التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

سعد يحسم : الأمر لي! 

قبل أیام قلیلة، قرر سعد الحریری ترؤس اجتماعات کتلة تیار «المُستقبل» النیابیة. وقد قرأ کثیرون فی قراره استهدافاً لرئیسها فؤاد السنیورة، وخصوصاً أن الأخیر «مشتبَه فی کونه من الدائرة السبهانیة». قرار الحریری لا یقتصر على ترؤس الکتلة. فعارفو رئیس الحکومة یؤکدون أنه عاد من التجربة السعودیة التی ألمّت به بعد الرابع من تشرین الثانی، حازماً على غیر عادته، ومصمماً على الإمساک بجمیع مفاصل تیاره.

لن یمنح أحداً ذریعة التصرّف کشهید سیاسی. لکنه لن یسمح باستمرار الانفلات الذی کان سمة رئیسیة للتیار منذ عام 2005. خارج التیار، مع حلفائه السابقین ــ خصومه الجدد، لن یتصرّف بثأریة. یقول أحد المقربین منه إن «أداءه سیکون انعکاساً لرغبته بالحکم. ومن یرد أن یکون شریکاً فی حکم البلاد، لن یُقصی أحداً، بل سیسعى إلى تقریب الجمیع منه، حتى أولئک الذین یملک أدلة على کونهم طعنوه، وکانوا جزءاً من محاولة التخلص منه».یشدد الحریریون على أن تجربة الاحتجاز السعودی، ومحاولة إبعاد ابن رفیق الحریری عن الحیاة السیاسیة، أثّرت به، وبنظرته إلى دوره. صحیح أنه لن ینقلب على نفسه، ولن یقف على الضفة المقابلة لتلک التی کان ینتمی إلیها ولا یزال، إلا أن ما جرى علیه أخیراً، جعله یثق بقدراته أکثر من ذی قبل، وأن یستند إلى مصادر القوة الموجودة فی البلد، بما یتیح له توسیع هامشه خارجیاً، حتى فی العلاقة مع السعودیة. فمهما قال الرجل، ومهما ذهب بعیداً فی الدفاع ــ إعلامیاً ــ عن سیاسات الریاض، یعلم أن أحداث الشهر الماضی طوت صفحة السعودیة التی یعرفها، تماماً کما طوت صفحة الحریری الذی تعرفه السعودیة. الیوم، یقول الحریری، بثقة، «الأمر لی»

لم تکُن العلاقة جیدة بین الرئیسین سعد الحریری وفؤاد السنیورة قبل إعلان استقالة الأول. لکنها لم تصِل إلى السوء الذی هی علیه الیوم، حتى فی عزّ اختلافهما حول نقاط أساسیة واستراتیجیة. منذ عودته إلى البلاد بعد استقالته القسریة، لم یُخف الحریری نوایاه تجاه کل من شکّک بأنهم من «المتآمرین» علیه. هذه المرّة یتصرف بحزم لم یعهده به تیاره، متخذاً مجموعة من القرارات بات واضحاً بأنها تسعى إلى تهمیش شخصیات أساسیة فی البیت الأرزق أو تحجیمها.
یُسابق الحریری الوقت الذی یداهمه من کل الجهات. وساعته الذکیة التی کانت محط اهتمام اللبنانیین منذ افتقادها على معصمه أثناء تلاوة بیان استقالته أصبحت مرجعه بین لقاء وآخر، أو خلال انتقاله من اجتماع إلى ثان بین غرف الطابق الأول فی بیت الوسط الذی لم یعد کما عهده العاملون أو المقربون من التیار والبیت. فحریة التنقل بین الطابقین السفلی والأول قُیدت حتى على الذین کانوا یدّعون أنهم نُدماء للمقررین فی هذا البیت ومنازله الکثیرة. أداء الحریری تغیر کثیراً، لا بل انقلب رأساً على عقب. لم یعد یستمع إلى ما تتضمنه أجندته الیومیة من مواعید نظم ترتیبها البروتوکول فی بیت الوسط. صار هو من ینظمها طالباً الاتصال بهذا وإرجاء استقبال ذاک. یعطی انطباعاً بأن أمامه الکثیر لینجزه، بعدما فاته ما هو أکثر «أو بالأحرى ما انکشف من ثغرات خلال الأسبوعین اللذین قضاهما» فی السعودیة.
منذ أکثر من أسبوع، وخلال ترؤسه اجتماعاً لکتلته النیابیة ومکتبه السیاسی، قال الحریری: «سأترأس کل الاجتماعات»، و«سأبحث فی کل شاردة وواردة، وسنناقش کل أمر هنا، فی اجتماعاتنا، لنصل إلى قرار موحّد. ومن لدیه رأی مخالف فلیقله هنا، لا أمام الإعلام. ومن لا تعجبه هذه الصیغة بإمکانه المغادرة». ظهر هذا الموقف للبعض بأنه «نوع من النکایة» فی البدایة من دون اتضاح أسبابه، لکن سرعان ما فضحت تصرفات «الشیخ» خلفیاته لیتبیّن بأن المقصود هو السنیورة.
مؤشرات عدة دفعت مستقبلیین الى استخلاص هذه النتیجة، یسردها هؤلاء لإثبات صحّة ما یقولون. فی الشکل «تعمّد الحریری منذ عودته تهمیش رئیس الکتلة»، أولاً من «خلال تعامله مع الرئیس السنیورة الذی عادة ما یجلس إلى یمینه فی الاجتماعات، وقد شعرت الغالبیة بأنه أعطاه ظهره فی آخر جلسة وتقصّد تجاهله». فی تلک الجلسة، وبعد الانتهاء من صیاغة مسودة البیان، سأل الحریری «أین نائبی؟» (النائب السابق باسم السبع)، فیما السنیورة یقف إلى جانبه. وبعد أن جرت العادة بأن یکتب السنیورة، بحسب تراتبیة المواقع، مسودة البیان بعد اجتماع مماثل، طلب الحریری من السبع القیام بالمهمة.
قد ینظر من هم خارج التیار إلى هذه التفاصیل باعتبارها عابرة ولا یُبنى علیها. لکن المستقبلیین لم یعتادوا علیها، فالرئیس الحریری غالباً ما کان یتعامل «بالحُسنى» حتى مع من یتصرفون بندیّة تجاهه، لکنه هذه المرّة یتبع أسلوباً مغایراً، ویتعمّد إیصال رسائله بشکل «مفضوح».
ینقل مستقبلیون جوّاً من داخل الکتلة فحواه بأن «شکوکاً کثیرة تُحیط بالسنیورة تجعل الرئیس الحریری یتصرف معه وکأنه من الجناح السبهانی». صحیح أن رئیس کتلة المستقبل «لم یغلّط» کل فترة الأزمة، واختار التظلّل بسقف ما أرادته الدائرة الضیقة للحریری، وفی مقدمتها النائب بهیة الحریری ونجلها نادر، «لکنه ظهر وکأنه یفعل ذلک مرغماً»، فزلّاته السابقة وضعت کل تصرفاته خلال أزمة الحریری فی الریاض «موضع شک». بحسب أوساط «المستقبل» قد لا یکون موقف الرئیس الحریری مبنیاً على أی سلوک أظهره «قائد مجموعة العشرین» (المعترضة على التسویة الرئاسیة) خلال الأزمة، لکنه یُمکن أن یکون نتیجة «تجاوزات» راکمها الحریری، ووجد بأنه آن الأوان للرد علیها.

موقف السنیورة
خلال الأزمة ظلّ موضع شکّ عند الحریری

لیست المرة الأولى التی یظهر فیها المستقبلیون منقسمین فی کتلتهم. صحیح أن الرئیس الحریری یحظى بتعاطف غیر مسبوق، جعل غالبیة التیار تلتف حوله، لکن أیضاً للرئیس السنیورة «شعبیة» لا یستهان بها، جعلت مؤیدیه یعتبرون بأن «ما یتعرض له الرجل نوع من العقوبة لیس إلا»، إذا یبدو بأن الحریری «لم ینسَ بعد مجموعة العشرین التی لا تزال حتى الآن فاعلة». ناهیک عن أن «الرئیس السنیورة لا یخفی حقیقة موقفه المعارض للتسویة، وهو یجاهر به أمام الجمیع، بمن فیهم الحریری». وقد قال فی أکثر من جلسة بأنه «یعارض القطیعة مع المملکة العربیة السعودیة، ولا یستسیغ التقارب المطلق مع التیار الوطنی الحرّ ومن خلفه حزب الله». وکشفت المصادر أن «السنیورة کان مستاء جداً من تصریح رئیس الجمهوریة العماد میشال عون من روما عن سلاح حزب الله»، معتبراً أنه «لا یُمکن حمله، ولا السکوت عنه»، وهو «مستاء أکثر لأن کثراً فی التیار باتوا مسلّمین بخیار الحریری الالتصاق بعون، خصوصاً بعد أن شعروا بأن الرابط الذی یجمع الحریری به کبیر جداً».
یفضّل السنیورة التصرف بشکل طبیعی مؤکداً أن «العلاقة مع الرئیس الحریری ممتازة». مع ذلک، قال أمام مستقبلیین بأنه «لم یحسم بعد قرار ترشحه» للانتخابات المقبلة. ولمّح إلى «إمکانیة نزوله على لوائح غیر لائحة المستقبل، وإن کان الأمر مستبعداً، لکنه وارد، وینتظر موقف رئیس الحکومة والصیغة التی سوف یُبنى علیها موضوع النأی بالنفس».
قد لا یکون الامر مقصوراً على استبعاد السنیورة، فهناک الإشکال الذی وقع بین نادر الحریری والنائب فتفت فی أحد اجتماعت الکتلة التی عقدت عندما کان الحریری محتجزاً فی الریاض. شن فتفت هجموماً حاداً ضد التسویة الرئاسیة وضد کل ما أفضت إلیه من نتائج سیاسیة، مطالباً بتنظیم استشارات نیابیة لتسمیة رئیس للحکومة. فانبرى نادر للرد علیه. وخلال النقاش احتدمت الأمور ما دفع بفتفت إلى خبط یده على الطاولة ومغادرة القاعة، بعد توجیهه کلاماً حاداً لنادر. بعد ذلک، انتقل فتفت الى الضنیة، وأخبر مقربین منه أنه ینتظر تدخلاً من الرئیس الحریری لیعاود نشاطه، وأنه حتى ذلک الحین «أخذ إجازة إعلامیة».

صحیفة الأخبار – میسم رزق

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق