أمريكا في آستانة “كش” وفي سوتشي “مات”
عقدت قبل أيام في العاصمة الكازاخية “آستانة” الجولة الثامنة من مفاوضات التسوية للأزمة السورية بمشاركة إيران وروسيا وتركيا وممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة بهدف التوصل إلى صيغة توافق سياسي تؤهلهم لوضع حد للأزمة السورية.
وتأتي هذه الاجتماعات بعد ست سنوات من النزاع وارقة الدماء في سوريا، بهدف إنهاء أكبر أزمة عالمية في القرن الحادي والعشرين.
في هذا الإطار أعلنت وزارة الخارجية الكازاخية في وقت سابق أن إيران وروسيا وتركيا وهي الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا تسعى في محادثات آستانة لتشكيل لجان تأخذ على عاتقها إطلاق سراح السجناء وتحرير المختطفين وتبادل جثث القتلى وتطهير الأراضي من الألغام والبحث عن المفقودين في الصراع السوري وتعزيز وقف إطلاق النار في هذا البلد. كما بحثت اجتماعات “آستانة” القضايا المتعلقة بمناطق خفض التوتر في سوريا وسبل تطهير الأماكن التاريخية المسجلة في “اليونسكو”.
وأكد البيان الختامي لاجتماع “آستانة” الثامن على اتفاق الأطراف المشاركة في الاجتماع على استمرار التعاون فيما بينها بهدف اجتثاث الجماعات الإرهابية المعلنة من قبل مجلس الأمن الدولي والوصول إلى حلول سياسية طبقاً لقرار مجلس الأمن المرقم 2254، وتمهيد الأرضية لعقد الحوار السوري – السوري في مدينة “سوتشي” الروسية في يومي 29 و30 يناير/كانون الثاني 2018.
أهمية اجتماع “آستانة 8” بعد فشل محادثات “جنيف 8”
انتهت في الأسبوع الماضي محادثات جنيف 8 لحل الأزمة السورية دون التوصل إلى نتيجة تذكر، كنظيراتها السابقات. وتعقد هذه المحادثات برعاية الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص في الأزمة السورية منذ اندلاعها في مطلع عام 2011. ولحد الآن لم تتمكن هذه الاجتماعات من التوصل إلى نتيجة لأسباب عديدة في مقدمتها الخلافات القائمة بين الجماعات المعارضة، وسيطرة الجماعات الإرهابية والتكفيرية على مساحات واسعة من الأراضي السورية وسعي الأطراف المتنازعة لتحقيق مكاسب ميدانية للتأثير على مسار المفاوضات من خلال وضع شروط مسبقة من قبل المعارضة قبل دخول المفاوضات.
وفي جنيف 8 كان من أبرز الأسباب التي أدت إلى فشل هذه المفاوضات هو وضع ما يعرف بـ”منصة الرياض” المدعومة من قبل السعودية شرطاً يتضمن الحوار حول المستقبل السياسي للرئيس السوري بشار الأسد وإصرارها على تنحيه عن السلطة، الأمر الذي قوبل بالرفض القاطع من قبل وفد الحكومة السورية وانسحابه بالتالي من المفاوضات.
ونظراً للتقدم الحاصل في مفاوضات “آستانة” يمكن القول بأن محور (إيران – روسيا – تركيا) قد أخذ زمام المبادرة من القوى الغربية التي كانت تلعب دوراً محورياً في محادثات جنيف.
ومما يعزز موقف محور (إيران – روسيا – تركيا) للمضي قدماً في محادثات (الحوار السوري – السوري) المقررة في “سوتشي”، دعم الدول الثلاث لسير مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة ومحاولة دفعها إلى الأمام طبقاً للتوافق الحاصل بين الطرفين السوريين “الحكومة والمعارضة”، الأمر الذي يؤكد أهمية محادثات “سوتشي” وهذه النقلة النوعية في سير المحادثات.
من ناحية أخرى كانت محادثات جنيف تقتصر على القضايا الكلية دون الخوض بالتفاصيل خلافاً لمفاوضات آستانة التي تبحث الأمور بشكل تفصيلي وبطريقة الخطوة خطوة كتوسيع مناطق خفض التوتر دون الخوض بالقضايا التي تتعلق بالدستور والانتقال السياسي وإنهاء الصراع في ليلة وضحاها، وذلك لغرض التوصل إلى توافق سياسي شامل في نهاية المطاف بمحورية إيران وروسيا وتركيا، ما منح هذه المحادثات أرجحية واضحة على محادثات جنيف.
الدور الروسي الذكي
بعد إعلان موسكو سحب قواتها من سوريا عقب مشاركتها الفعّالة في القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي في هذا البلد، استطاعت روسيا أن تلعب دوراً محورياً في التهيئة لمحادثات “سوريّة – سوريّة” في سوتشي، ما يشكل عامل ضغط على أمريكا لإجبارها على سحب قواتها المتواجدة بشكل غير قانوني في سوريا بحجة محاربة “داعش”.
من هذا المنطلق سعت روسيا لتحقيق هدفين أساسيين في محادثات “آستانة”؛ الأول: مشاركة كافة ممثلي الشعب السوري في محادثات “سوتشي” بشرط الاعتراف بسيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، والثاني: منع انتقال الجماعات الإرهابية من سوريا إلى دول أخرى.
وفي الوقت الحاضر يشكل أكراد سوريا المنضوين تحت حزب الاتحاد الديمقراطي المعروف اختصاراً باسم (PYD) الحليف الأبرز لأمريكا في الأزمة السورية، وبهدف إنهاء أي دور لواشنطن في صياغة المستقبل السياسي لسوريا، سعت موسكو لإقناع ممثلي الاكراد السوريين بالمشاركة في محادثات “سوتشي”. ونظراً لمعارضة تركيا الشديدة لهذه المشاركة سعت موسكو أيضاً لإقناع أنقرة بالقبول بهذا الأمر، وذلك من خلال تقديم ضمانات بحصر المشاركة بممثلي الاكراد الذين لاتربطهم علاقات مع حزب العمال الكردستاني “PKK” المحظور في تركيا في هذه المحادثات.
أخيراً يمكن التأكيد على أن الجولة الثامنة من محادثات “آستانة” وكسابقاتها تمكنت من تقريب وجهات النظر بين القوى المشاركة في هذه المحادثات حول المواضيع المطروحة، وحصر أمريكا في زاوية حرجة من خلال تجريدها من أي مبرر لمواصلة تواجد قواتها في الأراضي السورية.
المصدر / الوقت