مشروع بن سلمان الجديد: “السعودية العلمانية الرابعة”؟!
السعودية نحو العلمانية؟ سؤال كبير دفع الكثير من القراء للتساؤل حول إمكانية تحول السعودية من دولة دينية بامتياز (بلاد الحرمين الشريفين) نحو دولة علمانية بعيدة عن الدين، حيث يواصل ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” سعيه الدؤوب لتحقيق مشروعه الجديد بقطع صلة الدولة السعودية بالمشروع الديني الوهابي والاتجاه نحو خطوات علمنة قسرية للمجتمع في إطار ما تم تسميته برؤية المملكة العربية السعودية 2030 والتي ترعاها الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا.
لم يشكل قرار الملك سلمان بن عبد العزيز بإجازة قيادة المرأة للسيارة مفاجئاً للمراقبين، حيث اعتبرها الجميع نقطة تحول جديدة ستشهدها السعودية في مشروع التغيير الاقتصادي والاجتماعي الذي يقوده بن سلمان معلناً بذلك الانحياز إلى التيار الليبرالي على حساب التيار الوهابي المتشدد، كجسر عبور إلى “سعودية جديدة” بنسختها الرابعة.
ليأتي بعدها كلام السفير الإماراتي يوسف العتيبي في واشنطن ليؤكد حرص السعودية والإمارات حول مسألة العلمانية قائلاً بكل وضوح “إن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة”.
كلام العتيبة كان بمثابة رسالة أولى نحو “التحول” الذي ستشهده دول الخليج الفارسي في المرحلة القادمة. رسالة ثانية أتت من الامارات أيضاً وذلك على لسان رئيس شركة أبو ظبي للإعلام، الذي قال: إن العلمانية هي الحل لكل المشاكل، وإن الإسلام هو سبب الإرهاب!! وفي رسالة وجهها لكل من ينتقد العلمانية قال فيها: من يستحي من العلمانية فليذهب لينضم إلى داعش التي يمكن أن تخرجه من الظلمات إلى النور، وستظل العلمانية ملاذاً للعقلاء في هذا الخراب والإرهاب!!
كلام العتيبة واذنابه ترجمته افعال “الامير الشاب” سريعاً على ارض الواقع في الداخل السعودي، وذلك عبر استهداف التيار الديني “المتشدد” واعلان الحرب عليه، حيث تشهد السعودية موجة اعتقالات غير مسبوقة بحق علماء دين وشيوخ معروفين من المدرسة الوهابية. هدف الامير كان واضحاً من هذه الخطوة وهو تحجيم المؤسسة الدينية وإيصال رسالة لها بضرورة مواكبة مشروع ولي العهد السعودي ” الاصلاحي التحولي” مهما تجاوز من خطوط حمراء، وعلى المعترضين كم افواههم وأخذ العبرة من حملات التوقيف والاعتقال المتواصلة.
لتأتي بعدها رسائل اخرى جست نبض الشارع الديني الوهابي في السعودية، وذلك من خلال مشاهد الرقص والاختلاط المستفز في احتفالات العيد الوطني السعودي، الى دعوة المغنين الاجانب لإقامة الحفلات الراقصة والصاخبة في صالات الرياض “الثقافية”.
لتكشف بعدها مقابلة بن سلمان مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، والتي أجراها الكاتب الأميركي توماس فريدمان منذ ايام، حقيقية المشروع التحولي الذي يقوده الامير الشاب في السعودية نحو العلمانية، حيث اعتمد بن سلمان على رواية كاذبة عندما ساله الصحفي الامريكي عن امكانية “إعادة الإسلام المعتدل إلى السعودية” وذلك من اجل شرعنة ما يقوم به من اجراءات بشان علمنة المجتمع السعودي. وقال بن سلمان بكل وضوح انه “لا نقول أننا نعمل على إعادة تفسير الإسلام بل نحن نعمل على إعادة الإسلام لأصوله، وأن سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي أهم أدواتنا، فضلا عن الحياة اليومية في السعودية قبل عام 1979 وحتى في زمن النبي محمد، كان هناك الرجال والنساء يتواجدون سوياً وكان هناك احترام للمسيحيين واليهود في الجزيرة العربية، ولقد كان قاضي التجارة في سوق المدينة المنورة امرأة! و اذا كان عمر قد رحب بكل ذلك، فهل يقصدون أنه لم يكن مسلمًا!.
هذه الاجراءات لم تدفع الجناح المتشدد حتى الساعة الى التجرؤ على مشروع بن سلمان التحولي، مما يعني ان بن سلمان نجح في احناء هذا الجناح الى هذا اليوم حيث أن الأمور لم تأخذ بعد منحى التصادم، بل على العكس يبارك الجناح الديني اجراءات الامير الشاب الذي بنظرهم ” يتوخ باجراءاته مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما قررته الشريعة الإسلامية “.
ويتساءل محللون سعوديون هنا عن خيارات التيار الديني فيما لو ضاقت السبل به، واستمر بن سلمان بمحاولة حذفه كلياً من اي نشاط على صعيد السعودية، حيث بدأت هذه المحاولات العام الماضي بقرار ملكي يجرد رجال هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، السعودية من صلاحيات كضبط المخالفين وعرضهم على القضاء ومحاسبتهم، الى اطلاق هيئة الترفيه السعودية وبرامجها التي تستهدف تغيير البيئة الثقافية المحافظة واعطائها صلاحيات اكثر من صلاحيات التيار الديني، اضافة الى اطلاقه مشروع سياحي عالمي ضخم في السعودية، باسم “مشروع البحر الأحمر”، والذي يسمح ما يحرم التيار الديني في السعودية.
في الخاتمة، وامام هذه الوقائع يبدو مستقبل السعودية قاتما، وان التحول قادم لا شك فيه، حيث كل شيء قابل للتغيير حتى الأفكار الدينية وذلك وفق مصالح الرعاة في الخارج، وسيكسب بن سلمان رهانه على قبول المجتمع السعودي لهذا التحول المنهجي نحو العلمانية، ولكنه في الوقت عينه يزرع في صحراء السعودية بذور انفجار كبير إن امتلك الجناح الديني المتشدد أدوات للمواجهة.
المصدر / الوقت