إيران بعد الأسد؟ الاشتباك الإيراني الأميركي في أوجه
تمر المنطقة بأسوأ مرحلة من الاشتباك الأميركي الإيراني ومن التحشيد الاسرائيلي لكسر ما تحقق في سوريا. هذا ينذر بتطورات عسكرية وسياسية قد تكون مفاجئة في أي وقت رغم الضوابط الكثيرة التي تسعى موسكو لتمريرها بغية لجم التدهور.
السبب واضح: لن تقبل اسرائيل استقرار الوضع في سوريا إذا ما كانت نتيجته ترسيخ دعائم القيادة السورية الحالية وجيشها، وبقاء إيران وحزب الله قويين عند حدودها وفي مناطق لم تكن في السابق داخلة في حساباتها.
اليكم ظواهر هذا الاشتباك الإيراني الاميركي وخلفياته الاسرائيلية:
– أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استراتيجية جديدة ضد إيران تفرض عقوبات كبيرة وتمهد لإنسحاب أميركا من الاتفاق بغية «سد كل الطرق على طهران للحصول على السلاح النووي». قرر ترامب كذلك التعامل مع الحرس الثوري الإيراني كمنظمة ارهابية. مع خلفية القلق الكبير من الصواريخ الاستراتيجية الإيرانية بعيدة المدى.
– ردت إيران بتصريحات مهددة. قال المرشد علي خامنئي ان بلاده ستمزق الاتفاق إذا انسحب ترامب منه، وخاطب الاوروبيين بأن إيران ستتواجد «رغم أنوفكم» في المنطقة. ثم دخل الحرس الثوري على الخط قائلا بأقسى تصريح له: «ان تطوير القدرات الصاروخية الإيرانية سيستمر بسرعة أكبر وبدون توقف، وأن اميركا تفقه لغة السلاح أكثر وان كل مشاريعها كاقامة شرق أوسط كبير ومشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني وحروب الوكالة وغيرها ستهزم بكل تأكيد».
– ترافق التصعيد الكلامي مع تحركات عسكرية لافتة من الجانبين. ذهب رئيس الاركان الإيراني الى حلب برفقة كبار الضباط يعلن ان الارهاب في طريقه الى الانتهاء، وذلك بعد عقد سلسلة من اللقاءات الدقيقة في دمشق أطلق في خلالها وختامها تحذيرات واضحة لاسرائيل قائلا: «نحن هنا في دمشق لنؤكد ونتعاون لمواجهة اعدائنا المشتركين، النظام الصهيوني والارهابيين». ترافق ذلك أيضا مع تهديدات أطلقها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. كان في كل ذلك تعبير على أن ثمة محورا واحدا يتحرك في أكثر من مكان.
– بالمقابل اسرائيل اغارت على مواقع سورية والجيش السوري أعلن انه اصاب بصاروخ مقاتلة اسرائيلية فوق لبنان، وارتفع التهديد الاسرائيلي هذه المرة صوب الجيش اللبناني والدولة برئاسة الجنرال ميشال عون وليس فقط الحزب. وصل الأمر بأحد صقور الادارات الاميركية المتعاقبة في الكونغرس أليوت انغل والذي له باع طويل ضد كل الدول والاطراف المناهضة لإسرائيل من العراق الى لبنان فغزة وسوريا، ليقول من موقعه ككبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس: «علينا الآن ان نخنق مصادر حزب الله». خصوم حزب الله تحركوا أيضا في لبنان وباتجاه السعودية. جاء حكم الإعدام على حبيب الشرتوني لتوجه ضربة الى محور المقاومة، خصوصا من الحلفاء حيث ذهب وزير الخارجية جبران باسيل يحتفل مع القوات اللبنانية بالأمر مع علمه الأكيد بأن في الأمر ما يزعج ضمنيا الحزب المحرج بالتعبير عن موقف. جاء الرد من نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم بالقول الضمني عن بشير الجميل: «ان تبرير التعامل مع العدو لا يبرر العمالة، وبالتالي لا يبرئ العميل». وتسري معلومات عن احتمال استقالة وزراء القوات اللبنانية من حكومة الحريري لرفع مستوى الضغوط على حزب الله ومنع أي تواصل لبناني مع سوريا.
– عسكريا أيضا كان التسابق في ذروته بين الجيش السوري وحلفائه من جهة والمقاتلين الكرد وحلفائهم وفي مقدمهم أميركا من جهة ثانية للسيطرة خصوصا على حقول النفط والثروة من دير الزور الى الرقة. وفي تلك الاثناء بالضبط، وفي خلال وجود رئيس الاركان الإيراني في سوريا قُتل اللواء الشهير عصام زهر الدين، ثم قتل من تلاه وسبقه من ضباط آخرين ينتمون الى المحور وليس فقط من الجيش السوري.. وقام وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج (الفارسي) ثامر السبهان بزيارة الى الرقة السورية برفقة مبعوث الرئيس الاميركي بريت ماكغورك، فيما تركيا التي ولجت الى الاراضي السورية رغم اعتراض وغضب دمشق قامت بذلك بالتنسيق العسكري الضمني مع روسيا والتنسيق السياسي مع روسيا وإيران «مفاوضات آستانا».
– مع هذا التصعيد السياسي والعسكري، فرضت اميركا عقوبات جديدة على حزب الله ورفعتها عن السودان الذي بات يجاهر بالعداء لايران ويتقارب جدا مع السعودية ومشاريعها ويصل الأمر بالرئيس السوداني عمر حسن البشير الى حد القول: «لن نحجر على من ينادي بالتطبيع مع اسرائيل» وان الرئيس السوري سينتهي قاتلا او مقتولا.
– في هذه الاثناء بالضبط، برزت قصة انفصال اقليم كردستان بزعامة مسعود بارازاني الذي تربطه باسرائيل علاقة قوية منذ عهد والده. كان الرد الإيراني بأن جاء رئيس فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الى المنطقة يلتقي بحزب جلال طالباني ويكسر جزءا من المعادلة التي تعتقد طهران أن أميركا واسرائيل وراء تحريك أبرز خيوطها وأنها ليست قضية انتخابات او تكريس لزعامة بارزاني على حساب الآخرين.
ماذا بعد؟
نحن إذاً في ذروة الاحتقان الأميركي الإيراني، وفي أوج احراج ترامب داخليا بسبب الهجمة عليه والمتعلقة بتقاربه مع روسيا، واسرائيل في ذروة التحشيد والقلق… يبدو اننا عدنا الى نقطة الصفر، أي ان العدو الاول هي إيران بعد التراجع عن شعار «رحيل الأسد». هذا يعني انه اما ينجح بوتين في لجم اسرائيل وبالتالي لجم التدهور المحتمل «لذلك ارسل وزير الدفاع الروسي شويغو الى دمشق في 12 الجاري واستقبل الملك السعودي»، ويمهد لتسوية أمنية سياسية بعيدا عن الأضواء، وأما يصبح أي خطأ عسكري صاعقا يفجر المنطقة، أو يستمر الجميع في ادارة الحرب والأزمة الى أمد غير معروف، وتكون بعض المناطق السورية وكذلك لبنان مسرحا لتظهير الاحتقان بصور مختلفة …
إسرائيل تريد خروج إيران وحزب الله من سوريا وتريد شريطا فاصلا منزوع السلاح على طول الحدود من مصر الى الجولان فالحدود الأردنية السورية فلبنان… ترامب مضطر للسير في ركبها ورفع الضغط على إيران لأن مصيره الشخصي مهدد في الداخل، وبوتين مقبل على انتخابات في آذار/مارس المقبل ولا يريد خطوة ناقصة، اما الأسد وحلفاؤه فيرون ان ثمة فرصة مناسبة الآن للإستمرار في التقدم، وهم سيستمرون مهما حصل.
الجميع يعيش لحظات مفصلية عشية احياء ذكرى وعد بلفور… الأيدي جميعها على الزناد، لكن ليس في مصلحة أحد الضغط لإطلاق الرصاصة الأولى. كل شروط الانفجار موجودة وعلى بوتين وحده إيجاد مخارج الآن ترضي الجميع. فهو على صلة بالجميع لكن تحالفه مع إيران بات يقلق جدا إسرائيل.
بقلم / سامي كليب