هل يرضخ الحريري لمواجهة حزب الله أم ينأى بنفسه؟
“مذبحة ثانية” عبارة توصّف المقابلة الإعلاميّة لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري. فبعد المذبحة الأولى التي ارتكبها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحق أمراء سعوديّين والحريري نفسه، مثّلت مقابلة الأمس مذبحة سياسيّة جديدة بحق رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من قبل السعوديّة.
لم يكن مستغرباً كلام رئيس الحكومة اللبناني المحتجز في السعودية. الحريري الذي تصدّرت أخباره الملفات الإقليمية في الأيام الماضية، عاد إلى الواجهة في أوّل ظهور إعلامي له بعد الاستقالة القسرية التي قدّمها في الرياض.
بدا نصّ الخطاب غريباً بعض الشيئ عن اللحن المعهود للحريري، تماماً كما هو حال بيان استقالة حكومته، ولعلّه يتشابه في الشكل والمضمون مع البيانات التي صدر عن وزير الدولة السعودي، الذي تصحّ تسميته بوزير الحرب، ثامر السبهان الذي يقود العدوان السعودي السياسي على لبنان، وإن كانت اللهجة مختلفة بعض الشيئ في خطوة هدفت لمعالجة أفول التصعيد الأوّل الذي أُفرغ من مضمونه.
بدا الحريري أكثر من مرتبك ينظر يميناً ويساراً دون أي ابتسامه، ولو بتصنّع، ووقعت القناة، أو مستضيفوها، بأخطاء كثيرة بعضها يتعلّق بالحريري نفسه الذي كان ينظر بطرف عينه نحو مكان مجهول، وأخرى تتعلّق بمحتجزي الحريري الذين ظهر أحدهم في طرف الشاشة.
إن تطوّرات قضيّة الرئيس اللبناني المعتقل سعد الحريري، بدءاً من ضبابية الاستقالة، مروراً بغموض البقاء في السعودية، وليس انتهاءً بصراحة التراجع المعلّب، تستوجب الإشارة إلى جملة من النقاط لرسم صورة واضحة عن معالم المرحلة المقبلة:
أوّلاً: إنّ كافّة ما صدر عن الحريري منذ اليوم الأوّل حتى الخطاب الأخير لا قيمة قانونية لها كونها تأتي تحت الضغط والإكراه، وبالتالي لا بد من عودة الحرير إلى بيروت وحينها يبنى على الشيئ مقتضاه، وكما يقول المثل: “الغايب عذره معه”.رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون أكد ان الظروف الغامضة والملتبسة التي يعيش فيها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في الرياض وصلت الى درجة الحد من حرية الرئيس الحريري وفرض شروط على اقامته وعلى التواصل معه حتى من افراد عائلته.
ثانياً: إن السبب الرئيس لمحاولة السعوديّة عزل الحريري تكمن في عدم جاهزيته لمواجهة حزب الله. تنقل وكالة “رويترز” عن مصادر لبنانية، أن السعودية قررت إزاحة رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري، عن المشهد السياسي “لأنه لم يكن مستعداً لمواجهة حزب الله”. وتحت عنوان “كيف انقلبت السعودية على الحريري؟”، نقلت الصحيفة عن مصادر قريبة الحريري قولها بأن السعودية “خلصت إلى أنه كان عليه الرحيل عن المشهد السياسي؛ لأنه لم يكن مستعداً لمواجهة جماعة حزب الله”. ولكن الحريري الذي أظهر نيّة تراجع عن الاستقالة بعد فشل مشروع السبهان الأوّل، يبدو أنّه رضخ لمواجهة حزب الله عبر المفاوضات التي تحدّث عنها، ولكن هذا الرضوخ يبقى مشروطاً بعودته والمواقف التي يطلقها من قصر بعبدا. ولكن، في المقابل هناك معلومات تشير إلى أن الحريري سيعرض على حزب الله الدخول في مفاوضات مباشرة وسريّة مع الجانب السعوديّة، والبقاء بعيداً عن مواجهة الحزب مرحليّاً، في سيناريو يذكّرنا بالمفاوضات الحدوديّة بين السعوديّة وحركة أنصار الله.
ثالثاً: يدرك الحريري جيّداً أنّ ما تبقّى من رصيده السياسي لم يكن ليحصل لولا وقوف اللبنانيين خلفه مطالبين بعودته بدءاً من الخصوم وفي مقدّمتهم حزب الله والتيار الوطني الحر، وليس انتهاءً بالحلفاء. إن الرئيس عون والسيد نصرالله، إضافةً إلى كافة الأفرقاء السياسييين، هم من حالوا دون تنصيب بهاء كزعيم لتيار المستقبل، وبالتالي ساهموا في إبقاء الحريري في المشهد السياسي، ليس حبّاً به، بل حفاظاً على السيادة اللبنانية، أو ما تبقّى منها. بدا لافتاً بالأمس تضامن القنوات اللبنانيّة مع الرئيس الحريري عبر عدم بثّ المقابلة كونها تعدّ انتهاكاً للسيادة اللبنانيّة.
رابعاً: إن التعاضد السياسي اللبناني، والذي انعكس شعبياً، بما يخدم الحريري في مواجهته السياسيّة مع السعوديّة، وبعض منافسيه في الوسط السنّي، يفرض على الحريري تجنيب لبنان مشاريع السبهان وبن سلمان. فليرجع الحريري إلى بيروت وليمضي في حكومته التي أنجزتفي عهدها العديد من الملفات بدءاً من قانون الانتخاب وليس انتهاءً بالموازنة العامّة. يدرك الحريري أن سياسة النأي بالنفس جنّبت لبنان الكثير من الويلات، وبالتالي لا بدّ أن تكون عنواناً للتسوية التي تحدّث عنه الحريري نفسه.
خامساً: بدت لافتة التعليقات التي واكبت الحريري بالأمس على وسائل التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد لاستقالته ومؤيد للحريري نفسه كرئيس الحكومة. البعض وصفه برئيس الحكومة، وآخرين بالرئيس المستقيل، ليقطع أحدهم النزاع بالقول: سواء هذا أو ذاك، إلا أنّ الواضح أن المقابلة القادمة في بيروت ستكون مع الأسير المحرّر سعد الحريري!، فلماذا وضعت الرياض الحريري في هذا الموقف الضعيف؟
تبقى كل هذه الأمور برسم التحليلات التي ستضّح حقيقتها خلال يومين او 3، موعد عودة الحريري إلى بيروت، فإما أن يمضي بالاستقالة أو يتراجع عنها تحت سياسة النأي بالنفس والحفاظ على الاستقرار الداخلي، ولكن هل ستحول ظروف قاهرة دون عودة الحريري إلى بيروت؟
المصدر / الوقت