المساعدات السعودية لتحالف G5 .. الأهداف والسياسات
في الاسبوع الماضي طلب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من المملكة العربية السعودية، المشاركة في تمويل القوة العسكرية المشتركة للدول الافريقية الخمس بما فيها موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر.
وجاء هذا الطلب من أجل مساعدة هذه القوات لمواصلة مكافحة الإرهاب في المنطقة الساحلية لأفريقيا. وتغطي المنطقة الساحلية من الغرب الى الشرق، أجزاء من شمال السنغال وجنوب موريتانيا ومركز مالي وجنوب الجزيرة والنيجر ومركز تشاد وجنوب السودان وشمال السودان وإريتريا.
وتجاوبا مع هذا الطلب، تعهدت الرياض بتقديم مبلغ 100 میلیون دولار امريكي بهدف تسريع وتيرة مبادرة إنشاء وحدة عسكرية مكونة من قوات الدول الخمس الساحلية والتي تُسمى بـ “G5 Sahel” وذلك في ختام اجتماع دولي في ضواحي باريس. كما وعدت الإمارات العربية المتحدة بالمساهمة بمبلغ 30 مليون دولار في هذا المشروع.
وتهدف المبادرة الى توسيع مكافحة الارهاب وانهاء التحديات الامنية والسياسية في الدول الساحلية في افريقيا حيث شهدت دول هذه المنطقة توسع عدم الاستقرار وتقوية الجماعات المسلحة والمتطرفة على مدى السنوات الماضية.
غايات السعودية الرئيسية
على مدى العقود الماضية، تشوهت صورة المملكة العربية السعودية عند المؤسسات والمنظمات الدولية والرأي العام حيث ساد الرأي على ان المملكة هي الطرف الرئيسي في دعم التطرف في المنطقة بسبب نوع الاستبداد الملكي في المملكة العربية، فضلا عن دعمها لأيديولوجية الوهابية العنيفة والدموية، وخاصة بعد ظهور تنظيم داعش وانعدام الأمن الذي خلقه التنظيم للدول الأوروبية.
وأدى هذا الأمر، إلى جانب الضغوط والانتقادات التي وجّهتها الحكومات الغربية عن وضعية حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية والدعم السعودي للمجاميع الوهابية التكفيرية، بدفع الجيل الجديد من الحكام السعوديين، الذي يتمحور على ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان، أن يقدم صورة متواضعة للمملكة العربية السعودية على الصعيد الدولي من خلال سلسلة من الإجراءات مثل الإصلاح الاقتصادي، بما في ذلك مكافحة فساد اسرة آل سعود والمساعي الرامية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، فضلا عن الإصلاحات الاجتماعية ومكافحة التطرف الديني. ولذلك، فإن تقديم المساعدات المالية لمكافحة الإرهاب هي ليست سوى خطوة لتحسين مكانة النظام السعودي على الساحة الدولية، ولا سيما عند الدول الغربية.
ومن ناحية أخرى، تشعر المملكة العربية السعودية بقلق كبير إزاء توسع نفوذ إيران على الصعيدين الإقليمي والدولي. فالسعوديون الذين شاهدوا تأرجح كفة ميزان القوى في المنطقة لصالح محور المقاومة وتعزيز قوتها الاقليمية بعد ظهور ما يسمى بالربيع العربي وايضا ضُعف قدرة السعودية، يحاولون بكل ما لديهم من جهود لمنع توسيع خطاب الثورة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية الأفريقية، وكذلك يحاولون تقريب هذه المجتمعات اليهم. ومن هنا، تعتبر الرياض الدعم المالي لحكومات الدول الفقيرة أداة جيدة لهذا الغرض.
وعلى مدى السنوات الماضية، سعت جمهورية إيران الإسلامية الى زيادة القدرة الدبلوماسية السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية مع دول غرب أفريقيا باستخدام الخط الدبلوماسي.
وفي السياق نفسه، كتبت صحيفة بلومبرغ في مقال لها حول تأثير إيران في منطقة غرب أفريقيا، نقلا عن المتحدث باسم البنتاغون “كريستوفر شيروود”، الذي كتب أن واشنطن تراقب الأنشطة الإيرانية في نيجيريا وغرب أفريقيا، ومن ناحية أخرى، فإن المملكة العربية السعودية قلقة من العلاقة بين إيران والدول الأفريقية وايضا من زيادة شعبية الجمهورية الاسلامية في نيجيريا.
ومن ناحية أخرى، وتماشيا مع النهج القائم على الحد من التأثير العسكري والمعنوي الإيراني على المستوى الإقليمي، نرى أن المملكة العربية السعودية، على الرغم من نقص الميزانية والعجز المالي لديها، الّا انها استجابت لدعوة الحكومة الفرنسية الجديدة التي انتقدت خلال الأشهر الماضية الانشطة الصاروخية لإيران ومحاولاتها لخلق توترات وتوسيع نفوذها في المنطقة حسب مزاعمها.
الغايات السعودية الأخرى
وكما ذكر آنفا، فإن المملكة العربية السعودية قد تعرضت للإنتقادات مرارا وتكرارا من قبل شخصيات وحكومات إقليمية ودولية، خاصة خلال السنوات القليلة الماضية ، بسبب إتخاذها استراتيجية لخلق حالة من عدم الاستقرار وانعدام الأمن في المنطقة وجعلها ساحة صراع.
وفي الآونة الأخيرة، كتبت صحيفة “شيكاغو تريبيون” في مقال حاد ونقدي: ” ان السعودية استخدمت سلاح الجوع للضغط على الشعب اليمني، كذلك أغلق السعوديون المطار اليمن الدولي في صنعاء والطريق البحري للبحر الأحمر لقطع الطريق امام تقديم مساعدات للشعب اليمني “.
وقال انطونيو غوتيريس الامين العام للأمم المتحدة الاسبوع الماضي في مقابلة مع قناة “سي ان ان” الاخبارية: “اعتقد ان هذه الحرب (اليمن) حمقاء وتتعارض مع مصالح السعودية والامارات العربية المتحدة”.
ولكن ربما أهم الإنتقادات على الحرب اليمنية كانت من قبل أكبر حليف غربي للسعودية؛ الولايات المتحدة، حيث دعا وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الأسبوع الماضي على هامش قمة باريس، المملكة العربية السعودية على العمل بشكل أكثر عقلانية في المنطقة ومع جيرانها.
وفي اشارة الى الحصار الذى فرضته السعودية على قطر، والحرب المفروضة على اليمن وايضا فيما يخص الشأن اللبناني، حث تيلرسون الرياض الى تقييم ادائها في المنطقة والبحث في نتائج سلكياتها. وفي هذا السياق، يأمل السعوديون من مساعدة ودعم منظمات مثل G5 في منطقة الساحل للحد من حجم هذه الانتقادات.
ومن ناحية أخرى وعلى الرغم من الظروف الراهنة، تحتاج المملكة العربية السعودية بقوة إلى كسب أصوات الدول الأعضاء في القضايا المرفوعة ضدها على الصعيد الدولي، فضلا عن مساعيها للنهوض بأهدافها وسياساتها في المنظمات الدولية والإقليمية.
لذلك فان المساعدات المالية التي تقدمها السعودية للحكومات الأفريقية يمكن أن تَظهر في المستقبل في إطار دعم هذه الدول لمواقف السعودية في المؤسسات والمنظمات الدولية.
المصدر / الوقت