روسيا في الشرق الأوسط؛ تعاظم النفوذ في ظل انهيار الهيمنة الغربية
لقد سعت روسيا في عهد الرئيس “بوتين” إلى العمل بجد لتطوير جميع مختلف مجالاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرة والتحول إلى دولة قوية ذات نفوذ وقوة على مستوى الساحة الدولية، وفي هذا الصدد، تعتبر القوة الاقتصادية واحدة من تلك المجالات الضرورية التي سعت روسيا إلى الاهتمام بها. وذلك لأن الضعف الاقتصادي التي عانت منه روسيا خلال العقود الماضية، هو السبب الذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.
أن الرئيس “بوتين” ومؤيديه في “الكرملين” يهتمون بشكل خاص على المصالح الوطنية، فهم يتبعون استراتيجيات عملية معينة كالتعامل الذكي والبَناء مع البلدان والجهات الفاعلة على الساحة الدولية، وذلك من اجل كسب الكثير من الفرص المتاحة في العالم. ومن أهم تلك الاستراتيجيات، هي كما يلي:
1- اتخاذ مواقف حاسمة ومؤثرة على مستوى الساحة الدولية: فروسيا تريد أن تجعل من نفسها لاعب مؤثر في التطورات الدولية.
2 – بناء علاقات دولية مع بلدان العالم: وهذا يخص تحسين علاقاتها ومجالات تعاونها مع مختلف البلدان والجهات الفاعلة.
3- التعامل البَناء: وهذا بمعنى التعامل والتعاون مع أي لاعب سياسي، وفقا لما تقتضيه المصالح الوطنية لروسيا.
وبناءا على تلك الاستراتيجية، فإن روسيا، منذ عام 2011، قد شاركت بشكل ملفت للأنظار في تلك الأحداث التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط ولعبت دورا أساسيا فيها وتعاونت بشكل بناء مع بعض دول المنطقة. فعلى سبيل المثال، لقد قدمت روسيا الكثير من الدعم العسكري للرئيس “الأسد” وحلفائه في سوريا، وفي الوقت نفسه عملت مع الجانب الغربي والعربي والتركي. ولقد كانت روسيا أيضا احد الأطراف الرئيسية التي شاركت في مفاوضات “آستانة”. وفيما يخص المجال الاقتصادي، فلقد تعاملت روسيا مع بلدان مختلفة لتحسين هذا المجال، فلقد باعت لإيران صواريخ “أس 300″، وفي نفس الوقت قامت بعقد صفقات بيع صواريخ “أس 400” مع تركيا والسعودية. أن هذا البلد يقوم بالاستفادة من أوضاع المنطقة التي تعاني فيها البلدان المختلفة من تضارب كبير في المصالح. وهنا سوف نتطرق إلى بعض السياسات التي تتبعها روسيا فيما يخص قضايا الشرق الأوسط:
التوجه الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط للتعاون مع روسيا بدوافع مختلفة:
خلال الأحداث الأخيرة التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط، نرى بأن هنالك الكثير من دول المنطقة تتجه للتعاون مع روسيا. فبالإضافة إلى قيام بلدان محور المقاومة في سوريا، بتشكيل تحالف قوي مع “الكرملين”، فأن هنالك دول اُخرى مثل تركيا والسعودية وقطر وباكستان، تسعى إلى أقامة تحالفات قوية مع روسيا، ولكن لكل بلد من هذه البلدان أسبابها وأهدافها الخاصة لإقامة مثل هذه التحالفات مع روسيا. فتلك الدول تسعى للتقرب من روسيا لهدفين: الهدف الأول، لخلق مخاوف لدى الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، لإجبارها على تلبية مطالبهم. والهدف الثاني، هو إقناع روسيا بالسيطرة على المقاومة وإضعافها، ولا سيما لمنع توسع النفوذ والتواجد الإقليمي لجمهورية إيران الإسلامية في المنطقة.
ومن جهة اُخرى تشمل المجموعة الثانية دولاً مثل إيران وسوريا، لديها نهج مستقل تجاه الغرب. فسوريا تُعتبر الحليف التقليدي القوي في المنطقة لروسيا، وعلى الرغم من دعوة الغرب للرئيس “الأسد” للتعاون معاهم، إلا أنه لم يستجيب لتلك المطالب ولم يتعاون أبداً مع المعسكر الغربي. وبالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية، التي تتبع سياسة مستقلة تماما، فعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات في بعض القضايا مع الروس، إلا أن لها مصالح مشتركة وكثيرة مع روسيا، تتماشى مع مصالح شعوب ودول المنطقة.
الحاجة إلى الشفافية وبناء الثقة:
على الرغم من أن روسيا خلال الفترة السابقة، قد لعبت دوراً إيجابياً جيداً فيما يخص القضية السورية ، إلا انه يجب عليها خلال السنوات القادمة، أن تكون لها سياسية واضحة فيما يخص قضايا المنطقة ككل. فدول المنطقة لديها الكثير من الاختلافات الأساسية مع بعضها البعض. ولقد قام حلفاء الغرب في المنطقة، وبالتعاون مع الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، بإيجاد الكثير من التنظيمات الإرهابية في المنطقة وبتقديم الكثير من الدعم لها، للإطاحة بالعملية السياسية في العراق والقضاء عليها والإطاحة بالرئيس “بشار الأسد” وتدمير سوريا. ومن بين تلك الدول، تُعد السعودية مثلا حياً، فهي تقوم بخدمة الدول الغربية وتنفذ مخططاتهم في المنطقة. فـ”آل سعود” قد أعلنوها صراحتا، بأنهم يسعون للإطاحة بجمهورية إيران الإسلامية ولقد اتخذوا خطوات عديدة في هذا الاتجاه.
ضرورة الحسم واتخاذ القرار:
لقد شارك الروس في القضية السورية بشكل جدي، وبفضل هذه القضية، تمكنوا من الحصول على مكانة استراتيجية هامة في هذه التطورات الإقليمية. مكنتهم من اكتساب قدراً كبيراً من المصداقية على الساحة الدولية، وإلا فإنها كانت ستستغرق سنوات عديدة للحصول على مثل هذا المكانة من المصداقية. وتجدر الإشارة هنا، بأن روسيا لو خضعت للمطالبات الغربية وتحركت في اتجاه محادثات “جنيف” فيما يخص القضية السورية، فإن القوات البحرية الروسية لم تكن الآن قد وصلت إلى مدينة “طرطوس” السورية، وما زالت تقبع في منطقة شمال البحر الأسود.
ضرورة تشكيل تحالفات قوية:
أن الحكومات الغربية تُولي اهتماماً خاصاً للتحالفات الاستراتيجية التي تتشكل بين بعض الدول على الساحة الدولية. فهم لن يتخلوا عن حلفائهم الاستراتيجيين بسهولة في أي مكان في العالم. وفي ظل هذه الظروف، فأنه لا يمكن لروسيا أن تتعامل مع جميع البلدان في منطقة الشرق الأوسط ” التي يوجد بينها الكثير من النزاعات”، ولكنها في الوقت نفسه تسعى لكي تبدو كقوة عالمية أساسية. فروسيا تسعى إلى أقامة تحالفات مع بعض دول المنطقة من أجل تحقيق أهدافها على الساحة الدولية، وذلك لأنه لا يمكنها أن تقف وحدها ضد الغرب الموحد وحلفائه. فروسيا خلال فترة الرئيس “بوتين”، اهتمت كثيراً بالبحث عن الفرص المتاحة لها على الساحة الدولية والاستفادة منها، ولهذا السبب، فأنه من الضروري أن تحدد روسيا أولوياتها في هذا المجال، وأن تشكل تحالفات قوية مع تلك الجهات الإقليمية الفاعلة التي سوف يكون لها أثرا إيجابي على مصالحها الإقليمية.
الجدير بالذكر هنا، أنه يجب على روسيا أن تنظر إلى المقاومة في الشرق الأوسط، التي وقفت صامدة في وجه الهيمنة الغربية، بأنها طرف مهم يجب التحالف والتعاون معها. فتلك المقاومة لا تساوم ولن تكون حليف للهيمنة الغربية. ونظرا إلى أن تلك المقاومة تمتلك أهداف قوية ودعم شعبي كبير في المنطقة – وخاصة من أولئك الناس الذين عانوا من القمع الغربي – وأصبحت قوة لا تقهر، فإن التحالف معها يُعد فرصة جيدة لكثيرٍ من الدول ولا سيما روسيا. لقد قدمت روسيا الكثير من الدعم للمقاومة في سوريا لكي تستطيع تحقيق إنجازاتها الحالية والوصول إلى هذه المكانة الدولية. ومن المؤكد أن استمرار التعاون بينها وبين المقاومة، سيعود بالنفع على كلا الطرفين، وفي حالة استمر هذا التحالف الاستراتيجي بينهما لفترة طويلة، فإنه لن تتمكن أي قوة في العالم من هزيمتهما.
المصدر / الوقت