تظاهرات إقليم كردستان العراق.. الخفايا والتداعيات
الوقت – يشهد إقليم كردستان العراق منذ أيام تظاهرات شعبية غاضبة احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الإقليم.
ويصف المراقبون هذه التظاهرات بأنها تخطت مرحلة الاحتجاج لتتحول إلى ثورة واسعة النطاق لايمكن التكهن بنتائجها بشكل دقيق، بانتظار أن تكشف الأيام القادمة ما ستؤول إليه، في حين يعتقد المتابعون بأنها جاءت تعبيراً عن الرفض القاطع للضغوط التي يتعرض لها سكّان الإقليم نتيجة السياسات الخاطئة لمسؤوليه على أكثر من صعيد.
ويبدو أن هذه التظاهرات لم تنطلق دون تخطيط مسبق خصوصاً وأن المتظاهرين استهدفوا مقار ومكاتب الأحزاب الرئيسية في الإقليم لاسيّما “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”حزب الاتحاد الوطني الكردستاني” وحركة التغيير “كوران” و”الجماعة الإسلامية”.
وأدت هذه الاضطرابات إلى مصرع وجرح العشرات من المتظاهرين نتيجة استخدام القوة المفرطة من قبل الأجهزة الأمنية في الإقليم، فيما سارع العديد من المسؤولين هناك إلى إعلان استقالاتهم من مناصبهم بينهم رئيس البرلمان “یوسف محمد” في محاولة لامتصاص نقمة المتظاهرين.
ويبدو أن “استفتاء الانفصال” الذي أجراه الإقليم في 25 أيلول/سبتمبر الماضي والذي واجه رفضاً قاطعاً من الحكومة العراقية والمحكمة الاتحادية العليا ودول الجوار والمجتمع الدولي قد ساهم بشكل كبير في اندلاع هذه التظاهرات لاعتقاد الكثير من سكّان الإقليم والعديد من أحزابه وحركاته بأن هذا الاستفتاء لم يكن ضرورياً ولا مجدياً بالمرّة، خصوصاً بعد أن قررت الحكومة الاتحادية استعادة المناطق “المتنازع عليها” لاسيّما محافظة “كركوك” الغنيّة بالنفط.
فما الذي يمكن استنتاجه من هذه التظاهرات التي ضيّقت الخناق على مسؤولي الإقليم الذين أساءوا استخدام السلطة لتنمية ثرواتهم الشخصية على حساب مصالح سكّان الإقليم. وقد أطلق الكثير من المراقبين اسم “الربيع الكردي” على هذه التظاهرات تشبيهاً لها بـ”الربيع العربي” الذي أطاح بعدد من الأنظمة العربية في المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية.
خلفيات وتداعيات التظاهرات
1 – رفض سكّان الإقليم لهيمنة وتسلط أسرة “مسعود بارزاني” والمقربين منها على مقاليد الأمور في الإقليم، إلى درجة باتت معها الأكثرية غير مستعدة لتحمل هذا الوضع غير المبرر لمدة أطول.
2 – فشل الأحزاب التي حكمت الإقليم بعد عام 2003 (أي بعد الغزو الأمريكي للعراق) وتحديداً “الحزب الديمقراطي” و”حزب الاتحاد الوطني” في تحقيق تطلعات الأكراد في العيش الكريم وفي ظل اقتصاد سليم يلبّي طموحاتهم في مختلف المجالات.
3 – المردودات السلبية والانعكاسات الخطرة لـ”استفتاء الانفصال” على استقرار الإقليم، خصوصاً بعد أن أبدت الحكومة الاتحادية صلابة فاقت التصورات تجاه سعي مسؤولي كردستان للتفرد بالقرارات التي تخص الإقليم.
4 – الإجراءات التي اتخذتها بغداد لضبط الأوضاع في كردستان ومن بينها إخضاع كافة المنافذ الحدودية والمطارات للسلطة الاتحادية، وهو ما أثّر بشكل ملحوظ على الأوضاع الاقتصادية في الإقليم، وأثبت أن المسؤولين هناك لاقابلية لهم على تجاوز هذه الأزمة، وبالتالي ضرورة الإذعان لشروط الحكومة المركزية.
5 – فشل الأحزاب الحاكمة في كردستان في ضبط الأوضاع خصوصاً الأمنية في المناطق “المتنازع عليها”، الأمر الذي دعا السلطة الاتحادية للتدخل وإعادة بسط هيمنة الدولة على هذه المناطق وفي مقدمتها محافظة كركوك.
6 – فشل سلطات الإقليم في بناء علاقات طبيعية مع الحكومة المركزية، الأمر الذي انعكس أيضاً بشكل سلبي على مجريات الأحداث في الإقليم، ووضع الوعود التي أطلقتها الأحزاب الكردية (الكبيرة منها على وجه التحديد) بشأن تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مهبّ الريح.
7 – تصاعد حدّة الخلافات بين الأحزاب الحاكمة في الإقليم (خاصة الديمقراطي والاتحاد الوطني) إلى درجة اتهام بعضها البعض بالخيانة على خلفية فشل “استفتاء الانفصال” والانسحاب من المناطق “المتنازع عليها”، ما أدى إلى انعدام ثقة السكّان بهذه الأحزاب.
8 – تدهور الأوضاع السياسية في الإقليم بعد فشل حزب مسعود بارزاني في إدارة الأوضاع هناك، خصوصاً بعد رفض الحكومة الاتحادية ودول الجوار والمجتمع الدولي لـ “استفتاء الانفصال” باعتباره مثّل خطورة بالغة على وحدة وأمن واستقرار العراق والمنطقة برمتها.
9 – إصرار الحكومة المركزية على إرغام سلطات كردستان للخضوع لشروطها ومن بينها تسليم واردات الإقليم النفطية وغير النفطية للدولة في بغداد، وتسليم كافّة المطلوبين الموجودين في الإقليم إلى القضاء العراقي، والعودة إلى الخط الحدودي الإداري لإقليم كردستان قبيل عام 2003، وارتباط قوات “البيشمركة” بوزارة الدفاع العراقية الاتحادية، والتعهد بعدم إيواء المطلوبين للحكومة المركزية، وعدم سفر أي مسؤول حكومي كردي إلى الخارج وعدم استقبال أي مسؤول دولي إلّا بعد موافقة الحكومة الاتحادية. وهذه الشروط التي رجّحت الكفّة لصالح بغداد بيّنت في الحقيقة مدى العجز الذي يواجهه مسؤولو كردستان في إدارة شؤون الإقليم.
10 – تدني المكانة السياسية للأحزاب الكردية (خاصة الديمقراطي والاتحاد الوطني) محلياً وإقليمياً ودولياً بعد فشلها رأب الصدع الذي حصل بينها إثر فشل “استفتاء الانفصال” وعدم قدرتها على احتواء تداعياته على كافة الأصعدة وفي شتى المستويات.
هذه الأسباب وغيرها هي التي أشعلت فتيل الثورة الشعبية في إقليم كردستان والتي يبدو أنها مصممة على اقتلاع جذور الفساد في الإقليم وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح من خلال التعاطي الإيجابي والبنّاء مع الحكومة المركزية، وذلك من أجل مصلحة سكّان الإقليم وتعزيز الأمن والاستقرار في عموم العراق.
المصدر / الوقت