مصر وروسيا.. تقارب أمني وعسكري يزيح واشنطن عن المشهد
في تقلّص جديد للدور الأمريكي في الشرق الأوسط، تواصل جمهورية مصر العربية استدارتها نحو المعسكر الشرقي، حيث بحث الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” مع وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” سبل تطوير العلاقات المصرية الروسية، ولا سيما العسكرية والأمنية.
تقارب مضطرد
مصادر دبلوماسية مصرية أكدت في تصريحات صحفية بأنّ الوزير الدفاع الروسي عقد جلسة محادثات مغلقة مع نظيره المصري الفريق صدقي صبحي يوم أمس الأربعاء (29 نوفمبر) وذلك بمبنى وزارة الدفاع المصرية حيث ترأس الجانبان اللجنة المشتركة للتعاون العسكري والفني، وتمّ بحث طلبات مصرية سابقة لشراء وحدات دفاع جوي روسية الصنع، مروحيات وطائرات مقاتلة.
وفي السياق ذاته، كلف رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف كلّاً من وزارتي الدفاع والخارجية بالتفاوض مع مصر من أجل توقيع اتفاقية بشأن استخدام الأجواء والبُنية التحتية الجوية للبلدين، وتقضي هذه الاتفاقية بنظام استخدام أجواء ومطارات البلدين من قبل الطائرات العسكرية، وستكون الاتفاقية سارية المفعول لفترة 5 سنوات، لا تشمل الطائرات العسكرية للإنذار المبكر والتحكم والطائرات العسكرية التي تحمل الشحنات الخطيرة.
وكان الجيش المصري عقد صفقة شراء أسلحةٍ في السابع من شهر تشرين الأول الماضي حصل خلالها على أكبر صفقة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث تم شراء 50 مقاتلة من طراز “ميغ – 29/ إم2”.
مناورات مشتركة
العلاقات المصرية الروسية تشهد ومنذ فترة تنامياً متسارعاً لا سيما بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية في مصر، حيث شكل الجانبين لجان أمنيّة مشتركة بهدف التعاون في مجال توفير الظروف الآمنة للرحلات وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك”.
وبعد هذا التعاون ظهر للعلن تعاون عسكري آخر، كسر كل التابوهات المحرمة على الجيش المصري منذ توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”، وتمثل هذا التطور بإجراء مناورات عسكرية لأول في تاريخ العلاقات بين القاهرة وموسكو، حيث أجريت تلك المناورات في المنطقة العسكرية الغربية في مصر، حملت اسم “حماية الصداقة 2016″، وكانت تحت عنوان كبير هو “مكافحة الإرهاب”، وشملت تلك المناورات عمليات إنزال لآليات عسكرية وقوات مظلية روسية من الطائرات، وتُعتبر الأولى للجيش الروسي في مصر وإفريقيا، واستهدفت التدريب في المناخ الصحراوي المصري.
وفي سياق التقارب العسكري بين البلدين زارت حاملة الطائرات الروسية “الأميرال كوزنيتسوف” في أكتوبر من العام الماضي -تُعتبر الحاملة الروسية الوحيدة في مياه البحر المتوسط- السواحل المصرية بعد أن أنجزت مهمة لها في سوريا، وتعتبر زيارة حاملة الطائرات للسواحل المصرية هي الأولى من نوعها في تاريخ البلدين، حيث كشفت صحيفة “إزفيستيا” الروسية أنّ “الأميرال كوزنيتسوف” شاركت حاملتا المروحيات المصريتان “جمال عبد الناصر” و”أنور السادات”، اللتان بنتهما فرنسا في البداية لصالح روسيا ومن ثم فسخت العقد وباعتهما للقاهرة، حيث أنّ هاتين السفينتين من طراز “ميسترال” وصُممتا خصيصا لحمل مروحيات روسية الصنع على متنهما.
سوريا.. محور التقارب
زيارة الوزير الروسي أتت وكما يقول خبراء في وقتٍ تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط، اضطرابات عدّة لا سيما في سوريا التي تمثل أهمية استراتيجية كبرى لكلا الجانبين، بالإضافة للهجمات الإرهابية التي يشنها تنظيم داعش في مصر وعدد من الدول الأخرى، خصوصاً بعد خسارته لآخر معاقله في الشرق السوري.
وكانت مصر قد أعلنت عن تأييدها للتدخل الروسي في سوريا، وقالت على لسان وزير خارجيتها سامح شكري إن دخول روسيا بما لديها من إمكانات وقدرات في هذا الجهد، هو أمر نرى أنه سوف يكون له أثرٌ في محاصرة الإرهاب في سوريا والقضاء عليه.
وبرزت التفاهمات الروسية المصرية على الصعيد الأمني من خلال التقارب في مجلس الأمن الدولي، حيث صوتت مصر لصالح مشروع القرار الروسي الخاص بإيصال المساعدات الإغاثية إلى سوريا، الأمر الذي أثار حفيظة كلٍّ من السعودية وقطر، واصفةً هذا التصويت بأنّه خروجٌ عن الاجماع العربي.
كما احتضنت القاهرة أحد اتفاقات مناطق خفض التصعيد في الغوطة الشرقية لدمشق، وكانت القاهرة وموسكو الطرفين الراعيين لهذا التفاهم، والذي أقرته اتفاقيات أستانه الخاصة بالمفاوضات بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة.
يُشار إلى أنّ التقارب المصري الروسي والذي شهد صعوداً ملفتاً يتزامن مع تراجع مُلفت للحضور الأمريكي على ساحة الشرق الأوسط، لا سيما بعد الانكسارات العدّة التي شهدها المشروع الأمريكي، حيث تحاول روسيا ومن خلال شراكاتٍ عدّة أن تكون اللاعب الأساسي في المنطقة، ولعل أبرز هذه التقاربات ما حصل بين روسيا وأيران، وبين روسيا وتركيا.
المصدر / الوقت