التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

الحشد الشعبي في دائرة الإستهداف الأميركي 

تثير الحملات الاعلامية والسياسية الموجهة ضد الحشد الشعبي خلال الآونة الأخيرة جملة تساؤلات واستفهامات، حول الأسباب والدوافع وطبيعة التوقيت.

قد لا تحمل تلك الحملات جديدا، من حيث الجوهر والمضمون، بيد انها بدت مركّزة ومكثفة الى حد كبير، واكثر من ذلك منسقة بين عدة اطراف.
جهات سياسية رسمية وغير رسمية، ووسائل اعلام اميركية وسعودية واماراتية وكويتية واسرائيلية وكردية-عراقية تبنت اثارة الحملات ضد الحشد الشعبي بطريقة ممنهجة ومنظمة.
وتزامنت تلك الحملات الاعلامية والسياسية، مع انتصارات كبيرة ومهمة حققتها القوات العراقية على تنظيم «داعش» الإرهابي، كان للحشد الشعبي دور محوري وفاعل فيها.
وتزامنت أيضا مع عملية بسط الحكومة الاتحادية سيطرتها على المناطق المتنازع عليها، والتي كانت القوات الكردية قد وضعت اليد عليها، مستغلة دخول تنظيم «داعش» واحتلاله مساحات من ارض العراق في صيف عام 2014.
وتزامنت مع انتهاكات واسعة ارتكبتها تشكيلات من قوات البيشمركة ضد مدنيين ينتمون الى القوميتين العربية والتركمانية في كركوك ومناطق اخرى ارغم الاكراد على تركها.
وكذلك تزامنت مع انطلاقة غير رسمية للحراك الانتخابي، وبروز اشارات من هنا وهناك على نية اطراف وشخصيات قريبة من الحشد الشعبي على المشاركة في الانتخابات البرلمانية العامة المزمع اجراؤها في منتصف شهر أيار/مايو 2018.
وربما كانت واشنطن هي المحرك الرئيسي لإستهداف الحشد الشعبي، عبر تصريحات ادلى بها وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون من العاصمة السعودية الرياض، مطلع الاسبوع الماضي، دعا فيها الحكومة العراقية الى وقف عمل ما اسماه الفصائل المدعومة من ايران، والتي تساند القوات الحكومية في معاركها ضد تنظيم داعش، وكذلك في عمليات استعادة المناطق المتنازع عليها من قوات البيشمركة الكردية.
وقال تيلرسون انه «بعد أن أوشك القتال ضد تنظيم داعش على الانتهاء، فإن الفصائل الإيرانية الموجودة في العراق يجب أن تعود إلى ديارها».
ولعله لم يكن امرا عفويا ان يطلق الوزير الاميركي تصريحاته ضد الحشد من الرياض، لأنها ستجد من يتفاعل معها ويروجها ويسوقها.
والملفت ان تصريحات تيلرسون جاءت بعد يوم واحد من لقائه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ومشاركته في اجتماع المجلس التنسيقي السعودي-العراقي، وتشجيعه على دفع العلاقات بين بغداد والرياض الى الامام، ومعالجة القضايا العالقة بين الطرفين، بحيث بدا انه يحاول جر العراق بعيدا عن ايران، وقريبا من السعودية.
ولم تمر تصريحات وزير الخارجية الاميركي مرور الكرام، بل انها قوبلت بردود فعل حادة ومواقف عراقية غاضبة، استهلها العبادي بالقول: «ان الحشد الشعبي مؤسسة رسمية ضمن مؤسسات الدولة، ونرفض اتهامها بالعمل نيابة عن إيران، وعلينا تشجيع مقاتلي الحشد، لانهم سيكونون أملاً للعراق وللمنطقة».
كما اعتبر رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض تصريحات تيلرسون تدخلا في الشأن العراقي، ومشددا على «ان الحشد الشعبي يعد قوة اساسية وشارك بشكل مؤثر في الانتصار على داعش وهزيمته في جميع المناطق طيلة السنوات الثلاث الماضية، وهو مدعاة لفخر كل العراقيين».
وأغلب الظن ان تيلرسون، اما استشار القادة السعوديين وتباحث معهم قبل ان يتحدث عن الحشد الشعبي من الرياض، او انه كان يعلم ويدرك مسبقا ان تصريحاته ستحظى بقبول وارتياح الرياض، وبالفعل فإن التعاطي الاعلامي السعودي مع ما قاله الوزير الاميركي، عكس حقيقة التوجهات السعودية، حتى بدا ان هناك توافقا سعوديا-اميركيا على ان انفتاح الرياض على بغداد ينبغي ان يكون ثمنه الابتعاد عن طهران.
ومن الرياض، الى واشنطن، ادعت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية هيذر ناويرت، ان نائب رئيس هيئة الحشد ابو مهدي المهندس، شخص ارهابي ومطلوب للقضاء في الكويت والولايات المتحدة الاميركية. وقد لقيت تصريحات المتحدثة الاميركية صدى واسعا في بعض وسائل الاعلام الغربية والعربية، خصوصا في واشنطن والرياض والكويت وابو ظبي، وراح الحديث يتمحور الى حد كبير حول تشويه صورة الحشد الشعبي، وما كان منسيا او مسكوتا عنه بخصوص تفجير السفارتين الاميركية والفرنسية في الكويت قبل اربعة وثلاثين عاما اثير من جديد، وكأن هناك اجندة سياسية معينة، لا تقصد المهندس لشخصه بقدر ما تستهدف الحشد الشعبي برمته.
ولكن ما اضعف هذا الجزء من الحملات الاعلامية-السياسية على الحشد، هو الموقف العراقي القوي، الذي ربما كان اكثر حزما وقوة من الموقف حيال تصريحات تيلرسون.
وقبل تيلرسون وناويرت، فإن وسائل الاعلام الاميركية والبريطانية والسعودية والاماراتية، مثل قنوات CNN وBCC وفوكس نيوز، وسكاي نيوز، والعربية، والعربية حدث، حرصت على ترويج الاخبار والتقارير والافلام المفبركة عن الحشد، وكل ذلك كان بالتزامن مع الانتصارات المتحققة على داعش.
والحلقة الاخرى في مسلسل الإستهداف تبنتها جهات سياسية ووسائل اعلام كردية ترافقت مع تداعيات الاستفتاء الكردي، واتجاه الحكومة الاتحادية لبسط سيطرتها على محافظة كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، وقد حاولت تلك الجهات السياسية والاعلامية صرف الانظار عن الواقع السيء في اقليم كردستان، وتجاوزات قوات البيشمركة الكردية، من خلال تركيز الانتباه على الحشد الشعبي، والايحاء بأن دخوله الى المناطق المتنازع عليها، يمكن ان تترتب عليه مخاطر كبيرة مستقبليا، لأنه يعني تمددا «شيعيا» الى مناطق تقطنها اغلبية عربية او كردية او تركمانية.
ولا شك ان قرب نهاية صفحة داعش في العراق وسوريا، وتحول الحشد الشعبي الى رقم صعب وفاعل، وتنامي قوة محور المقاومة في المنطقة، وازدياد الحضور والتأثير الايراني، وتفاقم تبعات وآثار التورط السعودي-الأميركي في ملفات المنطقة، كل ذلك جعل الدوائر الخارجية تتحرك وتعمل على خلط الأوراق بأكثر من اتجاه ومسار.
والمتتبع اليوم، يجد ان استهداف الحشد الشعبي، لا يختلف من حيث الجوهر والمضمون، والوسائل والادوات، عن استهداف حزب الله، واستهداف حركة انصار الله اليمنية، واستهداف قوى المعارضة البحرينية، فالمنطلقات والدوافع والاهداف واحدة وإن اختلفت وتباينت الظروف والاوضاع.
بقلم : عادل الجبوري

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق