قدرات أوروبا والتحديات التي تواجهها في تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي
تعتبر الأزمة الفلسطينية من أعقد الأزمات التي شهدتها المنطقة والعالم طيلة العقود السبعة الماضية بعد أن فشلت كافة المحاولات الرامية إلى حلّها.
ولعبت أمريكا دوراً بارزاً في هذا المجال في إطار ما يسمى “محادثات التسوية”. كما عُقدت مؤتمرات متعددة لإنهاء هذه القضية شاركت فيها دول كثيرة بينها مصر والأردن ولبنان وقطر إلى جانب ممثلين عن الشعب الفلسطيني والكيان الإسرائيلي.
وبعد إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارة بلاده إلى هذه المدينة، والذي مثّل انتهاكاً صريحاً للمقررات الدولية، وما تبعه من احتجاجات واسعة النطاق في العالم الإسلامي، باتت الوساطة الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية في مهب الريح أكثر من أي وقت مضى.
وخلال لقائه الرئيس الفرنسي “ايمانويل ماكرون” في باريس قبل نحو ثلاثة أسابيع صرّح رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” في مؤتمر صحفي مشترك أن أمريكا لم تعد وسيطاً نزيهاً في عملية التسوية بخرقها للقانون الدولي فيما يتعلق بالقدس المحتلة. كما دعا عباس خلال استقباله وزيرة الخارجية النرويجية “اينه ماري اريكسن” في رام الله الدول الأوروبية للعب دور أكبر في تسوية الصرع الفلسطيني – الإسرائيلي.
والسؤال المطروح: ما هي قدرات أوروبا والتحديات التي تواجهها في هذا المضمار؟
للإجابة عن هذا التساؤل لابدّ من الإشارة إلى الأمور التالية:
– برز الدور الأوروبي في المساعي الرامية إلى تسوية القضايا الإقليمية والدولية بشكل واضح بعد تسلم ترامب لمهام عمله في البيت الأبيض قبل نحو عام، خصوصاً بعد فوز “ايمانويل ماكرون” في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في مايو/أيار 2017 والذي عُرف بمساعيه الرامية لإعادة مكانة أوروبا في المنطقة والعالم بعيداً عن هيمنة الإدارة الأمريكية.
ودعا ماكرون الاتحاد الأوروبي إلى الابتعاد عن نهج ترامب في التعامل مع القضية الفلسطينية لاسيّما فيما يتعلق بإعلانه القدس عاصمة للكيان الصهيوني، الأمر الذي عدّه الكثير من المراقبين بأنه يمثل نقطة قوة من شأنها أن تدعم الموقف الأوروبي في لعب دور أكبر في تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
– من العوامل الأخرى التي يمكن أن تسهم في تقوية مكانة الدول الأوروبية للعب دور الوسيط في تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو التعاطي المعتدل للكثير من هذه الدول مع القضية الفلسطينية مقارنة مع الموقف الأمريكي الذي اتسم بالانحياز الكامل للكيان الصهيوني في كافة المجالات السياسية والعسكرية والأمنية وحتى الاقتصادية.
– دعم الاتحاد الأوروبي لمشروع المصالحة بين الفصائل الفلسطينية لاسيّما بين حركتي “حماس” و”فتح” مهّد الأرضية لدول الاتحاد ومن بينها فرنسا للعب دور أكبر في تسوية الأزمة الفلسطينية، خلافاً لموقف أمريكا من المصالحة حيث هددت الأخيرة بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن لمنع التقارب بين السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس في الضفة الغربية وحكومة حماس في قطاع غزة.
هذه المعطيات وغيرها تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يمتلك مؤهلات لابأس بها للعب دور الوسيط من أجل حلّ النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلّا أن هذا لايعني أن الأوروبيين سيقفون على الحياد لغرض إنجاح التسوية، بل على العكس من المرجح أن ينحازوا إلى جانب الكيان الإسرائيلي نتيجة الضغوط التي يمارسها اللوبي الصهيوني في هذا المجال، خصوصاً وإن هذا اللوبي يمتلك نفوذاً واسعاً في القارة الأوروبية لما يمتلكه من إمكانات كبيرة في مختلف المجالات المادية والإعلامية والسياسية. والتجارب التي حصلت في السابق تعزز الاعتقاد بصحة هذا الاستنتاج. وغاية ما يمكن قوله في هذا الصدد بأن انحياز أوروبا للكيان الإسرائيلي أدنى مرتبة من الانحياز الأمريكي لهذا الكيان.
كما ينبغي التوجه إلى أن الدول الأوروبية تربطها علاقات واسعة مع أمريكا في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والإعلامية، وهذا يعني بالضرورة أن احتمال وقوف الأوروبيين على الحياد في التعامل مع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يبقى ضئيلاً، لأن العواصم الأوروبية تفضل الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن – الحليفة الأولى للكيان الإسرائيلي – على حساب الدور الذي يمكن أن تلعبه في تسوية القضية الفلسطينية.
ولايخفى أن الأوروبيين لم يكونوا في يوم من الأيام أقرب من الأمريكيين من حيث التأثير على مجريات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ولهذا يبدو من غير المنطقي التعويل على الوساطة الأوروبية لوضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني والتحرك باتجاه استعادة حقوقه المغتصبة في الأرض والوطن وفي مقدمتها حق العودة.
وكثيراً ما تتهم تل أبيب العديد من العواصم الأوروبية بمعاداة السامية أو معاداة اليهود كمجموعة عرقية ودينية وإثنية وذلك من أجل الحيلولة دون نجاح الوساطة الأوروبية في تسوية النزاع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهو ما يعني بالتالي إحباط كافة الجهود التي تبذلها القارة الأوروبية في هذا الميدان.
المصدر / الوقت