بعد أزمة (الاستفتاء) …الطريق للحوار مع (الاقليم) من أين يبدأ .. ومع من سيكون؟
لم تكن الازمة مع شمال العراق وليدة اليوم، فتأريخها يمتد لزمن أقدم حتى من اعمارنا نحن (الكبار)، وبين الفينة والاخرى نسمع عن مبادرة لحل الازمة. فنخرج للشوارع ونهتف (هربشي كورد وعرب رمز النضال) ثم نعود الى منازلنا، بعد اسابيع ونسمع أخبارا اخرى، تؤكد عودة المعارك بين (الجيش والعصاة).
ما يحدث من ازمات (الان) هو يشبه (جدا) ماكان بالامس، فالاسماء ذات الاسماء والقيادات والاتهامات، واحدة، ويبدو ان ليس هنالك من (وضع اصبعه على الجرح) فلو كانت امتيازات وحكم ذاتي ومصالح وثقافة وسواها من المطالب، فأن سكان (الاقليم) حظي بما لم يحظ به مواطنومحافظات العراق الاخرى، وحصلوا على استقلال تصل نسبته الى 98% والنقطتان الاخريتان فقط رفع العلم العراقي على بعض المؤسسات الحكومية لاغير !! بالاضافة الى الامتيازات في اشغالهم اهم المناصب في ادارة الحكومة الاتحادية، فيصل عدد الموظفين الاكراد الذين يتقاضون رواتبهم من الحكومة الاتحادية الى (250) الف موظف 75ألف منهم من ذوي الرواتب العالية !!, ورأينا كيف انهم لم يؤدوا رسالتهم الوطنية في العمل سواء من هم يعملون في السفارات أو من استوزروا!!
واذا كانت كل هذه الامتيازات لم تقنع (سياسيي كوردستان) وما زالوا يخلقون الازمات تلو الازمات، سواء للعراق أو لدول الجوار، فهل هنالك من حلول للتخلص من هذا الجرح النازف الذي يكلف العراق المزيد من الضحايا، وتدهور الاقتصاد، وارباك التجربة السياسية، ناهيك عن التأثير النفسي والاجتماعي الدائم؟
دعنا نبدأ من الحلول التي طرحها الساسة الكورد من المشاركين معنا في العملية السياسية لحل الازمة لمرحلة مابعد الاستفتاء.
مشروع د.برهم صالح
بعد أن أعلن الدكتور برهم صالح انفصاله عن الاتحاد الوطني الكوردستاني بعد (الاستفتاء) مباشرة، وتشكيله التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة قدم مقترحا لحل الازمة بين بغداد وشمال العراق أكد فيه ان منظومة الحكم الحالية بكردستان تحتاج الى تغيير ولا يمكن الاستمرار بالوضع الحالي في الاقليم. و يجب ان تكون هناك حكومة انتقالية تتولى عملية تنظيم انتخابات برلمانية نزيهة ووفق نتائجها ان يتم تبادل السلطة”، لكنه مازال مصرا (ان “للشعب الكردي الحق في تقرير مصيره، لكن يجب عدم المغامرة بمستقبله)
مشروع بافال طالباني
بافال طالباني، هو نجل السكرتير العام للاتحاد الوطني الكردستاني الراحل، جلال طالباني ومشروعه الذي دعا له أكد فيه (أن الحوار مع بغداد سيكون وفق الدستور) لكن يبدو ان بافال يحمل تصورا أكبر من حجم تصريحه هذا لايريد أن يغيض به احدا، خاصة وانه انتقد الجهات التي اجرت الاستفتاء، وحملها مسؤولية ما يحدث. كما أنه يحمل مشروعا متكاملا لايستثني فيه منطقة دون أخرى لانه انتقد بشدة عملية الدعوة الى تقسيم (الاقليم)
مشروع أحزاب السليمانية
واحزاب السليمانية هي التحالف من اجل الديمقراطية والعدالة – الجماعة الاسلامية الكردستان – حركة التغيير، حيث اصدرت بيانا دعت فيه ان يكون برلمان كردستان مصدر القرار وسن القوانين، وان لا تكون اية سلطة سياسية فوق البرلمان. كما دعت الى حل مجلس الرئاسة في الاقليم وتوزيع صلاحياته على المؤسسات الحكومية الاخرى، واجراء استفتاء لتغيير شكل النظام من رئاسي الى برلماني ثم اجراء انتخابات نزيهة وان يكون البرلمان في الاقليم هو المفوض بالتفاوض مع بغداد.
وهناك انباء تداولتها بعض الصحف من ان أحزاب السليمانية ” (الاتحاد الوطني وحركة التغيير والجماعة الاسلامية وتحالف الديمقراطية والعدالة والجيل الجديد”) اجرت اتصالات لتوحيد الأطراف الكردية التي توصلت إلى اتفاق على وقف التصعيد الإعلامي والاتهامات بالخيانة التي سادت الإقليم خلال الأيام الماضية”. وهؤلاء يصطفون مع شرط الحكومة في إبعاد رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني من التفاوض”.
مشروع حكومة الاقليم
وهذا المشروع دعاته مسعود بارزاني ونيجيرفان ويقضي بالحوار مع بغداد دون شروط مسبقة، وان يكون الاستفتاء واقع حال، باعتباره حسب قولهم (حق من حقوق الشعب الكوردي) محذرين من أي تفاوض مع حكومة بغداد بشكل انفرادي.
دعوات اخرى من خارج الاقليم
هناك دعوات اخرى من خارج الاقليم دعا لها نائبا رئيس الجمهورية اياد علاوي واسامة النجيفي لم تتعد الدعوة الى الحوار مع (مسعود بارزاني) لحل المشاكل بين بغداد واربيل. على ان (يجمد الاستفتاء) دعوات من خارج العراق هناك دعوة الرئيس الفرنسي التي مضمونها ان يكون هناك حكم (كونفدرالي) في الاقليم، ودعوة المسؤولين الامریكان التي لاتتعدى الدعوة للحوار بين بغداد واربيل، ودعوة الملك عبد الله ملك الاردن في لقاء (غير رسمي ) يجمع الدكتور حيدر العبادي بمسعود بالاردن، ويبدو ان العبادي قد رفض المقترح.
حتى هذه اللحظة التي اكتب فيها هذا المقال لم نقرا رأيا واضحا للحكومة العراقية بشأن حل المشكلة مع الاقليم، فبعد أن كانت تصر على ان لاحوار مع الاقليم الا في الاعلان عن (الغاء الاستفتاء) راحت تؤكد أن (الاستفتاء اصبح مع الماضي ). ويبدو ان الحكومة العراقية لاترغب ان تدخل في حوار مع الاقليم، الا بعد أن:
1- تفرض سيادة الدولة بشكل كامل على جميع الاراضي التي كانت قوات (حرس الاقليم) قد دخلتها سواء بعد عام 2003 او عام 2014 والوقوف عند الخط الازرق الذي حددته الامم المتحدة.
2- ترتيب الوضع الامني والاداري في المناطق المتنازع عليها.
3- السيطرة على ابار النفط التي كانت قوات حرس الاقليم (البيشمركة) قد احتلتها.
4- السيطرة على المنافذ الحدودية مع دول الجوار وتأمين وضعها الاداري والامني.
5- اعادة انتشار القوات الامنية في جميع المناطق التي دخلتها اخيرا والاطمئنان على مستقبلها.
6- الحصول على معلومات دقيقة عن واقع (الاقليم) في مجال الفساد الاداري والمالي، واين ذهبت اموال النفط، وعن المنظمات الصهيونية داخل الاقليم، والمنظمات الارهابية ومناطق تواجدها.
7- قراءة المشهد السياسي في (الاقليم) قراءة محكمة كي يتسنى لها الحوار والتفاهم مع شخصيات واحزاب يمكن ان تكون قادرة على الادارة كما انها مقبولة لدى جميع الاوساط، وان يكون مفتاح القبول وفقا لموقفها من الاستفتاء.
8- من الممكن ان تكون الحكومة قد فكرت بأن تبقى منطقة شمال العراق تحت الادارة الاتحادية لحين اجراء الانتخابات فيها.
أو هي تسعى لتشكيل حكومة (مؤقتة) في الاقليم لحين اجراء الانتخابات هناك.
9- الحكومة العراقية الان في تفاهمات مستمرة مع دول الجوار(ايران وتركيا) بشأن الاطمئنان على مستقبل شمال العراق بالشكل الذي لايقلق دول الجوار أولا وان لايخلق مشكلة مستقبلية لهم.
10- الحكومة العراقية الان في قراءة للمشهد الاعلامي في شمال العراق حيث فوجئت بان هذه المنطقة من البلد كانت (مهملة) اعلاميا وتسيطرعلى وسائل اعلامها احزاب، تحث الشعب على الكراهية للاخر، وتدفع بهم نحو الانفصال، ومن الضروري اعداد استراتيجية اعلامية تجعل السكان هناك يشعرون انهم جزء من العراق.
11- السيطرة على منافذ بيع النفط في (الاقليم) واخضاعه للادارة الاتحادية، ومتابعة عقود الشركات السابقة التي جلبت الضرر للبلد.
هل من حوار مع مسعود؟
الحكومة العراقية لايبدو انها راغبة في اجراء حوار مع مسعود بارزاني ويساعدها على ذلك:-
1- ان الاحزاب الكوردية قد اجمعت على انه هو واسرته السبب الرئيس في خلق الازمات مع بغداد ومع العالم اجمع وانه تفرد بالسلطة، وان (ازمة الاستفتاء) هو ورائها.
2- ان نتائج الحصار والاجراءات التي فرضتها الحكومة العراقية ومعها دول الجوار على الاقليم قد تركت اثارها على الشعب الذي بدأ يدرك ان (مسعود) وراء ذلك.
3- قد ادركت (على الاقل الفئة المثقفة) في الاقليم أن مسعود ليس بالسياسي الناجح، حيث لم يثبت انه قد وضع حسابات ما بعد الاستفتاء، وقد ادخل (الاقليم) في ورطة وتركهم ثم اختفى.
كما ثبت لهم ان مسعود لم تكن له علاقات خارجية ناجحة، اذ ليس هنالك من وقف معه ودعمه بالاستفتاء سوى (اسرائيل) وانه شخص مغامر لايؤتمن على مصير شعب.
4- ترى الحكومة العراقية ان المزاج العام سواء داخل (شمال العراق) او خارجه لايرغب ان يكون مسعود بارزاني ضمن دائرة الحوار، وهذا الامر سيساعدها كثيرا في منحها فرصة الافلات من الضغط التي تتعرض له من بعض الجهات (الداخلية) التي مازالت ترى في مسعود (صديقا) لها.
5- ادرك اصحاب رؤوس الاموال والشركات الكورد أن مسعود لم يوفر لهم بيئة امنة لحركة راس المال والعمل وانهم الاكثر تضررا بمشروع (الانفصال) وقد خسروا أغلب اموالهم وشركاءهم ساء في العراق او في دول الجوار.
بشكل عام ان أمام الحكومة العراقية فرصة تاريخية لصناعة دولة قوية تتمدد سلطتها على جميع الاراضي العراقي وان يطمئن لها جميع العراقيين بمختلف اعراقهم ودياناتهم وطوائفهم، كما ليس من السهل ان يمنحك التاريخ مثل (هذه الفرصة) ان يكون العالم بأجمعه معك، وان يكتب الله النصر لك في ميدان مواجهة الارهاب والقضاء عليه وفي ميدان مواجهة (الانفصال) والقضاء عليه ايضا. كما أن بلدا فيه من الخيرات والثروات والكفاءات ومن الموقع الجغرافي، ما يحسده عليه الاخرون، من الممكن جدا أن يكون في مصاف الدول المتقدمة.
بقلم الكاتب والمحلل السياسي محمود الهاشمي
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق