الأردن: أبناء عبد العزيز ليسوا كأبنائهم!
أرخت القضيّة الفلسطينية بظلالها على العلاقات السعوديّة الأردنيّة. ورغم محاولة كلا الطرفين التجاوز عن نقاط الخلاف والتأكيد على متانة العلاقة، إعلاميّاً على أقلّ تقدير، إلا أن الواقع يشي بمعركة صامتة تتفادى التصعيد انطلاقاً من سياسة “ضبط النفس” الأردنيّة.
وبعد التظاهرات التي شهدها الأردن عقب قرار ترامب حول القدس للدفاع عن أولى القبلتين والتي تضمّنت تنديداً من الشعب الأردني بمواقف الملك سلمان الأمر الذي أغضب السفير السعودي في الأردن، برز خلاف آخر يتعلّق بالوصاية الأردنية على القدس حيث حاول الوفد السعودي تجاهل الوصاية الأردنية، ما دفع ببعض وسائل الإعلام الأردنيّة للقول إن التنازلات التي يقدمها حلفاء متهورين لم تعد سياسة عمّان المعتدلة تطيقها، في إشارة الى التقارب السعودي الاسرائيلي.
هذه الخلافات، وما سبقها من إشارات “سيئة” تجاه الأدرن من ضمنها ما حصل في القمة الإسلامية في الرياض، عندما عمد الملك سلمان بعد همسة من قبل الأمير الشاب محمد بن سلمان إلى تصحيح عبارة الملك الأردني عبدالله الثاني الذي ينهي بها خطاباته التقليدية “والصلاة والسلام على النبي العربي الهاشمي”، والاكتفاء بالقول “العربي الأمين”، دفعت بالنخب الأردنية لتكرار سؤال لطالما تهرّبت عمّان من الإجابة عنه: هل علاقتنا مع “الشقيقة الكبرى” هي علاقة احترام وتقدير، أم الخضوع والتبعية؟
المسألة ليست خلافاً في توصيف النبي العربي الهاشمي الأمين، بل هي أبعد من ذلك بكثير، وبالتالي فإن الجانب الأردني لم يعد قادر على إقناع أي مواطن بحسن النوايا وضرورة “اللياقة والحرص” بسبب إدراكهم المسبق للحساسية المفرطة عند الشقيق السعودي، وإذا كانت هذه السياسة سارية مع أبناء عبد العزيز، فهي ليست كذلك مع أحفاده.
صراع الزعامة الدينية
منذ خروج الهاشميين من مكّة، وتكريس الدول السعوديّة القائمة، هناك صراع صامت بين الجانبين حول الشرعية الدينية على الصعيد العربي، صراع تسعى كل من تركيا بسبب أمجادها العثمانيّة، والأردن بسبب نسبها الهاشمي والسعودي بسبب موقعها الجغرافي حيث أم القرى والمدينة المنورة للظفر به.
الأردن ورغم خسارتها لزعامتها الهاشميّة في مكّة والمدينة، إلا أنها الوصي على المقدسات في فلسطين، وهو ما لم يرق للملوك السعوديين المتعاقبين، إلا أنّهم حاولوا إدارة هذا الصراع بنوع من الليونة والتروي الممزوج بدعم اقتصادي مشروط للمملكة الأردنية الهاشميّة، بعيداً عن التهوّر لاذي يقوده بن سلمان على أكثر من صعيد.
الجيل الجديد
اليوم، باتت المعادلة مختلفة تمام، فمن وجد في الملك سلمان، وأبناء الملك عبد العزيز بشكل عام، “أب له”، وفق الجواب الذي حصل عليه رئيس وزراء أردني سابق عندما تساءل عن برودة الجانب السعودي تجاه الأردن، بالتأكيد لا يجد في الشاب محمد بن سلمان المشرف على صفقة القرن أباً له، كونه يتعاطى في المضمون مع الأردن بطريقه تتشابه كثيراً في تعاطيه مع قطر واليمن ، وإن اختلف شكل التعاطي.
الأمير الشاب الذي أوعز باعتقال عمادة الاقتصاد الأردني، رجل الأعمال “صبيح المصري” يحاول تبرير أفعاله بأساليب لا تبدو مقنعة لأي مواطن سعودي فضلاً عن الأردني، يريد إقناع البعض أن الوصاية على القدس تحول دون منح القدس بعدا إسلاميا بغية تقديمه كوجبة جاهزة لترامب، تماماً كما يحاول اقناعنا بمحاربة الفساد وهو يشتري يخت ولوحة وبيت بقيمة تفوق المليار دولار أمريكي!
يمكن اخصار المشهد الأردني-السعودي بجملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: طالما أن الأردن لا تقف أمام طموحات بن سلمان، فالأخير لا يملك أي عداء شخصي تجاهها، وبالتالي لا بد للأردن من العبور على وصايتها على القدس كي لا تكون حجر عثرة أمام التفاهمات الاسرائيلية السعوديه المتعلقة بصفقة القرن. لا نعتقد أن الجانب الأردني سيلجأ إلى المواجهة المباشرة في أيام “الملك سلمان” حتى لو لجأ الجانب الفلسطيني إلى ذلك، فهناك إحراج وعجز واضح للسلطتين الأردنية والفلسطينية، ولكن الوضع سيختلف في عهد “ما بعد سلمان”.
ثانياً: يشير تاريخ الدبلوماسيّة الأردنية إلى سياسية التوازنات مع اطراف متضادة، إلا أنها كانت أقرب إلى السعودية في أغلب هذه الملفات، ولكن التوترات الأخيرة قد تدفع بالملك عبدالله الذي جلس إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القمة الإسلامية حول القدس إلا تغيير سياسته، ليس بالانضمام إلى المحور المقابل، بل بنفس السياسية مع ابتعاد أكبر من السعوديّة، وهو بطبيعة الحال تقارب أكبر مع الجهة المقابلة، تركيّة كانت أو سوريّة قطريّة كانت أوعراقيّة أو حتى إيرانيّة. طهرن، أنقرة، دمشق، بغداد والدوحة يمكن أن تشكل طوق نجاة للأردن إذا ما تخلّى عن ضبط النفس أمام التهوّر السعودي.
ثالثاً: يجهل الجانب السعودي، أو يتجاهل، أن الشعب الأردني وكذلك الأمر بالنسبة لأغلب المسؤولين الأردنيين، يمكن أن يسكتوا على موقف سياسي هنا أو هناك مقابل المساعدات، ولكن لا يقايض موقفه من القدس بالمساعدات. ومن هنا جاء اعتقال رجل الأعمال “صبيح المصري”، ووضع قائمة تتضمّن 20 رجل أعمال اردنيا مطلوبون للعدالة السعودية. مرحلة “الملك” محمد بن سلمان تختلف عن مرحلة الملك سلمان، فهناك الكثير من الأصوات الأردنية، الرسمية وغير الرسمية، ستنتقد التبعية السياسية للموقف السعودي، وبالتالي سيتم كسر هذا الخطّ الأحمر على الأردنيين، فلا حريّة رأي في هذا الموضوع نظراً لحساسيّة الأمر بالنسبة للمملكة، ولكن هناك إشارات تؤكد أن الكيل قد طفح والنار تحت الرماد يمكن أن تشتعل بأي لحظة.
يبدو أن الأردن قد بدأ بالرد الناعم على الإجراءات السعوديّة الأخيرة، تماماً كما فعل الجانب المصري سابقاً عندما دعم مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن، وهو ما تمثّل بمباركة مجلس النواب الأردني للجيش السوري انتصاره على تنظيم داعش الارهابي، فكيف سيكون الردّ.
المصدر / الوقت