امريكا وسياسة الكيل بالمكيالين..نار اكتوت منها الشعوب فمتى تنتهي؟!
لا تزال البشرية اليوم تدفع ثمناً باهظاً بسبب السياسات الامريكية الخاطئة وازدواجية معايرها في تعاطيها حيال الصراعات والقضايا العالمية، بحيث اصبح المظلوم مجرم ومعتدي، والمجرم مدافع عن نفسه في قاموسها. هذه الازدواجية تجلت اليوم وبشكل علني بعد وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض، هذا الاخير لا يتورع عن مواصلة سياسة الكيل بمكيالين، واعتماد معايير مزدوجة، في المواقف من قضايا وأزمات بعينها، دون مراعاة حقوق الشعوب الأخرى ومصالحها وتطلعاتها الوطنية والقومية، والغبن والظلم الذي يصيبها جراء التفسيرات الأميركية الخاصة للقانون الدولي، التي تحرَّف روح القوانين والغاية منها، وتبرر ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك لاستلاب حق الشعوب في الاستقلال والحرية وتقرير المصير.
وتتجلى ازدواجية المعايير الامريكية في نماذج عديدة سنذكر منها ما يلي:
1- ازدواجية المعايير الأمريكية تجاه قضايا الحرب على الارهاب:
تدأب الادارات الامريكة السابقة والحالية على تقديم نفسها كحامية لحقوق الإنسان، والمدافع عن الحريات والسلم العالمي واحترام القوانين الدولية والمحارب الاول للارهاب، وذلك في سبيل تمويه حقيقة مواقفها الهادفة الى نهب ثروات وخيرات الشعوب المستضعفة والحاقها بعجلة التبعية السياسية والاقتصادية الامريكية. وفي هذا السياق تتجلى الازدوجية الامريكية في هذا الملف وذلك عبر دعمها السياسي والعسكري لدول داعمة بشكل رئيسي للارهاب وعلى راسها السعودية المتهم الاول في احداث 11 ايلول سبتمبر الارهابية والتي ذهب ضحيتها الاف الابرياء، اضافة الى قتلها لاكثر من 8 الاف يمني في حربها المستمرة على اليمن، بينما تتهم دول اخرى بدعم الارهاب في العالم كايران مع انها قدمت المال والدماء من اجل محاربة تنظيم داعش الارهابي واخواته في سوريا والعراق.
2- ازدواجية المعايير الأمريكية تجاه مظاهرات ايران وامريكا
بعد انتخاب الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب ووصوله إلى البيت الأبيض على حساب منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، اشتعل الشارع الامريكي حيث نزلا الاف المتظاهرين إلى الشوارع في المدن الأمريكية الكبرى أمثال نيويورك وشيكاغو وسان فرانسيسكو وأوكلاند وفيلادلفيا وسياتل وذلك اعتراضاً على فوز ترامب، وقام المتظاهرون باحراق صور ترامب والعلم الامريكي والاملاك العامة والخاصة وهاجموا الشرطة. كما لا يمكن ان ننسى عمليات القمع اليومية والقتل التي يتعرض لها السود في امريكا حيث زادت وتيرة تلك الأزمة، وهو ما كشفته صحيفة واشنطن بوست فى دراسة لها، عن مقتل حوالى ألف شخص على يد الشرطة فى 2015، مؤكدة أن هذا الرقم أكثر من ضعفي متوسط الرقم السنوي الذى أعلنه “إف بى أى” فى السنوات السابقة. ولم يستدعي كل هذا اي من الدول العالمية الى طلب عقد جلسة طارئة في مجلس الامن من اجل مناقشة اوضاع الشارع الامريكي. وعلى النقيض تماماً عندما نزل مئات المتظاهرين على مدى يومين في ايران اعتراضاَ على الاوضاع الاقتصادية التي تمر بها ايران والسياسة الاقتصادية للرئيس الايراني حسن روحاني سارعت امريكا الى طلب عقد جلسة طارئة في مجلس الامن من اجل مناقشة اوضاع الشارع الايراني.
3- ازدواجية المعايير الأمريكية تجاه اتهام روسيا بالتدخل في سوريا مقابل تدخل امريكا في اغلب دول العالم
اعطت امريكا لنفسها الحق في تدخل في شؤون جميع بلدان العالم، وعلى سبيل المثال قامت امريكا باحتلال العراق، اضافة الى احتلالها لافغانستان وارسالها لـ 5000 الاف جندي الى سوريا وغيرها من الامور وكل ذلك جاء تحت شعار محاربة الارهاب رغم عدم قبول الدول التي تعرضت للغزو الامريكي. وعلى النقيض تماما تتهم امريكا روسيا في التدخل في شؤون الداخلية لبعض الدول كسوريا رغم التفويض الذي حصلت عليه روسيا من النظام السوري من اجل تقديم المساعدة في محاربة الارهاب.
4- ازدواجية المعايير الأمريكية تجاه القضايا النووية
إن الرأي السائد في المنطقة عن السياسة الأمريكية تجاه القضايا النووية في الشرق الأوسط ايضاً هي ازدواجية المعايير، فهي تتقبل وجود سلاح نووي لدى الكيان الإسرائيلي، بينما تعمل وتفرض العقوبات على بلدان اخرى لا تتفق معها في السياسة كايران وتحاول منعها من الاقتراب من المساحة النووية.
5- ازدواجية المعايير الامريكية تجاه قضية القدس
اظهر اعلان الرئيس دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ازدواجية في التعاطي في القضية الامريكية فمن جهة يقول انه يدعم السلام بين الطرفين و من جهة يسهل عمليات الاستيطان، وتوسيع رقعة الاحتلال الإسرائيلي، في القدس الشرقية والضفة الغربية بشكل عام ويقدم القدس هدية للكيان الغاصب.
6- ازدواجية المعايير الامريكية تجاه الحرب على اليمن
عقدت سفيرة امريكا لدى الأمم المتحدة “نيكي هالي” منذ شهر مؤتمراً في قاعدة عسكرية قرب واشنطن عرضت فيه بقايا صاروخ بالستي يمني قيل انه ذو صناعة ايرانية اطلقه الحوثيون على مطار الملك خالد الدولي في الرياض. بيد انها تجاهلت كلياً وبشكل واضح دور امريكا في الحرب على اليمن عبر دعمها للسعودية بالسلاح و غضها الطرف عن الأزمة الإنسانية الكارثية التي تعصف باليمنيين.
ختاماً، قضايا كثيرة لم يتم التطرق اليها في هذا المقال وذلك لكثرتها وتشعبها، الا انه يجب معرفة ان استمرار امريكا في ازدواجية تعاطيها مع مسائل وصراعات المنطقة والعالم يجعل منها شريكة في جرائم الحرب التي ترتكب يومياً ضد المدنيين الابرياء العزل في جميع ارجاء المعمورة، لتضاف إلى السجل الحافل بجرائم الحرب الأميركية التي اكتوت منها الشعوب المستضعفة في العالم، ومن واجبنا ومن واجب كل ذي ضمير حي إدانة جريمة الإصرار على العمل بازدواجية المعايير التي تبرر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتغطي عليها في العالم.
المصدر / الوقت