تحرير راوة.. آخر صفحات «داعش» في العراق
بتحرير مدينة راوة التابعة لمحافظة الأنبار من تنظيم «داعش» الإرهابي، تكون المواجهة العسكرية مع هذا التنظيم في العراق قد بلغت مراحلها النهائية، بحيث لم يعد له موطئ قدم يمكن ان يتكئ عليه وينطلق منه ويتقوى به.
كانت راوة حتى وقت قريب قبل إعلان تحريرها في السابع عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، آخر معاقل «داعش» في العراق، بعدما فقد ذلك التنظيم خلال فترة زمنية قصيرة أهم وأبرز معاقله في العراق، المتمثلة بقضاء تلعفر غرب مدينة الموصل، وقضاء الحويجة، الواقع جنوب غرب مدينة كركوك، ناهيك عن طرده من مدن ومناطق عديدة كان الاحتفاظ بها مكسبا حقيقيا وعنصر قوةٍ مؤثراً لصالحه في ميزان الصراع والمواجهة.
تقع «راوة»، التي تعتبر شبه جزيرة على الجهة اليسرى لنهر الفرات إلى الشمال قليلاً من مدينة عانة، التي تم تحريرها قبل اسابيع قليلة من تنظيم داعش، وهي تبعد عن الحدود العراقية-السورية نحو مئة كيلومتر، بينما تبعد عن العاصمة بغداد اكثر من ثلائمئة كيلومتر.
ومثلت تلك المدينة خلال الأعوام الثلاثة الماضية حلقة وصل مهمة ورئيسية بين قواعد التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا، وبفقدان «داعش» لها يكون قد تلقى آخر الضربات القاصمة له في العراق، التي جاءت متزامنة مع ضربات قاصمة مماثلة في سوريا، كان اخرها وابرزها هزيمتهم وانكسارهم في مدينة البوكمال المحاذية للحدود مع العراق.
وبحسب تقارير دولية، فإن تنظيم «داعش» الإرهابي فَقَد قرابة 95% من المناطق التي سيطر عليها خلال عام 2014 في كل من سوريا والعراق، والـ 5% المتبقية هي عبارة عن جيوب وأوكار متناثرة، لا ينطبق عليها وصف قواعد ومرتكزات ثابتة وقوية. وهذا مؤشر واضح جدا على ان ما يسمى بـ «دولة الخلافة الاسلامية» بات في خبر كان، ولم يعد له أي معلم أو مصداق، بعد فقدان الأرض، ناهيك عن أن القسم الأكبر ممن ارتبطوا بالتنظيم في العراق وسوريا، كانوا مرغمين ومكرهين لا مختارين، ولعل ابلغ دليل على ذلك ما يتحدث به أبناء المناطق والمدن المحررة من داعش، عن الجرائم والانتهاكات البشعة التي ارتكبتها عصابات داعش بحقهم، رغم أنها كانت تدعي انها جاءت لتدافع عنهم، وترفع الظلم الذي الحقه «الشيعة» بهم!.
ولا شك ان القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في العراق، يمثل الى جانب احباط مخطط التقسيم من خلال الاستفتاء الكردي، ابرز المنجزات والمكاسب المتحققة خلال العام الحالي الذي لم يبق منه إلا أربعون يوما.
ومن الطبيعي ان هذين المنجزين، يعبران في واقع الأمر عن فشل كل المخططات التي وضعتها وسعت الى تمريرها في العراق والمنطقة دوائر إقليمية ودولية، أصبحت معروفة، لمن يراقب ويتابع ويتأمل فيما جرى ويجري في العراق وسوريا واليمن والبحرين وليبيا، وما يهدد دولا أخرى.
والأمر المهم هنا، هو ان انكسارات وهزائم تنظيم داعش في العراق وسوريا، ترافقت مع انكسارات وهزائم للمحور المناهض لمحور المقاومة، الذي تعد المملكة العربية السعودية اهم عناصره في المنطقة، ومعها الكيان الصهيوني الذي يتحرك ويخطط ويوجه ويخرب من وراء الستار.
ويؤكد قادة وخبراء عسكريون ان نهاية تنظيم داعش في العراق لا يعني طيَّ صفحته بالكامل، بل ان هناك جهدا وعملا استخباراتيا ضروريا لا بد من القيام به للقضاء على كل الجيوب والخلايا السرية للتنظيم، التي يمكن ان تستهدف السكان المدنيين بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة، وهو اسلوب اعتاد عليه الدواعش، لا سيما حينما يتعرضون لهزائم عسكرية.
والعامل الآخر المرتبط باستكمال عملية القضاء النهائي على داعش، يتمثل بوضع خطط سريعة وعملية لإعادة الروح للمدن والمناطق المدمرة بسبب الحرب ضد التنظيم الإرهابي، اذ ان عودة ابناء تلك المدن والمناطق تتطلب تأهيل المنشآت والمرافق الخدمية، كشبكات الماء والكهرباء والطرق والجسور، والمدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية المختلفة، وهذه مهمة ليست باليسيرة، وتتطلب تظافر كل الجهود والطاقات المحلية، الى جانب الدعم والاسناد الخارجي.
ولأن حجم الدمار كبير جدا، لذا فان الامكانيات المادية المطلوبة هي الاخرى يفترض ان تكون كبيرة، قد لا تقوى الحكومة العراقية لوحدها على تأمينها دون وقوف الأطراف الخارجية معها، ولعل ذلك يمثل نوعا من الاختبار الحقيقي، لمن يريد فعلا المساهمة بإصلاح ما خربه ودمره الإرهاب الداعشي، ومن يرفع الشعارات ويسوق الادعاءات فقط.
ويقدر خبراء اقتصاديون وصول كلفة اعمار المناطق المحررة من داعش في كل انحاء العراق الى اكثر من مئة مليار دولار، وهذا رقم كبير، يتطلب – بحسب الخبراء – دورا فاعلا للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية ليكونوا شركاء للعراق في المرحلة المقبلة، وهناك تعويل غير قليل على مؤتمر المانحين المزمع عقده في دولة الكويت في شهر شباط/فبراير من العام المقبل.
وفي كل الاحوال تبقى هزيمة تنظيم داعش عسكريا في العراق، وتصفية كل قواعده وملاذاته ومغذياته عملاً مهماً وكبيراً، سوف يساهم بتسريع وتيرة الحرب ضد الإرهاب، وبالتالي رسم وصياغة واقع المنطقة وفق حقائق ومعطيات جديدة.
بقلم : عادل الجبوري