التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

الإسـتــقـالـة المــشبوهــة 

اعتلى سعد الحريري منبر الفتنة السعودي، بدأ بإعلان نبأ استقالته عبر تلفزيون “العربية”، الذي يمثل رأس الأفعى في المشروع الفتنوي الذي يستهدف استقرار لبنان. مسرحية مسجلة مسبقاً كان مخرجها الزعطوط “ثامر السبهان”، الذي حبك كل تفاصيل سيناريو التقزيم السياسي لسعد الحريري، وتحويله إلى مجرد أداة في لعبة التخريب السعودية.

فاجأ توقيت استقالة الحريري الكثيرين، لكن لعله لم يفاجئ من يقرأ بين سطور المشروع الأكبر الأميركي الإسرائيلي، الذي يستخدم السعودية كرأس حربة فيه يقدم لها كل الإمكانيات من أجل إنجاحه. ويشكل سعد الحريري أحد ادوات تنفيذ سياسة التخريب والفوضى السعودية، وهو أراد لنفسه هذا الخيار الفاشل، الذي لطالما راهن عليه فخسر.
وقع الحريري في هفوات كبيرة في هذه الإستقالة شكلاً ومضموناً تبين قصر نظره السياسي. لم يحسب خطواته ولعله تفاجأ بها كما تفاجأ غيره فهي لم تكن بقراره، إنما كانت من إعداد أمراء السبهان الذين كتبوها بركاكة معهودة، ليلقيها الحريري بتلعثم وارتباك ورهبة وكان هناك من يقف يترقب هذا التسجيل الذي قد يكون أخذ ساعات طويلة لتتم كل عباراته، سيما أن من يقرأ بخوف لا كمن يقرأ بقناعة.
رضخ الحريري كعادته لأمراء آل سعود دون أن يناقش، لم يحسب خطوته التي يقدم عليها، فاقدم على قرار يظهره مجدداً كأداة بيد السعودية التي لا يخرج من تحت عباءتها، لكن الفخ السعودي للحريري كان محكماً. رضخ الحريري لإرادة السعودية على حساب أمن واستقرار لبنان وتعقيد المشهد مجدداً في بلد صمد في وجه الإرهاب التكفيري والاستعلاء الصهيوني. تهرب الحريري من مسؤولياته ومنصبه الذي يفترض أنه مؤتمن عليه أمام الشعب اللبناني، وتخلى عن مسؤولياته أمام أنصاره الذين ما فتئوا ينتظرونه بعد غيبته الأولى عن لبنان.
راهن الحريري على السعودية، فوضع لبنان في فوهة المجهول وأطلق العنان أمام الأزمات لتدخل مجدداً نحو بلد بدأ يستعيد عافيته ليس أمنياً فقط، بل واقتصادياً أمام ما تم انجازه مؤخراً من ملفات تهدف إلى إعادة الدورة الاقتصادية والبدء بمشاريع تريح كل لبنان، ومع أن الحريري كان حتى الأمس القريب يؤكد ويشدد على اولوية استقرار لبنان إلا أنه بين ليلة وضحاها انقلب على هذا الاستقرار بأمر سعودي.
حتى الآن لم يستيقظ الحريري من سباته السياسي، ليدرك أن الشغل الشاغل للسعودية، هو تخريب استقرار لبنان وإدخاله في فوضى سياسية ولعلها أبعد من ذلك، ولم يستثمر الإنجازات التي حققتها الحكومة لبناء لبنان السيد المستقل، ففضل أن يظهر دائما بمظهر الخاضع للمشروع السعودي الذي يمارس سياسة رعناء في كل المنطقة، ويستخدم لبنان لينفس عن خساراته وإخفاقاته في كل معاركه من اليمن الى سوريا والعراق، ويحول لبنان إلى مطية يقامر باستقراره من أجل تظهير الرياض على أنها الدولة المتحكمة بخيوط اللعبة العربية ولاعب أساس في الشرق الأوسط.
النكد السياسي السعودي، أخرج الحريري من لباس الوطنية الذي يدعيه، وجعله يخرق الدستور اللبناني وينتهك شكل السلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية، فهو وفق المادة 64 من الدستور “يوقع مع رئيس الجمهورية جميع المراسيم ما عدا مرسوم تسميته رئيسا للحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة”. وقد أعطت المادة 53 لرئيس الجمهورية فقط الحق في إعلان استقالة الحكومة، لكن الحريري عمل بغير الأعراف التي تقضي مشاورته رئيس الجمهورية قبل الإستقالة وإعلامه بذلك بشكل رسمي عبر زيارته، لكن الحريري ضرب كل شيء عرض الحائط مسارعاً إلى الرياض ليعلن استقالته كما أراد أمراء السعودية، بشكل يستخف به من عقول اللبنانيين والسلطات الثلاث.
التوقيت المشبوه لإستقالة الحريري الذي أتى بخطوة أكثر من ناقصة، يشير إلى أنه لم يأت بمسوغات تسمح له بتقديمها، فهو ليس لديه أي أسباب تدعوه إلى الإقدام على استقالة تعقد المشهد في لبنان وتعطل المؤسسات اللبنانية مجدداً ولعله نفسه لم يعرف أسبابها، وما تحدث عنه في بيانه من أسباب ليس إلا إعادة للنشرة السابقة التي استخدمت منذ عام 2005، وما قام به ليس إلا إستكمال لسياسة السبهان الفتنوية حيث أعلن في تغريدة له، بأن هناك خطوات كثيرة سوف تأخذ في لبنان.
صعد الحريري مواقفه من السعودية إلى أقصى درجة ممكنة دون مسوغ لذلك، غرد السبهان عبر “تويتر” ايدي الغدر والعدوان يجب ان تبتر”، فتبعه بيان الحريري باللهجة نفسها، وجه خيوط لعبته ضد إيران بلهجة لم تختلف عن اللهجة السعودية الهجومية، التي ليست إلا عن “كركعة” بلا طحين، ولم نفهم كيف أن إيران تتدخل في لبنان وتهدده، فيما السعودية الحمل الوديع تريد له الأمن والأستقرار فتذهب برئيس حكومة وتسلبه إرادته وترغمه على الإستقالة من الرياض.
يحاول الحريري ان يقدم مسوغ جديد لإستقالته، ليقول “استطاع حزب الله فرض أمر واقع في لبنان بقوة السلاح”، لكن اين فرض حزب الله هذا الامر الواقع؟ هل فرضه عندما تقلد الحريري رئاسة الحكومة، وعندما سهلت كل أمور الحكومة التي شارك فيها وزراء حزب الله إلى جانب الحريري على طاولة واحدة؟
ألمح الحريري إلى أن حياته في خطر، لكن هل هذا يسوغ له ترك مسؤولياته في لبنان؟ فهناك الكثير من الشخصيات التي قد تكون حياتها بخطر إلا أنها تتصدى للشأن العام، وقد أتى الرد عبر النائب وليد جنبلاط، “الم تسمعوا بالاية الكريمة “أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ”. واجب الخدمة العامة فوق كل اعتبار وما من يد سحرية لتنقذنا”، فمهما كانت الصعوبات فإن التضحية من أجل الحد الأدنى من الوفاق والحوار يجب أن تكون الاساس من أجل لبنان.
إلا أن الحريري عندما سارع إلى الرياض ليقدم استقالته لم يتحمل عناء التفكير في مستقبل لبنان، ولم يفكر كيف سيتحمل هذا البلد الاعباء الاقتصادية والسياسية لهذه الإستقالة التي أتت في وقت خطير جداً تمر فيه المنطقة، تسعى فيه واشنطن إلى شرذمة الأمة وتقسيم بلدانها وتفريق أهلها بعد فشل مشروعها في سوريا.
لقد أوصلت السعودية ما تريده من رسائل تصعيد وتهديد لبنان، على حساب المستقبل السياسي لسعد الحريري، دون أن ينتبه الأخير إلى المفاعل السياسية لقراره المتسرع وهفواته المتكررة التي ما يلبث أن يخرج من أحدها حتى يقع في الأخرى، لقد تكبد الحريري خسارة جديدة في مسلسل سقطاته المتكررة لكن هذه المرة لن يخرج من تبعاتها بسهولة بل لعلها ستكون نهاية مستقبله السياسي، وبالتالي تحطيم مستقبل الحريرية السياسية.
بقلم / علي ابراهيم مطر

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق