التوافق الوطني اللبناني في ظل التحديات الداخلية والخارجية
لا يمكن لأحد ألا يلاحظ الفرق الكبير الذي أحدثه قدوم الجنرال ميشال عون إلى سدة الحكم في لبنان؛ وكيف أن هذا الرئيس استطاع عبر حكمته وخبرته وذكائه توحيد أطراف النزاع اللبناني وجمعهم حول طاولة واحدة، مُدخلا لبنان عصرا جديدا بدأت نتائجه تتبلور في الداخل والخارج، ليجعل عون من بلاده خلال عام واحد رقما صعبا لايمكن تجاوزه في مجريات الأحداث التي تدور رحاها الآن في الشرق الاوسط، وبالطبع ساعد في هذا الأمر قوى سياسية أخرى تملك روحا وطنية عززت معها “التوافق الوطني اللبناني” وجعلته يمتد إلى شرائح واسعة داخل الأحزاب والقوى اللبنانية.
لبنان اليوم ليس كما كان في الأمس؛ إذ نحن اليوم أمام بلدٍ أكثر صلابة وأكثر انتظام في مؤسساته الحكومية وسلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويمتلك جيش وطني أثبت للجميع أنه قادر على تحقيق الانتصارات وجرود عرسال مثال حي على ذلك، ويملك هذا الجيش ما يكفي من القدرات البشرية والارادة والعزيمة التي تنبع من القدرة اللبنانية على المواجهة وتحقيق النصر في أحلك الظروف.
كل هذه الانجازات وغيرها جاءت نتيجة طبيعية للتوافق الوطني اللبناني، هذا التوافق الذي بدا يخطو خطوات فعالة وقوية وعملية تجاوزت كل المراحل السابقة، ولكن منسوب هذا التوافق غير مقنع حتى الآن لأن التحديات التي تتربص بلبنان في ظل الطروف الإقليمية كبيرة جداً، ومع ذلك ما تقوم به الحكومة اللبنانية ورئاسة الجمهورية والبرلمان خلال الفترة الحالية يبشر بالخير ويساعد كثيرا في درء أكبر قدر ممكن من المخاطر التي تستهدف وحدة لبنان واللبنانيين وعودة الحريري مثال يحتذى به حول كيفية الدفاع عن وحدة لبنان على المستويين الشعبي والرسمي.
لبنان مع عون أقوى بكثير
لبنان مع عون أقوى بكثير
ونظرا لأهمية التجربة الوطنية التي شهدها لبنان خلال العام الماضي وكيف أدى التوافق الوطني إلى منع تقسيم لبنان وساعد في تضميد جراحه، كان لابد من ذكر بعض الانجازات اللبنانية في ظل هذا التوافق الوطني:
أولاً: إنجازات داخلية
1- لبنان دولة نفطيّة. لطالما كان موضوع النفط معطّل لفترات طويلة بسبب غياب التوافق الوطني، إلا أن حكومة الرئيس سعد الحريري ووصول الرئيس عون إلى سدة الرئاسة شكّل أرضية مناسبة للانجازات المتتالية، وحول موضوع النفط يمكننا الإضاءة على ماجاء في جلسة الحكومة يوم الخميس الماضي حيث أقرت منح رخصتين بتروليتين حصريتين لشركتين للتنقيب عن النفط في الشمال والجنوب. وبذلك يكون لبنان قد خطا أولى خطواته للدخول في نادي الدول النفطية.
2- اقرار الميزانية العامة بعد غياب دام لمدة 12 سنة، وتم ذلك في 21 تشرين الأول في مجلس النواب ورغم الاخذ والرد والمشاحنات السياسية اقر مجلس النواب موازنة العام 2017، في خطوة مهمة تعتبر خطوة تأسيسية لعودة الانتظام المالي في لبنان.
3- تحديد موعد الانتخابات البرلمانية
بعد انتظار طويل أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية، يوم أمس الجمعة، أن الانتخابات البرلمانية في البلاد ستكون يوم 6 مايو المقبل، وقال بيان من مكتب وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، إن “اللبنانيين في الخارج سيدلون بأصواتهم يومي 22 و28 أبريل المقبل”،ومن ميزات هذه الانتخابات أنها ستخفف من حالة الانقسامات السياسية التي شهدها لبنان على مدى السنوات الماضية.
4- تحرير الجرود، فلولا وجود إجماع وطني لما كان هذا الانتصار الساحق الذي أعاد للجيش اللبناني مكانته وهيبته، وكان لطرد الارهابيين من جرود عرسال نتائج ايجابية على الداخل اللبناني والسوري، حيث عادت الحياة الى معبر جوسيه الحدودي والذي يربط محافظتي الهرمل اللبنانية وحمص السورية، بعد أن أعيد افتتاحه يوم الخميس الماضي.
ثانياً: انجازات لبنان في الخارج
1- الانتصار على المشروع السعودي في احتجاز الرئيس سعد الحريري، حيث تمكن الرئيس اللبناني ميشال عون وبدعم شعبي ورسمي منقطع النظير من إعادة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بلاده واسقاط المشروع السعودي الذي كان يرمي لإيجاد خلل في تركيبة لبنان الداخلية وإحداث نزاعات بين أفراد الشعب الواحد.
2- تحسن العلاقات على الصعيد الخارجي، فقد عادت مكانة لبنان الخارجية عادت إلى عهوها الذهبية، واليوم نجد لبنان حاضرا في جميع المؤتمرات والقمم العربية والاسلامية بل أكثر من ذلك يعلن على الملأ مواقفه الشجاعة تجاه قضايا الأمة والتي كان آخرها قضية القدس التي انتجت اجماعاً لبنانياً قل نظيره في أي ملف داخلي أو خارجي آخر.
الجيش اللبناني؛ مصنع الأبطال
الجيش اللبناني؛ مصنع الأبطال
ثالثاً: انجازات منتظرة
1- الجميع اليوم في لبنان ينتظر وعد الرئيس عون بإلغاء منطق المحاصصة، حيث ارتبطت معظم التعيينات بتوزيع حصص بين الفرقاء السياسيين، بدلا من الاعتماد على منطق الكفاءة فقط.
2- مكافحة الفساد التي وعد بها عون أحد أهم ما ينتظره اللبنانيون اليوم.
في الختام؛ ما قام به لبنان خلال العام الماضي في ظل توافقه الوطني كان مليئا بالأحداث والتحديات التي تجاوز لبنان معظمها ولكن يجب ألا ننكر بأنه لاتزال هناك عدة أمور عالقة في “حبال الهواء” كمسألة الفساد في الادارات العامة وغيرها من الأمور التي من الممكن معالجتها في حال استمرت هذه التجربة اللبنانية والتي كان للشعب والدولة يد كبيرة في إنجاحها.
المصدر / الوقت