العداء الأميركي لإيران
شكل تصاعد العداء لإيران جوهر الحركة الأميركية في الشرق العربي منذ انتخاب دونالد ترامب ومصدر تحول هذا العداء إلى ما يشبه لب «العقيدة» الترامبية الموجهة للسياسة الخارجية الأميركية يتحدد في ثلاثة عوامل كبرى يضعها اليمين الأميركي داخل المؤسسة الحاكمة وجناحها العسكري في صلب قراءته لتوازن القوى ولتقهقر النفوذ الأميركي.
اولا: دور إيران الرئيسي والمركزي في محور المقاومة المتحول إلى منظومة إقليمية تقف بصلابة خلف الهزائم الأميركية الصهيونية المدوية في الشرق وهو ما عبرت عنه حصيلة حروب كبرى قادتها الولايات المتحدة وانتهت إلى الهزيمة والفشل في كل مرة بفعل المواجهة الحازمة والبطولية لشعوب المنطقة وحركاتها المقاومة ودولها الوطنية المدعومة من إيران ولعل الحروب الأشرس التي خسرتها الإمبريالية والكيان الصهيوني هي غزو العراق واحتلاله وحرب تموز 2006 ضد لبنان ومقاومة حزب الله والحروب المتلاحقة ضد قطاع غزة وحملات القمع والإبادة المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني وانتفاضته المتجددة وآخر الحروب الخاسرة وأضخمها وأشدها عنفا كانت حرب الوكالة الأميركية الصهيونية بواسطة عصابات القاعدة وداعش والتي استهدفت سورية والعراق وبموازاتها غزو المملكة السعودية لليمن بدعم اميركي واسع لعمليات إبادة منظمة تشارك فيها المملكة السعودية ودولة الإمارات.
تلفظ اندفاعات الغزو الأميركي انفاسها وتتكسر على معظم الجبهات وينطوي الكيان الصهيوني على قلق وجودي يثيره التحول في توازن الردع الذي يحققه محور المقاومة بمساهمة إيرانية كبيرة.
ثانيا: متانة الحلف الإيراني الصيني الروسي وتحوله إلى كتلة دولية اقتصادية واستراتيجية مناهضة للهيمنة الأميركية على العالم وتبدو إيران بمثابة رأس الرمح الذي ترى الولايات المتحدة في تنامي قوته قدرات جديدة تدعمها الصين وتتناغم معها روسيا للحد من نفوذ وهيمنة الإمبراطورية الأميركية بل إن الولايات المتحدة تدرك جيدا ان العملاق الصيني هو في موقع الداعم والحاضن لكل مبادرة هجومية إيرانية او روسية على المسرح الدولي وليس في المنطقة فحسب. وقد خسرت الولايات المتحدة خلال ولايتي اوباما كل رهاناتها على استثارة تناقضات داخل هذه الكتلة الشرقية الناشئة وفشلت جميع مناورات واشنطن في تعارضات إيرانية مفترضة مع روسيا والصين، بل إن هذا الثلاثي كان بارعا للغاية في مناورات اختلاف ظاهرة شكلت مناسبة لاقتناص المكاسب ولإحباط التلاعب الأميركي وفضحه كليا وكانت مفاوضات الملف النووي الإيراني مثالا لتناغم صامت ادير من العواصم الثلاث بكل حكمة ودقة وأوصل إلى الغاية المرجوة بتوقيع الاتفاق والاعتراف بحقوق إيران النووية والتعهد برفع العقوبات عنها وهو ما تحول إلى صك أممي يسند الحقوق الإيرانية ويكرس مشروعيتها التي أرغمت إدارة ترامب رغم صلفها على الخضوع لها كما برهنت وثيقة ترامب الأخيرة التي نصت على «التمسك بالاتفاق بحذافيره».
ثالثا: موقف الكيان الصهيوني والحكومات العربية والإقليمية التابعة للغرب وللنفوذ الأميركي في المنطقة والتي تحمل إيران وسورية وحركات المقاومة مسؤولية تقهقرها ومآزقها المتنقلة وتعتبر أن الدعم الإيراني للجمهورية العربية السورية ولحزب الله والمقاومة الفلسطينية وللحشد الشعبي العراقي وللجيش اليمني واللجان الشعبية مصدر تراجع نفوذ منظومة الهيمنة الغربية الصهيونية الرجعية في المنطقة، وهذا ما تتفق عليه حكومات تركيا والسعودية وقطر قبل انشقاقها إلى محورين في الحضن الأميركي وتكليف جناحيها بمهام التكيف مع الوقائع الجديدة بما في ذلك التقرب من إيران بالنسبة لكل من قطر وتركيا المفوضتين بتأمين مظلة لتنظيم الأخوان بينما كلفت حكومتا السعودية والإمارات بحماية الجماعات السلفية القاعدية وبلجم الاندفاع المصري نحو المحور السوري الإيراني الروسي.
إيران القوة العظمى الصاعدة وسورية العائدة بقوة إلى المعادلات الإقليمية والدولية وحزب الله القوة الإقليمية القادرة والعراق المتعافي القادر على لعب دور إقليمي كبير واليمن الذي يتحدى الهيمنة ويشكل عضدا لشعب فلسطين ومقاومته تلك هي آفاق واقعية لتحولات جارية تقض مضاجع المخططين والقادة في واشنطن وهي التهديد الوجودي الضاغط في تل أبيب وكلمة السر هي إيران بعدما تنقلت الحروب واختبارات القوة بين ساحات المنطقة وميادينها ولم تجلب سوى الفشل.
بقلم : غالب قنديل