نظرة في العمق.. ما بين السعودية والثورة الإسلامية!
الوقت- اتسمت السنوات الأخيرة بارتفاع حرارة المواجهة بين كل من إيران والسعودية، وليس من المبالغة القول أن رقعة هذا الاشتباك اتسعت لتشمل الكثير من الملفات التي لم يكن هناك بوادر خلاف حولها. أما السبب فيعزوه البعض إلى اختلاف المصالح الذي لطالما يؤدي إلى تناقضات في الأداء والعمل. المسألة أكبر من ذلك إنها اختلاف في طبيعة النظرة للأمور من الجذور وإلا لأمكن الوصول إلى حالة استقرار معينة.
بعد عام 2011م ومع بداية ثورات الربيع العربي، وحالة الصحوة الإسلامية التي عمت البلاد كان واضحا الاختلاف الكبير في التعاطي مع هذا الحدث من قبل كلا البلدين، حيث دعمت إيران الشعوب الثائرة على الديكتاتوريات وبالمقابل اتسمت سياسة السعودية بالحذر المريب وكأن ما يحصل تهديد لعرش آل سعود، وهذا الأمر أثر فيما بعد في اتخاذ السعودية سياسات هجومية ضد الشعب اليمني والبحريني الذين ثارا على أنظمة القمع الحاكمة لديهم.
السبب وراء السياسات الأمنية العسكرية التي انتهجها آل سعود ضد الثورات العربية هي الشرعية المفقودة (السياسية والشعبية) لحكمهم في الداخل.
هذا الأمر يقابله في المقلب الإيراني دعم لحركات التحرّر وسياسة مواجهة عسكرية للتطرف الذي بدأ يفتك بالدول العربية كسوريا والعراق.
لم يكتفي آل سعود بذلك بل حولوا جلّ همهم مواجهة إيران والسبب أنها الداعم الرئيسي لتحرّر الشعوب العربية من الدكتاتورية، بوصفها نموذجا يحتذى بالديمقراطية والحرية في كل المنطقة.
الكتاب الأمريكي الذي أثار ضجة خلال الأيام الأخيرة “الغضب والنار: بيت ترامب الأبيض” أكّد على وجود حالة من الخوف المميت من إيران لدى السعودية وبعض الدول العربية الأخرى. واصفا هذه الدول أنها على شفير الهاوية.
مواجهة في المنطق والمفهوم
أصل قيام الثورة الإسلامية في إيران أواخر سبعينيات القرن الماضي يقوم على إرادة الشعب، هذا الأصل يتعارض مع معظم أنظمة المنطقة وخاصة الملكية منها، وهذا واحد من الجذور الأساسية للمواجهة بين البلدين. وقد يكون هدف سلمان من مواجهة إيران بهذا الشكل المباشر السعي لإسقاط هذه المفاهيم التي ثبتتها الحكومة الإسلامية. ولذلك نجد السعودية تواجه وبأشكال مختلفة منها العسكرية والأمنية والاقتصادية كافة الأطراف العربية التي استلهمت شعارات الثورة الإسلامية في إيران. مواجهة حركات المقاومة والحشد الشعبي في العراق والنظام السوري يقع ضمن هذا الإطار (وهذا الأمر ليس خفيا على أحد).
السعودية تعتبر أي حركة ثورية ديمقراطية حرة في المنطقة تصبّ في مصلحة إيران. وبالتالي تهدّد استقرار أسس نظامها.
اليوم تقع السعودية أمام مفترق خطير للغاية، فإما أن ترضخ للواقع وتتراجع أمام صحوة الشعوب، وأبرز مثال على ذلك صحوة الشعب اليمني، والعدوان المفتوح الذي يشنه آل سعود منذ سنتين. اليوم هناك خيار من اثنين أو أن تقبل السعودية الهزيمة أو تستمر في الغرق في مستنقع لا أفق للخروج منه، وفي كلتا الحالتين هي الخاسرة الكبرى.
التناقض في التوجهات الاستراتيجية
من حيث التوجهات الاستراتيجية فالبلدين يتخذان منحيان مخالفان لأقصى الحدود، فالسعودية تعتبر نفسها كفيلة المصالح الأمريكية في المنطقة وهي ترسم برامجها وسياساتها على هذا الأساس. في وقت تعمل إيران في مواجهة أي قوة إقليمية تحاول التدخل في المنطقة. هذا الأمر يؤكد الخلاف الجذري في النظرة للأمور الاستراتيجية.
الحقيقة أن السعودية تجد بأمريكا والغرب الحامي الحقيقي لها حتى في مواجهة الداخل السعودي. أما إيران فإنها وناهيك عن القوة الداخلية تسعى لكسب تأييد شعوب المنطقة من خلال الدفاع عن مصالحها ضد التهديدات الخارجية والحركات التكفيرية.
التهديد الذي تشعر به السعودية اليوم من الداخل والمحيط الملتهب جعلها تقع اليوم في أحضان الكيان الصهيوني، حتى هذا التقارب السعودي الإسرائيلي اليوم يقع تحت عنوان مواجهة إيران.
منذ بداية الثورة الإسلامية في إيران وإلى اليوم كان همّ النظام تثبيت مفهوم إرادة الشعب والقوى الثورية، المفهوم الذي يثبت أركان النظام ويعزز شرعيته مع الزمن، هذا المفهوم بات يتهدّد السعودية في عقر دارها، كونها ملكية تحمل شعار الإسلام وتعيش مأزق الشرعية الشعبية. هذا الأمر يدفع بالسعودية لاتخاذ خطوات غير مدروسة خاصة في ظل وجود شخص كمحمد بن سلمان مما يسارع في عملية تآكل بنية ذلك النظام الآيل للسقوط.
المصدر / الوقت