الدوافع السياسية للإصلاحات الاجتماعية في السعودية
بعد الإصلاحات الاجتماعية القليلة التي أجرتها السعودية في الفترة الأخيرة ومن بينها السماح للمرأة بقيادة السيارة، أثيرت جملة من التساؤلات بشأن الدوافع الحقيقة لهذه الإصلاحات، وهل هي إصلاحات اجتماعية حقاً، أم تهدف إلى تحقيق أغراض سياسية؟
قبل الإجابة عن هذه التساؤلات لابدّ من ذكر أبرز الإصلاحات التي قامت بها السعودية لمعرفة حجم ومستوى هذه الإصلاحات، ولماذا حصلت في هذا الوقت بالذات؟
– تمهيد الأرضية لحل “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” والتي توصف من قبل بعض وسائل الإعلام بـ “الشرطة الدينية”.
– تهيئة السبيل لإلغاء لقب “خادم الحرمين الشريفين” عن الملك السعودي.
– ما يعرف بـ “رؤية 2030” لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور.
فبماذا يمكن تفسير هذه الإصلاحات وهل هي كافية للقول بأن السعودية في طريقها للديمقراطية، أم أن الأمر مجرد محاولات لذر الرماد في العيون وتحقيق مآرب لاعلاقة لها بالإصلاحات ومن بينها:
– محاولة إرضاء الغرب وإقناعه بأن الأوضاع الاجتماعية في السعودية تتماشى مع متطلبات حقوق الإنسان التي طالما تعرضت لانتقادات شديدة من قبل المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية بسبب الانتهاكات المستمرة والفجّة لهذه الحقوق، خصوصاً ما يتعلق بحرية التعبير عن الرأي وضرورة نبذ الطائفية الدينية والتمييز بين أبناء المجتمع في الاستخدام بالدوائر الحكومية والرسمية.
– تهيئة الأرضية لولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة “محمد بن سلمان” لتسلم مقاليد الحكم بعد والده الملك سلمان بن عبد العزيز، ومن المعروف أن التحضيرات لتحقيق هذا الأمر قد بدأت منذ زمن ليس بالقصير خصوصاً بعد إقالة ولي العهد السابق “محمد بن نايف” من منصبه في يونيو/حزيران الماضي.
وكان محمد بن سلمان قد تقدم بطرح جديد حمل اسم “رؤية 2030” بهدف إنقاذ الاقتصاد السعودي المتدهور نتيجة تراجع أسعار النفط وتواصل العدوان على اليمن ودعم الجماعات الإرهابية، وذلك من أجل تحسين صورة المملكة في الخارج لاسيّما أمام الدول الغربية، وإظهار بن سلمان بصورة المصلح.
من خلال قراءة هذه المعطيات يتأكد لدى المراقب بأن الإصلاحات السعودية لاتهدف إلى تحسين الوضع الاجتماعي في البلاد، بل الغرض منها تحقيق مآرب سياسية خصوصاً بعد الفشل الاستراتيجي الذي منيت به الرياض في الكثير من الميادين لاسيّما في سوريا والعراق نتيجة هزيمة الجماعات الإرهابية المدعومة من قبلها، فضلاً عن الهزائم التي منيت بها على يد القوات اليمنية خلال السنوات الثلاث الماضية.
وبالرغم من هذا الفشل يبدو أن الرياض مستمرة في عنادها بتبني سياسة هجومية تجاه من تعتبرهم خصومها، وبهذا تختلف سعودية بن سلمان عن مملكة أعمامه التي فضّلت حل مشاكلها عن طريق الرشوة المالية والاعتماد على القوة الأمريكية.
وبكل تأكيد سيتم تحجيم المؤسسة الدينية والفكر الوهابي في السعودية لكن النظام لن يتنازل كلياً عن هذه الورقة التي تضفي عليه “شرعية دينية” في الداخل، وإلى حد ما في الخارج.
ومازال الصراع المبطن الذي تشهده السعودية بين مؤسساتها وتياراتها الدينية مستمراً وما زاده استعاراً ذلك القرار الذي خرج به الديوان الملكي المتمثل بالسماح للمرأة بقيادة السيارة وبث أغاني المطربات على شاشة التلفزيون والذي أثار حفيظة التيار المتشدد متمثلا بـ “آل الشيخ” أعلى الهيئات الدينية وأكثرها تعصبا. وهذا القرار قد قسّم المجتمع السعودي بين مؤيد ومعارض خاصة أن نسبة لا بأس بها من سكّان المملكة تعتبر قيادة المرأة للسيارة مخالفة شرعية وقانونية يجاز معاقبة المرأة عليها نتيجة الفتوى الشرعية التي أطلقها رئيس هيئة كبار العلماء في المملكة الراحل “الشيخ ابن باز” عام 1990.
وبناء على هذا تكون المملكة قد انقسمت بين خطابين على صعيد المجتمع والحكومة “وهابي وآل سعود”، وهناك طرف ثالث لا يقل تأثيراً يتمثل بـالسرورية “مصاهرة بين الإخوان والسلفية” وهي تيار واسع وقد يكون هو التيار الديني المعارض الأكبر في السعودية.
وبهذا يكون الصراع الداخلي في السعودية قد تحول إلى صراع ثلاثي الأقطاب لا أحد يعلم إن كان بإمكان بن سلمان إدارته وتطويعه لصالحه أم أنه سيمضي في إجراءاته التي قد تنقل البلاد إلى مرحلة صعبة جداً نظراً للتاريخ المنغلق والقمعي الذي دأبت عليه المملكة.
ويبدو أن الأيام ستثبت أن محمد بن سلمان الذي يلقبه البعض بـ”الأمير الصغير” الذي دمّر بلاده سينهى حقبة آل سعود نتيجة قراراته المتهورة التي حاول إضفاء نوع من الصرامة عليها، إلى جانب المستجدات الأخيرة التي فرضت نفسها على الساحة الداخلية والتي أسهمت بشكل كبير في إعادة رسم الخارطة السياسية للبلاد في أعقاب زيادة رقعة الاضطهاد والتنكيل بكل من يفكر أن يخرج عن عباءة التأييد والولاء المطلق للنظام وقراراته.
المصدر / الوقت