المملكة العربية السعودية؛ طمع بنفط لبنان وتهديد لاستقراره
على الرغم من حديثه أنه يتمتّع بكامل الحرية ودفاعه المستمرّ عن المملكة السعودية، أكدت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، معلّقة على الحوار الذي أجراه رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري، مع قناة المستقبل اللبنانية، من داخل منزله بالرياض، أن الأخير واقع تحت الضغط السعودي، معتبرة أنها ليست المرة الأولى التي تهدّد فيها السعودية استقرار لبنان.
وقالت الصحيفة في مقال للكاتب البريطاني روبرت فيسك، أن الآراء التي أبداها الحريري في مقابلته مع بولا يعقوبيان تختلف عن آرائه التي كثيراً ما كان يطرحها وهو في لبنان، وواضح أنها آراء الحكومة السعودية وآراء محمد بن سلمان.
ورداً على تصريح الحريري بأنه أراد من وراء استقالته تحقيق الصدمة الإيجابية للشعب اللبناني تساءل “فيسك”؛ كيف للحريري أن “يصدم” لبنان بإعلان استقالته من السعودية؟ مضيفا “إنه ربما يكون للأمر علاقة بحالة التمويل أو إفلاس شركة “سعودي أوجيه” التي يملكها الحريري، حيث إن تلك الشركة عليها مستحقات للسعودية تصل إلى 9 مليارات دولار، ولم تدفع مستحقات موظفيها. وأظهرت بعض الوثائق أن هناك دعاوى قضائية رُفعت بحق الحريري، ومن المتوقّع أن يمثل الحريري أمام إحدى محاكم الرياض للردّ على تلك الدعاوى.
وتشير وثائق أخرى إلى أن تاريخ مثول الحريري أمام المحكمة كان قبل عام تقريباً، إلا أنه تم تأجيله. وعلّقت المحكمة الطلب، والآن ربما يتم تجديد تلك الدعاوى، ويمثل الحريري أمام إحدى المحاكم.
وتطرق الكاتب إلى الزيارة التي يقوم بها البطريرك بشارة الراعي إلى السعودية، قائلا إن الرئيس اللبناني ميشال عون يخشى أن يسلم السعوديون للبطريرك مذكرة استقالة الحريري ممهورة بتوقيعه ليأخذها معه إلى بيروت لتصبح استقالة رسمية.
ولمّح روبرت فيسك إلى أن السعودية تطمع بنفط لبنان، وقال إن السلطات في بيروت تقدر قيمة احتياطيها من النفط والغاز بنحو 600 مليار دولار وأن السعوديين ربما يريدون الاستحواذ على حصة منه.
ولفت “فيسك”، إلى أن السيد حسن نصر الله، امين عام حزب الله اللبناني، اتهم في خطاب سابق له السعودية بأنها تشنّ حرباً على لبنان، وأنها تحتجز رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري.
وأوضح انه ربما يعود الحريري فعلاً إلى لبنان، كما أعلن خلال المقابلة التلفزيونية، إلا أن السلطات اللبنانية أصبحت قلقة للغاية من أن يقوم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بطرد العمالة اللبنانية في بلاده، التي يبلغ عددها أكثر من 200 ألف، كما أن السعودية ستسحب جميع استثماراتها في لبنان، وهو أمر بالغ الخطورة، وأيضاً قد تُصعِّد الرياض بأن تطلب تعليق عضوية لبنان في الجامعة العربية، وهو أمر بالتأكيد لن يكون مقبولاً من قبل المصريين والأردنيين والعراقيين.
وقال ان قيمة تحويلات اللبنانيين من السعودية تصل سنوياً إلى 4.5 مليار دولار سنوياً، ووصلت على مدى الأعوام الـ 25 الماضية إلى نحو 70 مليار دولار.
وتصل قيمة الصادرات اللبنانية إلى السعودية أكثر من 378 مليون دولار سنوياً، ومن ضمن ذلك المنتجات الزراعية، فهل ستلعب السعودية بالورقة الاقتصادية لإخضاع حزب الله؟
ولفت “فيسك” إلى أنه في خضمّ هذه التطوّرات فإن قطر التي حاصرتها السعودية قد تؤدّي دور المنقذ للبنان، فلقد أعلنت قبل نحو شهر السماح للبنانيين بدخول البلاد دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة، ومن ثمّ فإن قطر قد تدخل السوق اللبنانية إذا ما قررت السعودية الانسحاب منها، بحسب الصحيفة.
واكد “فيسك” على ان ما تخطط له السعودية حالياً هو إجبار الحكومة على إجراء انتخابات جديدة، وطرد وزراء حزب الله من الحكومة، وربما هذا ما أشار إليه الحريري في المقابلة التلفزيونية؛ عندما دعا حزب الله إلى حلٍّ وسط إذا كان يريد منه سحب استقالته، ولكن أي نوع من التنازلات كان يتحدث عنها الحريري؟ خاصة أن انسحاب حزب الله من الحكومة سيؤدي إلى انهيارها.
وتابع الكاتب البريطاني: ” لسخرية القدر استطاعت هذه الأحداث تذكير اللبنانين بالصفحة الخامسة من عدد 28 فبراير 1967 من الجريدة اللبنانية “الهداف”، والتي حملت عنوان “تهديدات السعودية للبنان أثارت ردود أفعال مختلفة” فبدؤوا بتداولها ساخرين. شملت التهديدات عودة العاملين المعارين في لبنان وسحب الاستثمارات السعودية، تماماً ما تخشاه الحكومة اللبنانية الآن. في ذلك الحين، كانت السعودية تحاول منع لبنان من دعم عدوها اللدود المصري جمال عبد الناصر، مثلما تحاول اليوم إثناءها عن التحالف مع حزب الله وإيران. وذكرت الجريدة أن بعض اللبنانيين يميلون للحياد وآخرون يميلون لتجديد التحالفات، وهي نفس السياسة التي تنتهجها بيروت في الأزمة الأخيرة.”
وختم مقاله بفارقة تاريخية قائلا: ” يبقى في طيات هذه المهزلة الخطرة ملمح سخرية تاريخية آخر، أعاد اكتشافه نيكولاس نيو الكاتب في Mideastwire.com. يوافق الأسبوع الماضي مرور 74 عاما كاملين على اختطاف قوات شارل ديجول الفرنسية المحتلة رياض الصلح -الرجل الذي سيصبح أول رئيس زراء لبناني في ما بعد- في محاولة لمنع استقلال لبنان. والأشد غرابة أن رياض الصلح هو الجد الأكبر للوليد بن طلال. ربما يرتبط إيمانويل ماكرون، رئيس الوزراء الفرنسي، الذي يحاول حالياً إقناع محمد بن سلمان بإطلاق الحريري، بروابط مع السعودية أكثر مما يدرك أو يدركون هم.”
المصدر / الوقت