التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

الأردن يغلق الباب على تاريخه المشرف بتسجيل مسرب؛ ماذا يجري هناك؟! 

جولة سريعة على ما يجري في المنطقة من أحداث سياسية كان أبرزها قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بشأن القدس وتداعيات هذا القرار، هذه الجولة ستفضي بك إلى استنتاج سريع بأن المفاهيم السياسية والمبادئ التي تربى عليها العرب بدأت تذوب وتضمحل أمام حرارة القرارات الأمريكية ودفء العلاقة مع الکيان الإسرائيلي بالنسبة لبعض الدول العربية، والأمور التي كانت تشكل بالنسبة للقادة العرب خطوط حمراء أصبحت خضراء وبرتقالية وكل الألوان ما عدا الأحمر.

اليوم الجميع يهرب من القضية الفلسطينية ويعتبرها عبئاً ثقيلاً عليه بعد أن كانت محور كل اجتماع وكل حديث في أروقة المباني الحكومية على امتداد الدول العربية والاسلامية، ماذا حصل حتى تنصل الجميع من القدس وبما أجرمت هذه المدينة المقدسة حتى اصطف الجميع ضدها أو على الحياد ملتزمين الصمت أمام اغتصابها ممن ربوا أولادهم بأنهم عدو ومستعمر ومغتصب، ماالذي تغير؟!، نحن من تغيرنا، الکيان الإسرائيلي لم يتغير.

وهنا سنبتعد عن التلميحات والمواعظ لندخل بالحدث الأخير الذي شكل ضربة قاصمة في صميم القضية الفلسطينية ليس لكونها خُذلت بل لكون من خذلها كان أبرز المدافعين عنها على مدار 69 عاما وكان له دور حاسم في اتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194 والقرار 242، نعم نحن نقصد الأردن التي تملك سجلاً مشرفاً في الدفاع عن القضية الفلسطينية، في الأمس تحدث ملكها عبدالله الثاني قائلا في حديث مسرب: “ان ما تهتم به بلاده اليوم هي المصالح الأردنية الوطنية العليا معتبرا انها “فوق كل الإعتبارات”، مضيفا أن للدول العربية أولويات متباينة فيما يتعلق بكل مستجدات الاقليم وان المجموعة العربية نصحت الادارة الامريكية لكنها لم تتجاوب، ونقل عن العاهل الاردني القول بأن القضية الفلسطينية لا تخص الاردن وفلسطين فقط بل المجتمع الدولي برمته.

نحن نوافق الملك الأردني في الشق الأول من حديثه ونقول بأن المصالح الأردنية الوطنية العليا فوق كل الإعتبارات، ولكن مصلحة الأردن الاستراتيجية هي مصلحة القدس ذاتها لعدة اعتبارات أبرزها أن أي خلل يحدث في القدس وفلسطين سيؤثر بشكل مباشر على الداخل الأردني بحكم الحدود المشتركة فضلا عن كون 60% من سكانها هم من اللاجئين الفلسطينيين، ولكن يبدو أن الضغوط العربية، وتحديداً الخليجية قد أتت أُكُلها.

في الشق الثاني من حديث الملك هناك نقطتان لابد من الاشارة لهما، الاولى: ليسمح لنا الملك بالقول تعليقا على حديثه بأن الإستراتيجيات العربية متباينة، نحن نقول استراتيجيات الأنظمة متباينة وليس الشعوب، أما النقطة الثانية: فهناك تغير كبير في السياسة الأردنية التي بدأت تأخذ منحى وظيفياً بعد أن كان دورها فعال ومؤثر ويأخذ بعين الاعتبار وما يوضح ذلك هذا الانتقال المفاجئ من (الحديث عن) المواجهة إلى (الحديث عن) النصح. أي أن الموقف الأخير يمهد لتغييرات جوهرية في مستوى إلتزام الأردن بتفصيلات القضية الفلسطينية.

لمن لايعلم فإن الأردن يعد وصياً على المقدسات في مدينة القدس وخاصة المسجد الأقصى وذلك بموجب اتفاق جرى بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة عباس في العام 2014 ما يعني انها مسؤولة ومخولة بالتفاوض والتدخل في كل ما يتعلق بمدينة القدس، وبالتالي فهي يجب ان تكون حاضرة وفاعلة في أي اتفاق قادم، ولكن هذا الكلام على مايبدو تغير لصالح الكفة السعودية_ الأمريكية_الاسرائيلية.

في القسم الأخير من كلام الملك الأردني يقول بأن القضية الفلسطينية لا تخص الاردن وفلسطين فقط بل المجتمع الدولي برمته، هذا الكلام يحمل في طياته تنصلاً كبيراً من القضية الفلسطينية ورميها على المجتمع الدولي بعد أن كانت الأردن تعتبر علاقتها مع فلسطين علاقة مصيرية.

واعتبر الملك في تصريحاته المثيرة للجدل بأن الوضع العام العربي “مؤسف للغاية”، صدقت أيها الملك، ولكن دعونا نسأل من المسؤول عن تأزيم الوضع في سوريا ولبنان وقطع العلاقات مع قطر والحرب على اليمن ومحاصرة الشعب البحريني وووو…، عندها سنعلم لماذا الوضع العام العربي “مؤسف للغاية”.

من حديث الملك نستشف بأنه رفع يده عن القضية الفلسطينية أو سيلزم الحياد إزاء أي قرار أو فعل يتخذ ضدها، وقرر العودة للاحتماء تحت العباءة السعودية التي فصلها الأمريكي وسوقها في تل أبيب، وعلى مايبدو فإن تسريب كلام الملك ليس بالبريء وهو موجه للداخل الأردني على غرار سياسة محمد بن سلمان في ترويض الشعب السعودي لجس النبض ومعرفة أي طريق يسلكون.

البعض يبرّر الانسحاب الأردني التدريجي بتحمل الملك الحمل بالكامل بعد تركه بل معارضته من الدول الخليجية، أو بعبارات من قبيل “الاردن قدم اللي عليه والكره في ملعب الدول العربية الكبرى”… حتى لو انتقل الملك الأردني إلى الضفة المقابلة فالشعوب العربية لن ترضى، ولكن مهما طبع بعض العرب فان الكلمة الاولى والاخيرة للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة.

الرهان اليوم على الشعب الأردني والفلسطيني وبقية الشعوب العربية التي لازالت تملك الحس الوطني الذي تربت عليه، والذي بسببه روت دماء هذه الشعوب أرض فلسطين ومعركة الكرامة تشهد بذلك، وما فعله النواب الأردنيون يوم أمس يبعث على الاطمئنان بأن النبض ما زال حياً في عروق الشعوب العربية، حيث طالب 50 نائبا في مذكرة تبناها النائب مصطفى ياغي باستدعاء السفير الأردني في تل أبيب كرد على قيام البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” بالمصادقة على قانون يخضع القدس للسيادة الإسرائيلية، هذه المواقف الرجولية ستعيد للقدس وجهها المشرق في الأيام القادمة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق