استقالة الحريري وعلاقتها بالأزمات الرئيسية في المنطقة
الوقت- لازالت استقالة رئيس الوزراء اللبناني “سعد الحريري” المفاجئة التي أعلنها من الرياض قبل عدة أيام تثير التساؤلات حول علاقة هذه القضية بالتطورات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً وأن معظم المراقبين يعتقدون بأنها قد تمت بضغط من السلطات السعودية وشخص ولي العهد “محمد بن سلمان”.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار الأحداث التي سبقت هذه الاستقالة يمكن معرفة دوافع هذه الاستقالة والتداعيات التي ستترتب عليها في المستقبل.
ومن أبرز هذه الأحداث يمكن الإشارة إلى ما يلي:
– قيام الرياض بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في كانون الثاني/يناير 2016 على خلفية الاحتجاجات الشعبية والرسمية التي شهدتها إيران ضد إعدام عالم الدين الشيخ “نمر باقر النمر” على يد السلطات السعودية.
– زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى الرياض في أيار/مايو 2017 والتي أعقبها بزيارة إلى الكيان الإسرائيلي. وكانت هذه الزيارات تهدف إلى أنشاء تحالف (أمريكي – سعودي – إسرائيلي) ضد إيران ومحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، حسبما أعلن وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون”.
– قيام السعودية ومصر والبحرين والإمارات ودول أخرى بقطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر في حزيران/يونيو 2017 على خلفية اتهام الأخيرة بدعم حركة الإخوان المسلمين، ورفض أمير قطر للتصريحات المعادية لإيران.
– في أوائل تشرين الأول/أكتوبر 2017 أعلن وزير الدولة السعودي “ثامر السبهان” تأييد بلاده للحظر الذي فرضته أمريكا على حزب الله في لبنان، ودعا في الوقت نفسه إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة محور المقاومة في عموم المنطقة.
كما أدلى العديد من المسؤولين السعوديين بتصريحات مماثلة في مقدمتهم ولي العهد “محمد بن سلمان” ووزير الخارجية “عادل الجبير”.
– قام ولي العهد السعودي مؤخراً باعتقال عدد كبير من الأمراء والمسؤولين والشخصيات المقربة من الأسرة الحاكمة على خلفية الصراعات السياسية التي تشهدها المملكة والتي تأتي في إطار مساعي بن سلمان لتعزيز سطوته وتهيئة الأوضاع لتسلم مقاليد الأمور بعد وفاة أبيه “الملك سلمان بن عبد العزيز”.
هذه الأحداث وغيرها ساهمت في تعزيز الاعتقاد بأن استقالة الحريري من منصبه والتي اتهم فيها إيران وحزب الله بالتدخل في شؤون المنطقة جاءت في سياق الاستعدادات الجارية لتشكيل تحالف (أمريكي – سعودي – إسرائيلي) ضد محور المقاومة، خصوصاً وأن الكيان الصهيوني قد رحّب باستقالة الحريري، واعتبر رئيس وزراء هذا الكيان “بنيامين نتنياهو” الاستقالة بمثابة ما أسماه “مكالمة إيقاظ” للمجتمع الدولي كي يتخذ إجراءات ضد إيران وحزب الله.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” قام هو الآخر بزيارة إلى الرياض بعد استقالة الحريري من منصبه. ومن المعروف أن عباس يرفض منهج المقاومة الفلسطينية ضد كيان الاحتلال ويرغب بمواصلة مفاوضات التسوية المتعثرة مع هذا الكيان، ما يعزز الاعتقاد بأن هذه الزيارة تأتي في إطار مساعي السعودية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
والسؤال المطروح: لماذا يسعى بن سلمان للتقارب مع الكيان الصهيوني؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل لابدّ من الإشارة إلى أن الرياض قامت بخطوات متعددة للاعتراف بالكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه، وذلك من خلال عقد لقاءات مع عدد من مسؤولي كيان الاحتلال، من بينها ما كشفه المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية “إيمانويل نحشون” بأن الجنرال السعودي “أنور عشقي” التقى في وقت سابق بمدير عام الخارجية الإسرائيلية “دوري غولد” المقرب من رئيس الوزراء “بنيامين نتانياهو” في القدس الغربية.
وذكرت صحيفة “جيروساليم بوست” الإسرائيلية بأن عشقي جاء للترويج للمبادرة العربية التي اقترحتها السعودية عام 2002 والتي تنص على إقامة الدول العربية علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وتسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين.
من خلال قراءة هذه المعطيات وغيرها يمكن فهم أبعاد استقالة سعد الحريري في هذا الوقت بالذات وتداعياتها والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
– التهيئة لتشكيل تحالف (سعودي – أمريكي – إسرائيلي) لتشديد الضغط على إيران ومحور المقاومة الذي يعد حزب الله أحد أبرز أقطابه، خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الاتهامات التي أطلقها الحريري ضد إيران والمقاومة خلال إعلانه الاستقالة من الرياض.
– تهيئة الأرضية لتطبيع العلاقات بين السعودية والدول العربية الحليفة لها مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية.
– إيصال رسالة إلى العواصم الغربية لاسيّما واشنطن بأن “محمد بن سلمان” أقدر من غيره من المسؤولين السعوديين على تنفيذ المخططات الصهيوأمريكية في المنطقة، خصوصاً بعد إصراره على مواصلة العدوان على اليمن واستعداده للدخول في تحالفات استراتيجية مع واشنطن وتل أبيب وحلفائهما الغربيين والإقليميين على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية.
المصدر / الوقت