الجزائريون: سلمان وترامب وجهان لعملة واحدة.. والسعوديون: الجزائريون عارٌ على الإنسانية
ما إن تستفيق السلطات الحاكمة في الرياض من صدمة؛ حتى تتعرض لصدمة أخرى أصعب وأشدُّ مضاضة، أو ربما وإن صحَّ التعبير تزداد هزائمها هزيمةً أخرى، فمن الأردن التي اتهم شعبها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتسليم القدس لإسرائيل، إلى رفع شعارات مناهضة لآل سعود في كل من الضفّة الغربية وقطاع غزّة.
هزيمة جديدة
آخر هذه الهزائم التي تعرضت لها السعودية أتت هذه المرة من الشعب الجزائري، الذي اختار أن يُعرّي الحقيقة على طريقته، ليقوم برفع “بوستر” يتضمن صورةً لنصف وجه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والنصف الآخر لنصف وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي الخلفية صورة للمسجد الأقصى، وكتب مُصمم البوستر: “وجهان لعملةٍ واحدة”.
وقالت تقارير إعلامية إنّ المشجعين الجزائريين لمبارةٍ أُقيمت في استاد “عين مليلة” الواقعة شرق الجزائر ومن خلال رفع هذا الشعار أرادوا توجيه رسالتين، الأول إلى الرئيس الأمريكي والملك السعودي مفادها أنّهم لن يعترفوا بالقدس عاصمةً لإسرائيل كما اعترف بها ترامب وسلمان، والثانية للفلسطينيين والشارع العربي والإسلامي؛ ومفادها أنّ الجزائريون يقفون مع الفلسطينيين برفض القرار الأمريكي، وأنّهم لن يعترفوا بالقدس إلا عاصمة لفلسطين، كما ويأتي رفع هذا البوستر في إطار نصرة القدس، وضمن حملة التنديد الجارية بالجزائر ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإعلانه القدس المحتلة عاصمة للكيان الإسرائيلي.
الشعب الجزائري بدوره تناقل هذه الصورة بشكلٍ واسع على مواقع التواصل الإجتماعي، الأمر الذي رأى فيه مراقبون مناصرةً منهم لفحوى الصورة، ومن ناحيةٍ أخرى تسائل المراقبون عن ردّة الفعل السعودية المحتملة، وهل ستشكل هذه الصورة أزمة دبلوماسية بين الجزائر والرياض.
خلافات عميقة
الخلافات الجزائرية السعودية ليست وليدة اللحظة، إنما مرّت بمراحل من التطور وصلت بها إلى هذه الحالة، وربما ستكون أكبر في المستقبل بحسب مراقبين، فالجزائريون يرون في “العشرية السوداء” التي ضربت الجزائر عملاً سعودياً خالصاً، موّلته المخابرات السعودية شأنها بذلك شأن “الأفغان العرب”، حيث عاشت الجزائر عقداً كاملاً من التفجيرات الإرهابية، وحملت جميعها بصمات السلفية الجهادية.
أكثر من ذلك؛ فإنّ انتهاج الرياض سياسةً مناوئة للجزائر فيما يخصُّ قضية الصحراء الغربيّة، عبّأ الجزائريين ضد المملكة السعودية، ومن جهةٍ أخرى فإنّ اهتمام السعودية المفاجئ بالقضية الصحراوية في الاجتماع الذي جمع قادة الدول العربية المُطلّة على الخليج الفارسي مع الرئيس الأمريكي وطرح السعودية لتلك القضيّة اعتبرته الجزائر تدخلاً في الشؤون الداخلية، ودخول الملف – القضية الصحرواية- مرحلة جديدة وخطيرة، من الممكن أن يؤدي إلى إضعاف الموقف الجزائري أمام نظيره المغربي بحسب مراقبين.
اليمن هي الأخرى كانت حاضرة في خلافات البلدين؛ حيث رفضت الجزائر المشاركة في العدوان السعودي على اليمن في مارس من العام 2015، لتكون بذلك أول بلد عربي يعلن صراحة رفضه للعملية العسكرية السعودية، وحينها أكد وزير الشؤون الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، أن الجزائر لديها موقف سياسي، وجيشها يحارب داخل أراضيها فقط.
خلافات البلدين أخذت بالتطور أكثر وأكثر بعدد أن رفضت الجزائر المشاركة في “التحالف الإسلامي” الذي أعلنت عنه السعودية والذي تشارك فيه 35 دولة إسلامية لمحاربة الإرهاب، حيث أكدت الجزائر على أنّها لا تُريد المغامرة بالانضمام إلى “تحالف مزاجي” لمحاربة ما يسمى الإرهاب، مؤكدة على أنها عانت من الإرهاب العابر للحدود لأكثر من 20 سنة، مطالبةً بتعريف موحد للإرهاب أولاً وقبل أي تحرك من أي جهة كانت.
سوريا.. الشعرة التي قصمت ظهر البعير
سوريا ومنذ بداية أزمتها في العام 2011، كانت مثار جدلٍ كبير بين الجزائر من جهة، وبين الدول المؤيدة للمعارضة من جهةٍ أخرى، حيث رفضت الجزائر مراراً أي تدخل في الأزمة السورية مستندةً بذلك على دستورها الذي يرفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، الأمر الذي اعتبرته السعودية تحديّاً مباشرا لها.
كما وواضبت الجزائر ومنذ بداية الأزمة السورية على دعوة كافة الأطراف السورية إلى تسوية سياسية لإيجاد مخرج لتلك الأزمة، رافضةً أيّ تدخل عسكري في بلد ذي سيادة، وتَبِعَ التصريحات الجزائرية تلك؛ رفض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقبال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي اكتفى بلقاء نظيره رمطان لعمامرة حينها، في حين استقبل بو تفليقة وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الأمر الذي اعتبرته السعودية دعماً للرئيس السوري وحكومته في مقابل السعودية التي تسعى للإطاحة به.
وفي السياق ذاته.. عارضت الجزائر ومنذ بداية الأزمة السورية تنصيب أحد المعارضين كبديلاً لممثل الحكومة السورية في الجامعة العربية، الأمر الذي ردّه مراقبون إلى أنّ الجزائر تدعم الحكومة السورية، مع رفض تام للسياسات الخليجية في سوريا، بالإضافة لدعمها استقلال القرار الوطني في سوريا وجهودها في مواجهة الإرهاب.
ما يزعج السعودية حسب ما يؤكد المراقبون أنّ المواقف السورية والجزائرية كانت متطابقة في الكثير من القضايا خاصة فيما يخصُّ القضية الفلسطينية، وذلك بعكس المواقف السعودية، ومن جهةٍ أخرى فإنّ موقف سوريا والجزائر الرافض للحرب السعودية على اليمن التي دخلت عامها الثاني وأودت بحياة الآلاف هناك.
الجزائريون عارٌ على الإنسانية
“لنا الفخر أنّ يشتمنا هؤلاء فهم عار على الحضارة الانسانية” بهذه الكلمات وصف الكاتب السعودي في صحيفة الجزيرة محمد آل الشيخ في تغريدةٍ له الجزائريون مشيراً إلى أنّهم –أي الجزائريون- يفخرون بأنهم بلد المليون شهيد، أي أنهم يفاخرون بالأموات حسب قوله، مضيفاً: “أما احياؤهم فإما تجار مخدرات في أورربا أو إرهابيون ينشرون الدمار أينما حلوا”.
وتابع آل الشيخ: “لن تجد بؤرة إرهابية في أوربا عامة وفي فرنسا خاصة إلا وتجد جزائرياً من ضمن مكوناتها؛ وهذا دليل ما بعده دليل على فشل التنمية البشرية في الجزائر.. فساد عسكر الجزائر ونهبهم لوطنهم جعل هذه الدولة النفطية تعيسة متخلفة وبدلاً من أن يحاسبوا عسكرهم يشتمون المملكة ودول الخليج، لو فيكم خير لما اصبحتم أعظم شعوب أفريقيا التي تتسول في دول أوربا وعسكركم ينهبونكم”.
بدوره الصحافي والكاتب السعودي في صحيفة الرياض تركي الغامدي هاجم وبعبارات عنيفة الجزائريين من خلال تغريدة له في حسابه على تويتر: “مرتزقة الجزائر أمنوا العقوبة فأساؤوا الأدب مع رجل سخر جهده ووقته وماله لخدمة الإسلام والمسلمين”، وأضاف الغامدي: “سيظل الملك سلمان زعيماً للأمة الإسلامية وقاهر الإرهاب وأهله، وسيظل هؤلاء مرتزقة كل زمان ومكان” حسب قوله.
وتسائل الغامدي عن السبب الذي يدفع الجزائريين لشن حملة ضد السعودية، يقول الغامدي: “لماذا كل هذا الحقد على السعودية؟ كنت طفلاً صغيراً أيام حرب التحرير الجزائرية، ولكني أذكر كيف كان الدعم السعودي، حكومةً وشعباً لتلك الثورة.. فما المبرر لكل هذا الحقد؟ حقيقة لا أدري”.
عودٌ على بدء.. ليس من المستغرب أن لا يكون الجزائريون -وهم الذين عانوا الإرهاب لفترات طويلة- مع السعودية في خندقٍ واحد في دعم الإرهاب أينما وجد، ومن جهة أخرى من المستبعد على بلد المليون شهيد أن يكون مع السعودية وأمريكا في موقفهما من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وينتظر متابعون أن يُصعد الجزائريون من مواقفهم الرافضة لنقل سفارة واشنطن إلى القدس المحتلة، بالإضافة لتأكيدهم على الرفض الكامل للسياسات السعودية في المنطقة، وما رفع صورة “سلمان وترامب” إلا مرحلةً جديدة من تأزم العلاقات بين البلدين، وكشفٌ للنار المستعرة تحت الرماد.
المصدر / الوقت