هل یتمكن الناتو الإسلامي – السعودي من تحقيق أهدافه؟
قبل نحو عامين أعلنت السعودية عن تشكيل تحالف بقيادتها تحت ذريعة “مواجهة الإرهاب”، وهذا التحالف لم يتمكن من الانعقاد إلّا قبل أيام قليلة ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول قدرته على تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة وصدق نواياه في محاربة الإرهاب.
قبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع لابدّ من الإشارة إلى أن التحالف المذكور الذي أعلن عنه وبشكل مفاجئ ولي العهد السعودي الحالي ووزير الدفاع “محمد بن سلمان” لايضم في صفوفه دولاً إسلامية مهمة من بينها إيران وسلطنة عمان والعراق وسوريا واندونيسيا، فضلاً عن أن العديد من أعضائه لم يكن على علم بتشكيل هذا التحالف وإنما سمع به عن طريق وسائل الإعلام مثل باكستان ولبنان ودول أخرى.
وعلى الرغم من المحاولات التي بذلتها وسائل الإعلام المرتبطة بالسعودية وفي مقدمتها “قناة العربية” لإظهار التحالف المذكور على أنه يناظر حلف شمال الأطلسي “الناتو” في هيكليته وأهدافه في الدفاع عن العالم الغربي، إلّا أن الحقائق والوقائع تشير إلى أن (الناتو الإسلامي – السعودي) ليس إلّا حبراً على ورق.
وفي بداية الإعلان عن تشكيل هذا التحالف كانت قطر جزءاً منه إلّا أنه قد تم حذفها وإقصاؤها عن المشاركة في اجتماع وزراء دفاع دول التحالف الذي عقد في الرياض الأسبوع الماضي، وذلك على خلفية الأزمة القائمة بين السعودية والبحرين والإمارات ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، ما يؤكد أن التحالف واقع تحت تأثير الخلافات السياسية والمصالح الآنية التي ينبغي أن تكون بعيدة عن أجواء هذا الاجتماع أو يتم تجميدها على الأقل في الوقت الحاضر إذا كانت السعودية وحلفاؤها جادّون فعلاً في التوجه لإنجاح التحالف.
الأهداف المتناقضة وما يجري خلف الكواليس
يعتقد المراقبون بأن الهدف الرئيسي لتشكيل (الناتو الإسلامي – السعودي) والذي يضم في صفوفه دولاً غير إسلامية – في الظاهر على الأقل – كالغابون وبنين وتوغو يتركز في الحقيقة على كيفية مواجهة الدول والأطراف التي تعارضها السعودية وفي مقدمتها إيران ومحور المقاومة الذي تدعمه طهران والذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في عموم المنطقة.
وتؤكد جميع الشواهد والقرائن بأن السعودية التي تتبنى المذهب الوهابي المتطرف والتي تدعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية سعت وتسعى من خلال بث الفرقة الطائفية لإضعاف الدول التي تدعم محور المقاومة وفي مقدمتها إيران التي أثبتت جديتها وجدارتها في محاربة الإرهاب وحققت انتصارات باهرة على التنظيمات الإرهابية لاسيّما “داعش” في العراق وسوريا، وذلك من خلال دعمها للقوات الحكومية والشعبية في هذين البلدين.
من هنا يمكن التأكيد بأن تشكيل (التحالف الإسلامي – السعودي) المزعوم ليس سوى محاولة لخداع الرأي العام للإيحاء بأن هذا التحالف يسعى لمحاربة الإرهاب، لكنه في الحقيقة يقف بالضد من هذا الهدف، والدليل على ذلك محاولاته الرامية لإضعاف محور المقاومة في عموم المنطقة.
وينبغي التنبيه هنا إلى أن العديد من الدول المشاركة في (التحالف الإسلامي – السعودي) تتبنى سياسات ومواقف متناقضة فيما بينها إزاء ما يحصل في المنطقة، وكمثال على ذلك تنظر تركيا لأكراد سوريا المنضوين تحت قيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي” و”وحدات حماية الشعب” على انهم جهة إرهابية في حين تقوم السعودية بدعمهم بالمال والسلاح. كما تقف تركيا إلى جانب الإخوان المسلمين في مصر، في حين تنظر السعودية إلى هذه الجماعة على أنها جهة إرهابية. هذه التباينات والتناقضات في المواقف تدلل على أن (الناتو الإسلامي – السعودي) يفتقد إلى التماسك والانسجام المطلوب، وبالتالي لايمكن تصور نجاحه في تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة على فرض حسن نواياه في مواجهة الإرهاب كما يزعم.
هذه المعطيات وغيرها تثبت وبما لايقبل الشك بأن (التحالف الإسلامي – السعودي) ليس سوى تشكيل يفتقد إلى الهيكلية الصحيحة والمتماسكة، فضلاً عن أن الكثير من أعضائه لايمتلك تصوراً واضحاً عن أهداف هذا التحالف في وقت يعتقد فيه المراقبون بأن الرياض التي دعت لتشكيل التحالف تسعى لتوظيفه لتحقيق غايات وأهداف لاعلاقة لها بمحاربة الإرهاب وإنما تهدف إلى دعم ولي العهد “محمد بن سلمان” الذي يسعى للهيمنة على مقدرات المملكة تمهيداً للاستحواذ على مقاليد الأمور بعد وفاة أبيه الملك سلمان الذي يعاني من المرض وكبر السن، كما يسعى بن سلمان لاستقطاب الدعم الغربي لاسيّما من قبل أمريكا للوقوف إلى جانبه في مواجهة إيران ومحور المقاومة باعتبار أن السعودية تشكل حلقة أساسية في المشروع الأمريكي الرامي إلى تقسيم المنطقة والاستحواذ على مقدراتها والعبث بمصيرها.
ولا يستبعد البعض أن يتوسع نطاق (الناتو السعودي – الأمريكي) ليشمل حتى الكيان الإسرائيلي طالما أن الهدف هو محاربة إيران ومحور المقاومة وتنفيذ المخطط الرامي إلى تحويل المنطقة إلى مستنقع دائم للأزمات خدمة للأهداف الأمريكية والصهيونية.
المصدر / الوقت