الشيطان السعودي يعظ!
أول ما يكتب في أي مدرسة لتلاميذها هو التاريخ، حيث يكتب اليوم والتقويم سواء كان هجريا أو ميلاديا وفق الدول وطرقها والتقويم الشائع لديها.
لكن يبدو ان ولي العهد السعودي لا يعرف التاريخ ولم يمر التقويم امام عينيه في اي من المدارس التي التحق بها، حيث تشوب ممارساته وإجراءاته العملية انفصالا تاما عن الزمن يقترب من العصور الوسطى منه الى العصر الحديث!
الوضع اللبناني حرج بطبعه، والخطط السعودية فجة وصريحة وهي لا تتميز حتى بالمناورة وإنما بالصراحة الوقحة، فهي تدعو الى حرب اهلية لبنانية بصراحة والا البديل فهو حصار وتضييق وربما عدوان عسكري!
هذه الفجاجة لا توجد إلا في وطن عربي خال من الكبار وفي عالم خال من القانون الدولي، وهو وضع عبثي يحلو للسعوديين الجدد مناخه لانه يعطيهم قوة باعتبار ان السلاح الرئيسي الفعال فيه هو المال، والسعوديون لا يجيدون غيره!
ولكن هل هذه هي الحقيقة العالمية الوحيدة حاليا؟ وهل المال فقط هو السبيل الوحيد للانتصار في معركة وجودية تلخص الصراع البشري الطويل بين معسكرين عنوان كا منهما العريض العدوان والمقاومة؟
الشواهد والنتائج على الارض تدحض ذلك بشدة
لا نريد اضفاء بعد قيمي كبير من نوعية الخير والشر لاننا نتحدث في السياسة والتي تحمل طبقات مختلفة وتوصيفات متمايزة، وايضا من قبيل عدم انجاح المخططات الغربية والتي تبني على أساطير وميثولوجيات وتستهدف الجر نحو صراعات دينية ومذهبية.
لهذا نكتفي بتوصيف الصراع بين عدوان ومقاومة وهو واضح للعيان وجميع الاطراف مواقفها باتت معلومة وانحيازاتها اصبحت معلنة، ولم يعد يجدي التلاعب بالالفاظ نفعا في فرز المعسكرات والذي تم وانتهى امره.
يعد الوضع اللبناني ملخصا للوضع العربي والذي تتجاذبه الأطراف المتناقضة عربيا واقليميا ودوليا، بما يهدد وحدته ولا سيما بسبب الأطراف التي تغلب قوى الشد الخارجية على قوى الجذب الداخلية.
هندسيا، تعرف الخرسانة بأنها مقاوم مثالي لقوى الضغط، ولكنها ضعيفة امام قوى الشد والذي يفتت جزيئاتها، ربما هذا المثال يصلح لوصف الأوطان ولاسيما العربية وفي قلبها لبنان، فهي مقاومة للضغوط وقد توحدها وتقارب جزيئاتها هذه الضغوط، اما الشد والذي يمكن مقاربته سياسيا بجذب الاطراف المتنوعة خارج السياق الوطني، فهو ما لا تحتمله الاوطان، وهناك مؤامرة كبرى تجري في مراكز الدراسات والاستخبارات الامريكية تحت عنوان شد الأطراف وبترها، وهي من ضمن خطط التقسيم وتقوم باختصار على فكرة مد الجسور مع التنوعات المختلفة داخل الاوطان وشدها لخارج الاطار الوطني الجامع ثم بترها وبالتالي تصبح اما قوى انفصالية او قوى على الاقل عميلة.
ما يحدث حاليا هو تنويع على نظرية شد الاطراف ولكن يبدو ان قرار شدها اتخذ ليس ترغيبا فقط وانما ترهيبا ايضا، فهو لم يعد مجرد جذب في الاتجاه المضاد وانما شد جبري اذا ما لمحت اي بوادر لتقاعس او تململ!
الافراط في الجوانب النظرية وشرح خطط الأمريكان سواء الخطط (أ) او بدائلها (ب)، او الاستفاضة في توضيح الوسائل الامريكية والتي يطبقها تابعوها ايضا، اصبحت من قبيل توضيح الواضح.
والمطروح الان هو المواجهة العملية لما يتم تطبيقه
في الغالب سيعود سعد الحريري قريبا إلى لبنان اذا ما قرر السعوديون خوض غمار الصراع بالحد الادنى من السياسة وادبياتها ولا سيما بعد ضغط اطراف دولية (مثل فرنسا) لم تتخذ القرار بعد بتجنيب السياسة واغطيتها في التعاطي مع الصراع الدولي، وما يمنع السعودية من اعادته هو عدم توفر الحد الادنى من الضمانات لألا ينقلب عليها الحريري وتياره بعد الاهانات التي وجهت لهم وبعد الاحساس السعودي بالهزيمة والضعف وقلة الهيبة ما جعل سياساتها تتميز بالشراسة والحمق وانعدام الرؤية القريبة لا البعيدة فقط!
ولكن هل سيثأر سعد الحريري لكرامته بعد العودة؟ دعنا من ذلك، هل سيثأر تيار المستقبل في حال عدم عودة الحريري، وهل سيضغط لعودته؟
الوضع لا يحتمل (بين بين) فإما الرفض والملاحقة للسعودية التي اهانت رمزا وتيارا بكامله، او الرضى بالمذلة التامة والطاعة العمياء للأمر السعودي بالتصعيد الداخلي.
وبألفاظ اكثر صراحة: اما حرية واستقلال واما عمالة صريحة في حرب اهلية قميئة.
اما وان تم تغليب المصلحة الذاتية على المصلحة الوطنية وعلى الكرامة وتم انجاح مخطط شد الاطراف فالمصير الغامض هو المستقبل المنتظر، ولكن المؤكد انه لن يتم جني اي مصلحة لا ذاتية ولا وطنية ونرجو الا تصل الامور لذلك.
كردستان وما حدث بها واستغلالها والتخلي عنها لا بد وان تصبح عبرة لاي قوة سياسية تراهن على الاميركان او السعوديين او الصهاينة.
السعودية التي تصر على ان تلعب معركة صفرية يبدو انها تصر في ذات الوقت ان تمضي في شوط الخذلان والهزيمة لنهايته.
كل ما نرجوه من الاطراف المختلفة ان تعي ان المشروع السعودي انهزم وان كل ما يحاوله هو هدم المعبد وان يأخذ اتباعه معه للدرك الاسفل، وعلى اتباعه هؤلاء ان يوقنوا بذلك، فينجو من اراد، ويقفز من المركب من لديه ارادة لإستئناف الحياة.
بقلم : ايهاب شوقي