بوتين وتحدي نزع السلاح الكيميائي مع الغرب
دعا رئيس جمهورية روسيا، فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء 28 ديسمبر، جميع دول العالم الى تدمير اسلحتهم الكيميائية وذلك في رسالة الى مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الاسلحة الكيميائية المُقامة في مدينة لاهاي الهولندية.
ودعا بوتين في رسالته، دول العالم الى اتخاذ روسيا نموذجا وان يكونوا من السباقين في تدمير الاسلحة الكيميائية. وأظهر خطاب الرئيس الروسي مرة أخرى تصميم روسيا الراسخ على حظر سلاح الأسلحة الكيميائية في العالم. حيث دمرت روسيا في شهر سبتمبر الماضي جميع الـ 40 الف طن من الاسلحة الكيماوية الموروثة من الاتحاد السوفيتي.
ويتقابل هذا النوع من الإجراءات الروسية وعزمها الوثيق على نزع سلاح الأسلحة الكيميائية، مع المزاعم الغربية نوعا ما تجاه روسيا والتي تتهم الاخيرة بأنها الراعي لأسلحة الدمار الشامل.
في الواقع، بعد أن استخدمت روسيا حق النقض “الفيتو” ضد تجديد مهمة المفتشين الكيميائيين الدوليين في سوريا، كانت وسائل الإعلام الغربية تخلق باستمرار هالة إعلامية ضد روسيا، حيث حاولوا إظهار روسيا بأنها الراعي الرئيسي لاستخدام أسلحة الدمار الشامل. في حين كان هدف روسيا من استخدام حق الفيتو ضد القرارات الغربية، هو منع الانشطة السياسية الامريكية التي كانت من جانبها تسعى للتدخل في الشؤون العسكرية للبلاد من خلال خلق ذرائع واهية.
وبالاضافة الى ذلك، يسعى بوتين الى الكشف عن الوجه الحقيقي للولايات المتحدة في عدم إلتزامها الجدي بالقضية الهامة المتمثلة بضرورة تدمير اسلحة الدمار الشامل على مستوى العالم، الامر الذي يهدد السلام والاستقرار العالمي، في حين تُعتبر الولايات المتحدة واحدة من اكبر الجهات المالكة لهذه الاسلحة، والتي شنت حروبا في مختلف أنحاء العالم حتى الآن، تحت شعار منع انتشار هذه الأسلحة.
واتفقت كل من جمهورية روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على تدمير ومنع استخدام جميع الأسلحة الكيميائية وانتاجها وتخزينها ونقلها، وذلك وفقا للإتفاقية الدولية لعام 1993 التي تنص على حظر الاسلحة الكيميائية، ووُقعت على اساسها معاهدة حظر الاسلحة الكيميائية.
وبموجب المعاهدة، سيكون على روسيا نزع اسلحتها الكيميائية بالكامل بحلول عام 2018، والولايات المتحدة حتى عام 2023. في حين نفّذت روسيا هذا القرار قبل عام واحد من الموعد المُقرر، اي في عام 2017، ولا تزال الولايات المتحدة لا تملك اي خطط لتدمير أسلحتها الكيميائية.
إن أحدى الذرائع الأمريكية الرئيسية بتأخير معاهدة حظر السلاح الكيميائي، هو في الواقع التكلفة الضخمة لتنفيذ هذا الإتفاق كما تزعم الحكومة الأمريكية. وتسعى ادارة واشنطن الى حد ما، الى إبقاء هذه المعاهدة حبرا على ورق من خلال التذرع بالأزمة المالية في الولايات المتحدة.
وتأتي هذه الذرائع في الوقت الذي تقدم فيه الحكومة الأمريكية مساعدات تٌقدّر بأكثر من 3 مليارات دولار سنويا للكيان الصهيوني مباشرة، حيث تُعتبر اسرائيل بدورها أحد المصادر الرئيسية لأسلحة الدمار الشامل. كل هذه النقاط تشير إلى عدم جدية الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالإلتزام بمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية.
غير أن بوتين تمكن من خلال هذه الرسالة، بالإضافة إلى الرد على جميع وسائل الإعلام الغربية والاتهامات والمزاعم الموجهة ضد روسيا، من توجيه بعض الإتهامات نحو الولايات المتحدة والبلدان التي تمتلك أسلحة دمار شامل مثل الكيان الصهيوني.
وفي الواقع، يبدو ان روسيا، من خلال تدمير مخازنها الكيميائية، ورسالة الرئيس بوتين، تسعى الى دعوة الولايات المتحدة والنظام الصهيوني إلى الرد بالمثل بتدمير الاسلحة الكيميائية.
إن خطوة بوتين هذه ستضع أمريكا في موقف رد الفعل. لأن هذا الإجراء من قبل روسيا يحمل في طياته رسالة اخرى، وهي إن الولايات المتحدة، بوصفها البلد الذي يتهم روسيا باستمرار بدعم استخدام أسلحة الدمار الشامل، والتي تردد دائما شعار ضرورة نزع الاسلحة الكيميائية في العالم، أصبحت الآن صاحبة أكبر مخزن كيميائي في العالم، وليس لها اي عزم على تدميرها.
لذلك فان هذه الخطوة الروسية تُظهر أن دعوات الولايات المتحدة والغرب بأنهم رعاة السلام والصلح العالمي ومطالباتهم بنزع اسلحة الدمار الشامل، ليست سوى مزاعم إعلامية، في حين انهم غير مستعدين عمليا للقيام بذلك.
ولكن الآن، وبعد أن دمرت روسيا أسلحتها الكيميائية وساعدت على نزع الأسلحة الكيميائية في سوريا، فإن الولايات المتحدة اضافة على عدم عزمها بتدمير أسلحتها الكيميائية، فأنها أيضا لن تفرض أي ضغوط على حلفائها لحظر الأسلحة البيولوجية والكيميائية.
ان الكيان الصهيوني، باعتباره الحليف الأهم للولايات المتحدة، لديه احد أكبر ترسانات الأسلحة البيولوجية والتي لا يعرف اي احد حجمها وموقعها، في حين تنفق الولايات المتحدة مليارات الدولارات سنويا بهدف تعزيز القدرة العسكرية للكيان الصهيوني.
ومن الواضح أن المحور الغربي ليس لديه اي نية لتنفيذ شعاراته السلمية، وهذه الشعارات تهدف ببساطة إلى فرض ضغوطات وإضعاف البلدان التي تنافسها. في حين كانت روسيا هي من تخطو لإحلال الامن والسلام في العالم دون اي شعارات.
ومع ذلك، تمكنت روسيا من تحقيق مصالح كبيرة جدا من خلال حظر السلاح الكيميائي. وقد أظهرت روسيا من خلال خطوتها هذه، أنها تلتزم التزاما تاما بالمعاهدات التي توقع عليها، وهذا الأمر سيزيد من مصداقية روسيا في المنطقة والعالم. ويعكس هذا الاجراء أيضا استراتيجية البرنامج الروسي للتعامل مع وضعية عدم الاستقرار في العالم.
وتسعى روسيا خلافاً للولايات المتحدة، التي تبحث باستمرار عن خلق توترات وتقويض قدرة البلدان في الشرق الاوسط، لتحقيق الاستقرار في المنطقة حيث ان هذا الاستقرار بالإضافة الى مساهمته في تعزيز الامن الروسي، سوف يجعلها تقيم علاقات تجارية هامة في المنطقة. ومع ذلك، ليس أمام الولايات المتحدة الآن خيار سوى تنفيذ المعاهدات الدولية للضغط على حلفائها لحظر أسلحتهم.
المصدر / الوقت