لأنه أولا إدارة ترامب على ما يبدو، لم تدعم هذه الخطة ولا تزال تفضل الحكومة المركزية للتعامل. ثانيا، إن حجم المساعدات الحالية المتعلقة بالأسلحة ليس كبيرا لدرجة أنه سيؤدي إلى استقلال الأكراد عن الحكومة المركزية وعن السنة.

-ان احد أهم أسباب وجود علاقات أمريكية مع الأكراد هو لمواجهة إتساع دور الشيعة في البلد بشكل غير مباشر والحفاظ على القدرة التنافسية مع النفوذ السياسي والعسكري لإيران في العراق. إن العراق القوي الذي يتمتع بحضور قوي من الشيعة لا يتفق مع مصالح أمريکا وحلفائها الإقليميين، وبالتالي في المستقبل، كلما وصلت الإدارة السياسية في بغداد، نتيجة للانتخابات، إلى أغلبية شيعية، فسيكون اقليم كردستان أكثر اهمية لأمريکا.

-­­­تُعتبر المخاوف والاعتبارات الإقليمية جانبا آخر من جوانب السياسة الأمريكية تجاه الأكراد. وتخشى الولايات المتحدة انه مع تقوية سلطة العراق، سيتم تضييق النطاق على دول كالسعودية، خاصة ان واشنطن والرياض كانتا قلقتين دائما من نفوذ ايران في العراق. وهناك سبب وجيه آخر لهذا الدعم هو علاقة الاقليم مع الکيان الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، ستنخفض القدرة التفاوضية للدول العربية مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” بسبب إزدياد قوة الاقليم الذي يواجه مشاكل تاريخية مع العرب وامكانيته في إقامة علاقات طيبة مع أمريکا و”إسرائيل”.

­-وفي الظروف الحالية، ترى أمريکا ضمن الحفاظ على وحدة العراق السيادية، ضرورة وجود حكومة ضعيفة في البلاد. وهذا ممكن من خلال دعم الأكراد وفرض توا­زن القوى بين القوى الكردية والشيعية والسنية. وفي حالة حدوث تطورات لا يمكن التنبؤ بها والسيطرة عليها تهدف الى تقسيم العراق، سيظل اقليم كردستان موضع قدم مناسب لأمريکا في المنطقة.

-في استراتيجية الولايات المتحدة، تُعتبر هذه الأقلية، جنبا إلى جنب مع السنة، ورقة ضغط ووسيلة للتسلل أو عنصرا رادعا، وإذا كان هناك برنامج مُعين لتعزيز قدرة الأكراد والسنة، سيكون من أجل تحقيق أهداف ومصالح أمريكا. ولكن، اعتمادا على تطورات حكومة العراق والمنطقة، كان استخدام هذه الأداة مُختلفا في فترات مختلفة.

-التنمية السياسية والاقتصادية والأمنية في كردستان العراق وتطورها يمكن أن يصبح نموذجا مرغوبا ومثاليا للأقليات الكردية الأخرى في إيران وسوريا وتركيا. وستزيد امريكا من قدرتها التفاوضية لفرض ضغوط على إيران وتركيا وسوريا من خلال سيطرتها على الدولة الكردية، لأنها ستتمكن من جعل قضية الانفصال أحد المخاوف الأمنية الرئيسية لهذه الدول الثلاث.

-احتواء تنظيم داعش الإرهابي في العراق هي سياسة أمريكية أخرى لدعم الأكراد. ومما لا شك فيه أن جمهورية إيران الإسلامية، بالإضافة إلى دعمها لإقليم كردستان، تقف ضد هجوم تنظيم داعش على المحافظات الجنوبية والشيعية في العراق، لذلك فإن أمريکا تشعر بالقلق إزاء انهيار هذه المناطق، وركزت في دعمها على شمال العراق والأكراد.

-تعتبر اربيل قاعدة بيانات استخباراتية عسكرية أمريكية، وهي نقطة جيدة لتواجد الجواسيس الأمريكيين ضد إيران وبغداد وحتى تركيا. ويتواجد عشرات من المستشارين العسكريين الأمريكيين في المدينة، وتُوفر المطارات الصغيرة السرية الخاصة بطائرات تجسس بدون طيار خدمات لأمريكا، ومؤخرا وقّعت الولايات المتحدة عقودا مع بعض الشركات لتوسيع أجهزة الاستخبارات بالقرب من مطار أربيل.

-يوجد في إقليم كردستان أكثر من 14 بئرا للنفط وتقع رابع أكبر بئر نفط عراقي في تلك المنطقة. ويُذكر ان سادس اكبر احتياطي نفط في العالم هو في كردستان وتعد اربيل العاصمة النفطية لها حيث تستضيف شركات نفط امريكية كبرى وخاصة شركة “اكسون موبيل” و”شيفرون” إذ لديهم صفقات نفطية ضخمة في الشرق الاوسط. وتنتج اربيل وحدها ربع نفط العراق وتبلغ ثروة شمال العراق من موارد الطاقة اكثر من 45 مليار برميل من النفط و 6.3 تريليون متر مكعب من الغاز.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق