زيادة الإنفاق العسكري في العالم خلال العقد الأخير؛ الخلفيات والتداعيات
عالم اليوم وبما يحمله من تناقضات وأزمات كثيرة لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال منطلقاً وأساساً لعودة الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً على المديين القريب والبعيد على حد سواء.
ومن الأسباب التي أدت إلى تفاقم التوتر في العالم سباق التسلح المطرد بين مختلف الدول وما رافقه من ميزانيات هائلة رصدت لغرض عقد صفقات ضخمة في هذا المجال.
في هذا الصدد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً تقريراً أشارت فيه إلى أن معدل الميزانيات العسكرية لمختلف دول العالم قد زاد بنسبة 46 بالمئة خلال الأعوام العشر الماضية قياساً إلى العقد السابق.
وطبقاً لهذا التقرير ارتفعت تكاليف شراء الأسلحة من 1.35 تريليون دولار في عام 2005 إلى حدود 2.76 تریلیون دولار في عام 2015.
وأشار التقرير إلى أن أمريكا والبلدان الغربية الحليفة لها تأتي في طليعة الدول المصدرة للسلاح في العالم، حيث زادت نسبة تصدير السلاح الأمريكي من 78 إلى 83 بالمئة من مجمل الصادرات العالمية في هذا المضمار خلال العقد الماضي.
وسعت أمريكا إلى توظيف الظروف الجيوسياسية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في مطلع تسعينات القرن الماضي لتكريس مفهوم “حاكمية القطب الواحد”، وذلك من أجل الهيمنة على سوق بيع مختلف أنواع الأسلحة في شتى أرجاء العالم.
وتحركت الإدارات الأمريكية المتعاقبة باتجاه خلق وافتعال أزمات كثيرة في مختلف مناطق العالم لاسيّما في الشرق الأوسط من أجل الترويج لبيع أسلحتها خصوصاً للبلدان الأعضاء في مجلس التعاون.
ومما ساعد في اعتماد هذه السياسة وجود اللوبيات والشركات الضخمة المصنّعة للسلاح والمعدات العسكرية في أمريكا والتي تتمتع بنفوذ واسع في رسم سياسات واشنطن في مختلف أنحاء العالم.
وسعت الدول الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا إلى تصدير مشاكلها الاقتصادية إلى الدول الأخرى من خلال الأزمات المصطنعة والتي مهدت لها السبيل لبيع المزيد من الأسلحة للأطراف المتصارعة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.
وبعد انتهاء فترة الحرب الباردة وبروز قوى عظمى أخرى كالصين والهند سعت أمريكا لمواصلة سياستها الرامية إلى فرض “حاكمية القطب الواحد” لغرض بسط نفوذها العسكري ورفع مستوى بيع السلاح إلى الأطراف المتنازعة في المناطق الساخنة والمتوترة في شتى أنحاء العالم.
النفط والشرق الأوسط والتدخلات الغربية
تسببت السياسات الأمريكية الرامية إلى تمزيق المنطقة والاستحواذ على مقدراتها والعبث بمصيرها بأزمات كثيرة ومتعددة الجوانب لاسيّما في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن ودول أخرى في شمال أفريقيا من بينها ليبيا من أجل تحقيق مصالحها اللامشروعة وفي مقدمتها بيع السلاح وجني أرباح طائلة عن هذا الطريق خدمة للمشروع الصهيوأمريكي في عموم المنطقة.
ومن الأساليب الأخرى التي اتبعتها أمريكا لترويج تجارة بيع السلاح إلى العديد من دول المنطقة خصوصاً بلدان مجلس التعاون، مواصلة العزف على وتر التخويف من الجمهورية الإسلامية في إيران أو ما بات يعرف باسم “إيران فوبيا”، الأمر الذي انطلى – وللأسف الشديد – على معظم قادة هذه الدول إلى درجة بات الكثير منهم ينظر إلى إيران على أنها العدو الأول للمنطقة وليس الكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين والمنتهك للمقدسات وفي مقدمتها القدس الشريف.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” تمكن خلال زيارته إلى السعودية قبل عدّة أشهر من إرغام حكّام الرياض على شراء أسلحة ومعدات عسكرية من واشنطن تقدر قيمتها بـ 500 مليار دولار.
كما تمكنت الإدارة الأمريكية من توظيف الأزمة القائمة في شبه الجزيرة الكورية على خلفية النزاع بشأن البرنامج النووي والصاروخي لـ”بيونغ يانغ” من عقد صفقات ضخمة لبيع السلاح لعدد من دول المنطقة بينها كوريا الجنوبية واليابان قدرت قيمتها بأكثر من ملياري دولار.
ومن المؤكد أن السياسة التي تنتهجها أمريكا لتوسيع نفوذها في المنطقة والعالم من خلال تعزيز قواتها العسكرية وبيع المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الدول الحليفة من شأنه أن يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي ويضعف دور المنظمات الأممية وفي مقدمتها “الأمم المتحدة” و”مجلس الأمن الدولي” ويوّسع من نطاق التهديدات الإرهابية ومخاطرها المحدقة بالمنطقة والعالم برمته.
المصدر / الوقت