هل تسهم زيارة ماكرون إلى الصين في حل الأزمات؟
وصل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى مدينة “شيان” المحطة الأولى من زيارته الرسمية للصين التي تستمر ثلاثة أيام.
ومدينة شيان رمز مهم، كونها مهد الحضارة الصينية ونقطة بداية طريق الحرير القديم.
ويبحث ماكرون مع نظيره الصيني “شي جين بينج” سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين البلدين، فضلاً عن ملفات أخرى بينها البيئة والأوضاع في شبه الجزيرة الكورية.
ويرافق ماكرون في هذه الزيارة وفد يضم رؤساء ومسؤولين من أكثر من 50 شركة بينها (أكور-أوتيل) و(ايرباص) و(أريفا) و(سافران) و(بي إن بي باريبا).
ويمكن تلخيص زيارة ماكرون إلى الصين بما يلي:
الأهداف الاقتصادية
– كشف وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي “برونو لو مير” خلال مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” أن بلاده تخطط لمد خط تجاري عبر روسيا، يربط أوروبا بالصين.
وقال لومير “نعتقد أن تطوير العلاقات التجارية مع روسيا والصين قد يخفف من وطأة عدم اليقين المتزايد في العلاقات مع أمريكا، وتعتزم فرنسا إنشاء خط تجاري من أوروبا إلى بكين عبر موسكو”.
وأضاف الوزير الفرنسي: “نحن نريد التحرر من ذلك العالم الذي تسوده العلاقات التجارية عبر الأطلسي، إلى عالم أكثر توازنا”.
على الجانب الآخر، تنتظر بكين من فرنسا أن توضح لها الموقف الأوروبي حول برنامج الصين الضخم لإقامة طريق الحرير لربط الصين بأوروبا بشكل مباشر.
وتقضي مبادرة طريق الحرير البالغة قيمتها ألف مليار دولار بإقامة حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وإنشاء مناطق صناعية في 65 بلداً تمثل 60% من سكان العالم ونحو ثلث إجمالي الناتج العالمي.
ومن شأن هذا القرار أن يثير ارتياح القادة الصينيين لانسجامه مع مشروع مبادرة “الحزام والطريق” الذي باشره الرئيس “شي جين بينج” عام 2013 ويهدف إلى إحياء طريق الحرير القديم الذي كانت تنقل عبره منتجات من الإمبراطورية الصينية إلى أوروبا.
وبعدما لزمت فرنسا الحذر حيال هذا المشروع الذي يعتبره قسم من الأوروبيين بأنه ينم عن نزعة توسعية خطيرة، أبدى ماكرون دعماً كبيراً له، داعياً الأوروبيين إلى المشاركة فيه بشكل تام.
وكان ماكرون قد ذكر أن “هذه المبادرة في غاية الأهمية وأنه واثق من أنها قد تؤدي دوراً مهما في تنظيم المساحة الأوراسية وأنها تمثل فرصة حقيقية”.
وأبدى الرئيس الفرنسي تحفظاً واحداً غالباً ما يعبر عنه الأوروبيون حرصاً منهم على تفادي أن تقتصر المشاريع على تدفق فائض إنتاجي صيني، إذ دعا إلى العمل في إطار شراكة متوازنة تكون قواعد التمويل فيها منسجمة مع المعايير الأوروبية.
– يسعى ماكرون لتعزيز ضمان استفادة الاتحاد الأوروبي من فتح الأسواق الأوروبية أمام العملاق الآسيوي. حيث سجلت فرنسا أكبر خلل تجاري لها مع الصين وصل إلى 30 مليار يورو، خاصة أن الصين تحتل المرتبة الثانية في الدول التي تستورد منها فرنسا، والمرتبة الثامنة في الدول التي تصدر لها فرنسا.
– من المحتمل أن توقع باريس عقوداً مع بكين لبيع طائرات “إيرباص” ومحركات “سافران”، وعقداً لبناء مصنع لتدوير النفايات المشعة، كما تأمل في تزويد صادراتها الزراعية وشبكاتها المصرفية إلى السوق الصينية.
– في إطار دعم ماكرون للاتحاد الأوروبي الذي كان وعد به أثناء خطابه بمناسبة العام الجديد، وفي لقائه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من المقرر أن يناقش الرئيس الفرنسي في بكين ضمان استفادة مشتركة بين الصين والاتحاد الأوروبي.
في هذا السياق قال وزير الخارجية الفرنسي “جان لوديريان”: “ليس في نية فرنسا قطع الطريق على الصين، لكن ينبغي إقامة شراكة مبنية على المعاملة بالمثل على صعيد فتح الأسواق، مضيفاً: “محاورونا الصينيون يفضلون تعبير مكاسب للجميع.. لم لا؟، بشرط ألا يكون الطرف ذاته هو من يكسب مرتين”.
مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري
تهدف زيارة ماكرون إلى الصين أيضاً إلى إقامة “شراكة استراتيجية” في مجال مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري والتبدلات المناخية، حيث تأمل فرنسا في أن تعمل بكين معها للعب دور حاسم في تطبيق اتفاق باريس حول التغيرات المناخية بعد انسحاب أمريكا منه.
والصين هي أكبر دولة مسببة للتلوث في العالم لكنها أكبر بلد مستثمر في تقنيات الطاقة النظيفة أيضاً. كما أنها تلعب دوراً أساسياً في هذا المضمار منذ إعلان أمريكا الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.
الأزمة بين أمريكا وكوريا الشمالية
يعتزم ماكرون بحث ملف الأزمة الكورية الشمالية مع نظيره الصيني، وإمكانية لعب فرنسا دور الوسيط للوصول إلى حل سلمي عن طريق الحوار وإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، وهو ما طلبه الرئيس الصيني في وقت سابق من فرنسا لتهدئة الأوضاع وإعادة إطلاق الحوار باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن.
في هذا السياق قال ماكرون قبل أيام أن الصين تلعب دوراً أساسياً في تخفيف حدة الأزمة الناجمة عن البرنامج النووي لـ”بيونغ يانغ” بعد التصعيد بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” والزعيم الكوري الشمالي “كيم جونغ – أون”.
وفي وقت سابق أكد الرئيس الصيني إن المسألة الكورية الشمالية لا يمكن أن تحل إلّا من خلال وسائل سلمية عبر الحوار وتبادل المشاورات.
علاقة فرنسا بالقارة الأفريقية
من المقرر أن يطلب ماكرون من الصين أيضاً دعم قوة مجموعة الساحل التي تضم قوات من مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا ومهمتها مقاتلة المسلحين في منطقة الصحراء.
وتجدر الإشارة إلى أن الصين أصبحت شريكاً تجارياً أساسياً لأفريقيا حيث بلغت قيمة استثماراتها 31.6 مليار دولار عام 2016 موظفة في مشاريع لسكك حديد وطرق سريعة ومرافىء ومحطات لتوليد الكهرباء، وهي تشكل جزءاً من شبكة واسعة للنقل يأمل الرئيس الصيني في تطويرها في إطار مبادرة تحمل اسم “حزام واحد طريق واحد” لتحفيز التجارة.
المصدر / الوقت