ماذا تحمل رسائل التقارب الروسي بأكراد سوريا؟
كان الأكراد السوريون وما يزالون يُشكلون الورقة الرابحة بيد أمريكا في سوريا، ولكن إذا سُحبت هذه الورقة من الولايات المتحدة؛ فلن يبقى للولايات المتحدة أيّ قدرة على التحكم والسيطرة في الساحة السورية في مقابل ما يجنيه اللاعبون الآخرون في الميدان السوري، وفي حال تحالف الأكراد السوريين مع الروس سيُمثل هذا التحالف وكما يقول مراقبون هزيمة استراتيجية لواشنطن على الساحة السورية.
تقارير إعلامية نقلت الأسبوع الماضي بياناً لوزارة الدفاع السورية قالت فيه إنّ قواتها الجوية أنجزت عشرات العمليات لدعم المسلحين في شرق سوريا؛ ولا سيما الأكراد منهم، البيان السوري ترافق وكما يؤكد متابعون مع اجتماعٍ جمع عدداً من قوات حماية الشعب الكردية وهي الجناح العسكري لحزب “الاتحاد الديمقراطي” مع وفدٍ من وزارة الدفاع الروسية.
الأكراد الذين يبدو أنهم تعلموا الدرس جيداً، لن يضعوا مجدداً كل البيض في سلةٍ واحدة، حيث أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية في مؤتمرٍ صحفي أنّ عملياتها الموجهة ضدّ تنظيم داعش الإرهابي قاربت على النهاية؛ متوجهةً بالشكر للائتلاف الدولي الذي تقوده أمريكا من جهة، والقوات الروسية من جهةٍ أخرى.
متابعون للتطورات الميدانية في الشرق السوري أكدوا أنّ القوات الروسية تدعم وتتعاون مع الأكراد السوريين أكثر من الماضي، هذا التعاون الذي كان على مستوى محدود من التنسيق بين الأكراد والقوات العسكرية الروسية في الماضي أصبح اليوم مبنياً على أبعادٍ أوسع، الأمر الذي يشي بالنهج الجديد الذي اتخذته روسيا تجاه الأكراد السوريين.
التعاون الروسي الجديد مع وحدات حماية الشعب الكردية يمكن رؤيته من ناحيتين؛ الأولى أنّ الأكراد يُعتبرون الحليف الأبرز للولايات المتحدة في سوريا، ومن ناحية أخرى، يبرز التنافس بين روسيا والولايات المتحدة في الميدان السوري، حيث تُعدّان أبرز المتنافسين على الساحة السورية.
لكن وبحسب مراقبين فإنّ هذا التقارب بين الكرد والروس يحمل في طيّاته أسئلةً مهمة؛ على سبيل المثال لماذا هذا التحالف الاستراتيجي الآن؟؛ وما هي الأهداف الروسية من هذا التحالف؟
وللإجابة على تلك التساؤلات من الضروري الأخذ بعين الاعتبار جميع اللاعبين على الساحة السورية، ومن أبرز أولئك اللاعبين (الأكراد السوريين، أمريكا، تركيا وروسيا).
ويرى خبراء أنّ الأكراد السوريين من الممكن أن يكونوا أداةً أو وسيلة لدعم وتقوية السياسات الروسية في مواجهة سياسات كلِّ من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وبناءً على هذا التفسير يمكن التركيز على الأهداف الرئيسية للسياسات الروسية التي تسعى موسكو لتحقيقها من خلال تقاربها مع الأكراد السوريين والتعاون معهم.
الطعنات الأمريكية للكرد
أحد أبرز الموضوعات التي أكّد عليها المحللون خلال الشهر الماضي تتعلق بمستقبل الأكراد السوريين بعد داعش، وفي هذا الصدد، يشعر عدد من القادة الأكراد بالقلق من تكرار الطعنة الأمريكية لهم وأن تتركهم دون دعم.
وأبرز ما يرتكز عليه الأكراد في هذا التحليل هو التاريخ المتكرر من الخذلان الأمريكي لهم، حيث يعود تاريخ ذلك الخذلان إلى عامي 1975 و1991، حيث دعمت الولايات المتحدة الأمريكية انتفاضة وتمرد الأكراد في العراق، لكنها تخلّت عنهم في اللحظات الحاسمة الأمر الذي سبب هزيمة كبيرة للأكراد حينها.
أكثر من ذلك؛ تأتي تصريحات بارزاني حول احتمال قيام الأكراد العراقيين بمراجعة العلاقات مع الولايات المتحدة ورغبتهم في المزيد من التقارب مع موسكو بعد فشل استفتاء 25 سبتمبر، الأمر الذي سيدفع أكراد سوريا لسوء الظن بأمريكا، وخصوصاً فيما يتعلق باستراتيجية واشنطن حيال مستقبل سوريا.
الروس وحسب خبراء باتوا مدركين تماماً للمخاوف الكردية، وفي سبيل التقارب معهم؛ أرسلت موسكو وخلال الشهر الماضي عدّة رسائل للأكراد مفادها أنّه بإمكان الروس أن يكون أصدقاءً جيدين وموثوقين على خلاف واشنطن، وفي إشارة على حسن النيّة الروسية اتجاه الأكراد يأتي إصرار موسكو على ضرورة تمثيل الأكراد في مؤتمر الحوار الوطني السوري المقبل في سوتشي.
أكثر من ذلك، يأتي الدعم العسكري الروسي للأكراد السوريين بمثابة رسالة للأمريكيين مفادها أنّ موسكو حليفةً للأكراد أيضاً، ولا نيّة للكرد بطلب الدعم المستمر من الأمريكيين.
وعلى هذا الأساس؛ ومع وجود التنافس الكبير بين موسكو وواشنطن على تثبيت النفوذ بمنطقة غرب آسيا؛ فإنّ موسكو تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال بناء جسور الثقة مع الأكراد وتوحيدهم في سوريا والعراق تحت رايتها.
إخراج أمريكا من سوريا
الكثير من المحللين باتوا على يقين أنّ النظام الإقليمي في غرب آسيا سيتشكل من خلال النفوذ في سوريا، وبناءً عليه فإنّ روسيا ومن خلال تقوية علاقاتها بالأكراد السوريين تهدف إلى تحقيق هزيمة استراتيجية للولايات المتحدة في سياق تطورات الأزمة السورية.
الكرد بدورهم يرون أنّ تحالفهم مع روسيا قد ينتهي بمنطقةِ حكمٍ ذاتي في شمال سوريا ضمن نظام اتحادي سوري، وفي سبيل ذلك قد يسعى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى إنشاء تحالف استراتيجي مع الروس.
وبناءً عليه؛ أدرك الأكراد السوريون أن مستقبل التطورات السورية ليس في جنيف، أو من قبل الحكومات الغربية والعربية، ولكن سيتشكل ذلك المستقبل من اجتماعات (إيران وروسيا وتركيا).
الضغط على تركيا
هدف آخر للدعم الروسي للأكراد وتحالفها معهم واقترابها منهم؛ يتمحور حول ممارسة المزيد من الضغط على أنقرة، فعلى الرغم من التعاون الروسي التركي الملحوظ خلال العام الماضي فيما يخصّ الأزمة السورية؛ إلا أن العديد من الخلافات بين الجانبين ما تزال دون حل.
ومن أبرز نقاط الاختلاف تلك اتهام موسكو لأنقرة عدّة مرّات بأنّ أعمال الجيش التركي في سوريا تجاوزت الاتفاق بين أنقرة وموسكو وطهران، ويأتي تحالف موسكو مع الكرد بمثابة ممارسة الضغط على الأتراك بطريقة أو بأخرى.
وحالياً يحاول الرئيس التركي أردوغان وبشكل كبير إيجاد أرضية ملائمة من أجل توجيه ضربة عسكرية “للكانتون” الكردي في عفرين شمال غرب سوريا، وإنهاء حلم الأكراد السوريين بالوصول إلى مياه البحر المتوسط.. وإلى الأبد.
وبناءً عليه؛ فإن الإعلان عن التعاون العسكري الروسي مع الأكراد السوريين يُشكّل رسالةً واضحة إلى تركيا بأنّ موسكو لم تطالب بالهجوم على المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد السوريين، كما أنها تعارض أيّ نوعٍ من التدخل العسكري التركي في شمال سوريا.
المصدر / الوقت