ركائز استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في عهد ترامب .. من الإنطوائية الى المواجهة
عندما كان مستشار الامن القومي الامريكي الامريكي الجنرال ماك ماستر يقف الى جانب نظيره البريطاني في 12 ديسمبر ، قام بشرح أهم أبعاد و زوايا العقيدة الامنية الجديدة في امريكا والتي اشتملت على 4 ركائز هي : حماية الشعب الامريكي وتطوير الرفاهية في امريكا والحفاظ على السلام بالقوة وبسط النفوذ الامريكي، ومن المقرر ايضا ان يعلن ترامب ايضا خلال الايام القادمة (18 ديسمبر) وثيقة استراتيجية الأمن القومي الامريكي، وقد ضاعف اداء ترامب العجيب داخليا وخارجيا، أهمية اعلان استراتيجية الامن القومي في هذا البلد والتي تشمل المصالح، والتهديدات، ومصادر الخطر وأساليب الوقاية من الاخطار ومواجهتها.
ویقول ماک ماستر ان هذه الوثيقة الاستراتيجية تعتبر روسيا والصين ومن ثم كوريا الشمالية وايران، اهم الاخطار التي تهدد المصالح القومية الامريكية والمكانة الريادية لامريكا في العالم، و قد اتهم ماستر روسيا بأنها تشن الان “حربا من الجيل الجديد” ضد امريكا، و في هذا السياق اشار الى تقييم الاجهزة الامنية الامريكية حول سعي موسكو للتدخل في انتخابات الرئاسة الامريكية عام 2016 وتقسيم المجتمعات في العالم عبر النشاطات السايبيرية المعقدة جدا.
كما انتقد مستشار الامن القومي الامريكي الصين بسبب ما اسماه “العدوان الاقتصادي”، وقد قال ماك ماستر ان الصين تتحدى النظام الاقتصادي المبني على القوانين وتتسبب بأن يرزح مئات الملايين من الاشخاص في العالم تحت الفقر.
وفي نفس الوقت طلب ماك ماستر من الصين ان تقوم بعمل اكبر فيما يخص الأزمة النووية لكوريا الشمالية قائلا ان هذا الانذار يمكن ان يكون أفضل فرصة والاخيرة لمنع حدوث مواجهة عسكرية.
وفيما يتعلق بايران وعد ماك ماستر ان الاسستراتيجية الامريكية الجديدة ترمي الى المواجهة مع طهران في سوريا و في كل الشرق الاوسط، وفي نفس الوقت اغلاق كل طرق حصول ايران على السلاح النووي.
“امريكا اولا” .. سياسة إنطوائية
التأكيد على اعطاء الأولوية لأمريكا كان من اهم الشعارات الانتخابية لترامب وبعبارة اخرى كان اساس برامج عهده الرئاسي، واذا قارننا هذه الاسترتيجية مع وثائق الامن القومي للرؤساء الامريكيين السابقين مثل استراتيجية 2015 لاوباما الذي تمحور حول التغيير المناخي، او استراتيجية جورج بوش التي الزمت امريكا بتحرير المجتمعات و دعم ارساء الديمقراطية وحقوق الانسان، نجد ان الخطوط الرئيسية لاستراتيجية ترامب المعلنة هي ابتعاد امريكا عن القضايا المتعلقة بالامن العالمي وبسط السلام ونشر الديمقراطية لباقي الدول، وفي المقابل التأكيد على تطوير الرفاهية وأمن الشعب الامريكي وتوسيع النفوذ الامريكي في العالم، ولذلك يمكن تلخيص الاستراتيجية الامريكية الجديدة بشكل عام بأن واشنطن في عهد ترامب دخلت الى حقبة من الإنطوائية يجب فيها الحفاظ على الرفاهية الامريكية وليس تنميتها وكذلك اعتبار الاقتصاديات الأجنية كمنافسين وليس شركاء، ولذلك يبدو ان امريكا ترامب تميل بشكل اكبر الى حفظ الموروث بدلا عن خلق فرص للتعاون مع الآخرين في المستقبل.
اما اوروبا التي تعتبر الحليف الرئيسي لأمريكا فقد بادرت الى معارضة سياسات ترامب الأحادية في قضايا مثل الخروج من معاهدة باريس المناخية وقضية الاتفاق النووي مع ايران، واعلان نقل السفارة الى القدس وغيرها من المسائل وهذا سيزيد من العزلة الامريكية في العالم، ولذلك يجب القول ان ترامب هو اكبر مانع امام انتشار النفوذ الامريكي في العالم.
المواجهة من اجل الحفاظ على المكانة
لقد اثبت اعلان المبادئ العامة لاستراتيجية الامن الامريكي مرة اخرى قلق قادة البيت الأبيض من مكانة امريكا الهشة كقوة عظمى تقود العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار نظام القطبين في العالم، والحقيقة هي ان تراجع الدور والتأثير الامريكي على مجريات القضايا الدولية الهامة يتزامن مع ظهور قوى عالمية جديدة مثل الصين وروسيا واوروبا المتحدة كمنافسين لواشنطن، وتتحدى الصين بشكل اكبر من غيرها الهيمنة الامريكية على النظام الدولي نظرا لإتباع بكين سياسة متسارعة للنمو الاقتصادي وتعزيز قدراتها العسكرية، ولذلك قال ماك ماستر مشيرا الى موسكو وبكين “في السنوات الاخيرة وباشكال مختلفة، أخلينا ساحة التنافس وأوجدنا الفرص لهذه القوى المتصاعدة” ، ويمكن القول ان كلام ماك ماستر يشير بالتحديد الى سحب العسكريين الامريكيين من العراق وافغانستان بالتوازي مع عدم تلبية توقعات الحلفاء الاقليميين لأمريكا للقيام بدور مباشر في أزمات مثل سوريا واوكرانيا ما ادى الى تعاظم قدرات روسيا ونفوذها في الشرق الاوسط وشرق أوروبا.
ومن الممكن القول ايضا ان انتقاد ماك ماستر لعهد اوباما بسبب عدم انتهاج المواجهة الجدية مع الصين في المجال الاقتصادي والتوسع الصيني في شرق آسيا وتهديد بكين لحلفاء امريكا في هذه المنطقة، وكذلك توقيع الاتفاق النووي مع ايران وعدم التصدي “الجدي” لطهران كما يحلو لتل أبيب والرياض في عهد اوباما، هي من ضمن الفرص التي يعتبر ماك ماستر ان امريكا قد وفرتها لمنافسيها.
المصدر / الوقت