مقارنة السياسات…إيران والسعودية تحت المجهر
تشهد المنطقة حروباً وصراعات تمتد من اليمن إلى العراق مروراً بالبحرين وسوريا، ورغم تباعد هذه الجبهات من الناحية الجغرافيّة إلا أن الإيديولوجيات المتصارعة تجتمع كلها تحت فريقين رئيسيين متحاربين، الفريق الأول تقف معه إيران الجمهورية الإسلامية، والفريق الثاني ينتمي إلى السعودية مملكة الحرمين والتي تعتبر نفسها قطباً لكل المسلمين، ومن هنا يتشكل في الأذهان السؤال التالي، ماهي الاختلاف بين سياسات طهران وسياسات الرياض؟ ومن هو صاحب السياسة السليمة؟، وسنسعى في هذه المقالة إلى الإجابة على هذين السؤالين مع مراعاة الاختصار.
أولاً: السياسات الخارجية:
الثبات السياسي:
من أهم عوامل نجاح السياسة هو اتخاذها مجرى ثابت وواضح بشكل دائم مع القدرة على مواجهة كافة الصعوبات والمسائل مع حفظ الخط العام للسياسة، السياسة الإيرانية امتازت منذ نجاح الثورة الإسلامية ضد الشاه وقيام الحكومة الإسلامية في أواخر سبعينات القرن الماضي بثبات كبير حيث يشكل “خط المقاومة” جوهر السياسة الإيرانية التي اتخذت الكيان الإسرائيلي عدوها الأول وكذلك كل القوى الاستعمارية التي تحاول السيطرة على المنطقة والتي تعتبرها طهران “دول الاستكبار العالمي”، وكل هذا يصب في سعي طهران لحفظ استقلال وأمن دول المنطقة.
ووفق هذه السياسة فإن إيران تقوم بدعم الحركات و الأحزاب التي تحارب الكيان الصهيوني كحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وحزب الله اللبناني، وأثبتت طهران التزامها بسياستها إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، فرغم خلافاتها الشديدة مع نظام صدام حسين الذي شن حرباً قاسية على إيران امتدت من عام 1980 إلى عام 1988 إلا أن إيران وقفت ضد الاحتلال الأمريكي في العراق ودعمت الحركات المقاومة للاحتلال حتى نجح العراقيون بطرد آخر جندي أمريكي من العراق عام 2011.
أما عن السعودية فلم تنجح في رسم سياسة واضحة رغم أن بني سعود يتقلدون الحكم منذ فترة طويلة (منذ عام 1932)، ومواقف السعودية متقلبة في ملفات متعددة ولا تتسم بأي ثبات حتى أن الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست اعتبر أن الأمر يتطلب مقياساً أشبه بمقياس الزلازل لرصد التحولات المفاجئة في السياسة الخارجية السعودية، وأكد الكاتب على أن السعودية تتبع جداول أعمال مختلفة في بلدان مختلفة، وليس لديها رؤية استراتيجية موحدة.
من أشهر التقلبات السياسية السعودية موقفها من الإخوان المسلمين، ففي عام 2014 أصدرت السعودية بياناً اعتبرت فيه الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، إلا أنها في خمسينیات القرن الماضي كانت تمول وتحتضن الإخوان المسلمين الذين كانوا يقفون في وجه الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ولا يقتصر التقلب السياسي السعودي على الإخوان المسلمين فالأمثلة كثيرة يطول ذكرها وتفصيلها.
التعامل مع الحلفاء:
تعتمد إيران على بناء تحالفات قوية جداً في المنطقة، لا بل ويمكن وصف هذه التحالفات بأنها منقطعة النظير ليس في المنطقة فحسب بل في العالم أجمع، فإيران تجتاز مع حلفائها كل المنعطفات والعقبات يداً بيد، وما يحصل في سوريل أكبر دليل على ذلك فرغم كل الضغوط السياسية والاقتصادية التي تتعرض لها طهران إلا أنها لم تترك الحليف السوري وحيداً في معركته، بل قدمت له مختلف أنواع المساعدات، حتى أن القائد الإيراني البارز قاسم سليماني قاد بنفسه معركة تحرير البوكمال التي حصلت مؤخراً وكان الرجل متواجداً في الخطوط الأمامية مع الجنود، ناهيك عن مساعدة طهران للعراق.
متانة التحالفات الإيرانية يعود إلى سببين رئيسيين الأول هو الهدف الأكبر الذي تسعى طهران خلفه وهو تحرير شعوب المنطقة بما فيها فلسطين والحفاظ على الأمن والاستقلال، فالقيادة الإيرانية تعتبر استقلال دول المنطقة استقلالاً لإيران أيضاً، ولهذا فإن الخلافات بين طهران والدول التي معها في المحور تنعدم وتصبح عديمة الأهمية مقابل الهدف المنشود والعدو الموحد.
السبب الثاني أن تحالفات طهران قائمة على العقيدة وليس المصالح، والمقصود بالعقيدة هي عقيدة تقديس الاستقلال ومحاربة كافة أشكال الاستعمار وليس المقصود الطائفية كما يروج البعض فالحكومة السورية ليست شيعية وكذلك حركة الجهاد الإسلامي ليست شيعية إلا أن كلتيهما تنتميان للمحور الإيراني، وأن يكون المحور مبني على العقيدة فهذا يجعل الدول التي فيه تقدم كل مابوسعها لحليفاتها، وهاهي إيران تقدم الدم في سوريا والعراق وكذلك حزب الله اللبناني.
في المقابل تتصف تحالفات السعودية بفشلها الذريع، فالرياض لم تستطع كسب حليف حقيقي لها إلى الآن والأمثلة على ذلك كثيرة كان آخرها ما يتعلق برئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري اليد الأولى للسعودية في لبنان ورغم هذا قامت السعودية باحتجازه واجبرته على الاستقالة ليقوم بعدها أنصار تيار المستقبل بحرق صور ابن سلمان في شوارع العاصمة بيروت، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً لوجدنا الأزمة القطرية السعودية، فعلى الرغم من الخدمات التي قدمتها قطر للرياض عام 2011 في دعم المجموعات التكفيرية في سوريا وعلى الرغم من تعاون البلدين في مجالات كثيرة إلا أن الدوحة لم تستطع نيل رضا السعودية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في 5 حزيران/يونيو من العام الجاري، وكذلك في الملف اليمني خسرت السعودية حليفها علي عبد الله صالح، والحديث عن خسارات السعودية لحلفاءٍ لها يطول.
الهدف السياسي:
إن السياسة الإيرانية التي فصّلناها سابقاً تصب في نهايتها لخدمة الشعوب، فالتحرر والاستقلال ومجابهة الاحتلال والاستعمار كلها غايات ومطالب شعبية ولهذا نجد إيران تحظى بشعبية كبير حتى في العالم العربي الذي تحاول السعودية من خلال رأس مالها وإعلامها صرف نظره عن طهران، وكلنا نذكر الاستقبال الكبير الذي حظي به الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عندما زار لبنان في تشرين الأول/اكتوبر 2010، بالإضافة إلى مانراه الآن من فرح الجنود السوريين والعراقيين عند مقابلتهم لأحد القادة الإيرانيين، وهذا دليل على أن السياسة الإيرانية تمس الشعوب والجماهير.
ورغم جهود السعودية في تشويه الصورة الإيرانية في الوطن العربي إلا أننا لم نجد حتى يومنا هذا شعباًعربياً يُبغض إيران، على عكس السعودية التي باتت مبغوضة للشعبين العراقي والسوري اللذين عانيا الويلات نتيجة سياسة السعودية، وكذلك الشعب اللبناني والشعب البحريني والشعب المصري والشعب اليمني الذي يتعرض للعدوان السعودي المستمر منذ 25 آذار/مارس 2015، العدوان الذي جلب الويلات والكوارث لليمنيين، وتأتي كل سياسات السعودية هذه في سياق خدمة الأمراء والساسة والاقطاعيين وليس لخدمة الشعوب، ولهذا نجدها تلجأ إلى دعم مجموعات مسلحة (وفق تصريحات كثيرة لمسؤولين سعوديين) تقوم بحرق البشر والحجر كما حصل في العراق وسوريا.
ثانياَ: نظام الحكم:
التفصيل في اختلاف نظام الحكم في طهران عن نظيره السعودي يحتاج إلى مكتبة ضخمة جداً، ولكن يمكن القول باختصار أن الحكم في طهران أقامه الشعب من خلال ثورته عام 1978، وهو نظام جمهوري أراده الشعب اسلامياً فكان اسلامياً (من خلال استفتاء شعبي حصل بعد شهرين من انتصار الثورة الإسلامية في 30 و 31 آذار/مارس 1979)، ولهذا فإن سياسة إيران نتاج طبيعي لثورة شعبية إسلامية.
في المقابل نظام الحكم السعودي اعتمد إسلاماً مزيفاً لكم افواه الشعوب وللسيطرة على مقاليد الحكم حيث اعتمد عبد العزيز بن عبد الرحمن على الوهابية لتوسيع مناطق حكمه في شبه الجزيرة في ثلاثينات القرن الماضي ليعلن فيما بعد عن تأسيس المملكة السعودية التي تقوم على نظام قبائلي اقطاعي وما قام به محمد بن سلمان أخيراً من قطع رؤوس كل منافسيه ليحظى بكرسي ثابت أكبر دليلٍ على ذلك، وقد تعاطف الكاتب البريطاني ديفيد هيرست مع السعوديين كثيراً عندما قال أن السعودية تقوم على أسرة وليس دولة فقد كان يجب عليه القول أن السعودية قائمة على فرد وليس حتى أسرة ليكون التعبير أكثر دقة.
إذاً الاختلاف بين السياسة السعودية والسياسة الإيرانية هو اختلاف بنيوي جوهري استراتيجي وليس اختلافاً عابراً فهو يبدأ من أصل النظام الحاكم وبنيته وطريقة قيامه ليشمل كافة تفاصيل السياسة الخارجية فضلاً عن السياسة الداخلية، وعلى هذا فإنه يمكن القول أن إيران ونتيجية تحالفها مع الشعوب والتزامها بسياسة الإسلام القويم ستحظى بمستقبل مشرق في المنطقة العربية والإسلامية على عكس السعودية التي ستعزلها شعوب المنطقة بعد أن تتهاوى أقنعتها وتنكشف حقيقة ملوكها.
المصدر / الوقت