انجاز الانتصار والمهام المستقبلية
ان مهمة العراق في القضاء على داعش انجزت بشكل نهائي بالجهود والتضحيات الكبيرة التي بذلتها القوات الأمنية البطلة بكل صنوفها وتشكيلاتها في سبيل انهاء وجود هذا التنظيم الظلامي في العراق وتم الاعلان عنه بعرض خاص من قبل رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي شاركت فيه نماذج من القوات المسلحة العراقية التي تمثلها الشرطة الفدرالية والجيش والحشد الشعبي والعشائري بقلوب ملئها الايمان بوحدة الوطن وتقديم الآلاف من الشهداء الابرار وعشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين الغيارى.
وهي لاشك لحظة تاريخية بامتياز يفتخر به العراق حكومة وشعباً وبجهود هذه القوات بكل صنوفها من جيش وشرطة اتحادية ومكافحة الارهاب والحشد الشعبي والعشائري وهو يمثل النصر الكامل والمميز بعد ان شهدنا تحرير المناطق الصحراوية في الرمادي وتحرير ما تبقى من تلك الاراضي بالكامل وتمشيطها من فلول هذه العصابات الظلامية ودولة الخرافة قد سقطت. ومسك الحدود الغربية يعني سد الثغرات وقطع الامدادات «افراداً وتسليحاً» بعد ان وصلت سابقاً الى تخوم بغداد ورغم ان الحرب معها لم تنتهي داخليا حيث هناك لازالت جيوب في المناطق القريبة من طوز خرماتو وأطراف ديالى. الى ان ذلك يعني قطع كل الطرق التي تنفذ منها وتصل خلالها المساعدات. أن فقدان التنظيم للأراضي التي اجتاحها شمالي وغربي البلاد، والتي تقدر بثلث مساحة العراق، صيف 2014، لا يعني أن البلاد طوى صفحة التنظيم للأبد، وتطهير المناطق الصحراوية والنائية من «داعش هو جزء من المواجهة الحقيقية وجها لوجه.
اذا ماعرفنا ان أغلب الإرهابيين الذين يتواجدون في الصحراء مقاتلون محليون وليسوا أجانب، وهم يحاولون الآن إعادة الوضع إلى المربع الأول داخل المدن بواسطة خلاياهم النائمة. العراق يعتبر خط الصد للدفاع نيابة عن المنطقة والعالم ضد هذه العصابات الشاذة وشهدت بذلك كل دول العالم . أن ممارسات داعش الهمجية أسهمت وإلى حد كبير في إعداد مشهد هزيمته المادية، إلا أن الهدف منها في الأساس هو العمل على خلق العالم الذي يريد التنظيم التواجد فيه. داعش قد انتهى لفشله الذريع. الواقع يقول إنه لو كان هدف التنظيم إقامة دولة قابلة للحياة، لما كان فرض وجوده من خلال ممارسة القتل والاغتصاب والإرهاب عبر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لينقلها للعالم بجهاد الحرب أو القتال، أو إقامة الدولة الإسلاميّة بالقوّة، والحكم بما أنزل الله والله والدين منهم براء، وفرض شريعته بالسيف، ولا شيء سواه، ونسي جهاد السّلم؛ جهاد النفس والشيطان والدّنيا والهوى، واستثارته الممنهجة للمجتمع الدولي ودفعه لتشكيل تحالف دولي ضده بهدف تدميره وهذا الذي سوف يكون في المستقبل القريب وهو يشد رحاله وفي حالة الاحتضار.
والغريب ليس معروفا بعد ما هي خطة اميركا في العراق. حسنا، هُزم «داعش». كان لا بدّ من الحاق الهزيمة بهذا التنظيم الإرهابي الذي لم يترك شيئا الا وفعله من اجل تشويه صورة الإسلام عموما واهلنا من الاخوان السنّة على وجه التحديد . ما هو بالضبط المشروع الاميركي الجديد في العراق، خصوصا بعدما تبيّن ان سلاح الجو الاميركي لعب دورا محوريا في دعم «داعش» في العديد من المواقف، كما نقلت الكثير من المعلومات الاستخبارية وتبين ان التحالف الدولي بقيادة امريكا لم يكن جادا في محاربة داعش لأن داعش يعمل على خدمة المصالح الامريكية وأمنها القومي، حتى ان التحالف الدولي كان يقوم في بعض الاوقات بتقديم المساعدات الى داعش. الانتصار على «داعش» كان مطلوباً ايضا للمحافظة على تلك القيم وعلى امكان إعادة الحياة الى العراق بعد ان ارادت هذه العصابات انهاء قيمه الحضارية وإلانسانية التي عرف عليها المجتمع العراقي. المرحلة المقبلة لا تقل اهمية عن الحرب ضد الارهاب تتمثل بإزالة اثاره الفكرية المتطرفة والعمل على اعمار المناطق المحررة وإعادة النازحين اليها وفق توقيتات زمنية محددة، والبدء بمصالحة مجتمعية حقيقية والانطلاق نحو صفحة جديدة لبناء اقتصاد رصين على اسس مستدامة تعيد العراق الى مكانته الطبيعية بين دول العالم وتسهم في تحقيق تنمية شاملة في مختلف القطاعات ويضمن حياة حرة كريمة للشعب العراقي تليق بحجم التضحيات التي قدمها من أجل تحقيق النصر والاستقرار.
بقلم / عبدالخالق الفلاح