الاستحقاقات الانتخابية في العراق: تجري أو لا تجري؟
إذا كان عام 2017 قد شهد في صفحاته الاخيرة اعلان الانتصار النهائي والشامل على تنظيم داعش الارهابي، فإن عام 2018 شهد منذ بداياته الاولى حراكا سياسيا مقلقا ومضطربا نوعا ما، بشأن الاستحقاقات الانتخابية المقررة في منتصف شهر أيار/مايو المقبل.
وطبيعي أن إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، يعني في جانب منه التزاما بالدستور والحؤول دون إدخال البلاد في دوامة الخيارات السياسية السيئة، وفي جانب اخر منه يعني تتويجا سياسيا للانتصارات العسكرية والأمنية المتحققة على تنظيم داعش.
ومثلما أقحمت الكثير من القضايا والملفات الخدمية والامنية والاقتصادية في متاهات وغياهب الأجندات السياسية الخاصة، الداخلية والخارجية، فان الانتخابات البرلمانية المقبلة ليست استثناءً من ذلك المنهج والتوجه، ولعل الاصوات التي ترتفع اليوم، مطالبة بالتأجيل، تأتي في هذا السياق، وإن كانت بعض الحجج والمبررات المطروحة قابلة للبحث والنقاش.
في الواقع، هناك فريقان يتبنيان اتجاهين متعارضين بالكامل، فريق يذهب باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وهذا الاتجاه، تمثله في الاطار العام، مكونات التحالف الوطني العراقي (الكتلة البرلمانية الأكبر)، وقوى سياسية أخرى خارجه، وتدعمه المرجعية الدينية في النجف الاشرف، فضلا عن ذلك، فإن الحكومة الاتحادية، تؤكد ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها، والمفوضية العليا المستقلة تؤكد استعدادها لذلك.
ويطرح هذا الفريق بمكوناته المختلفة، حججاً ومسوغات تبدو منطقية ومعقولة الى حد كبير، من قبيل:
-عدم وجود نص دستوري يجوّز تعطيل الانتخابات ولو ليوم واحد، باعتبار أن اي تأخير يمكن أن يدخل البلاد في فراغ دستوري، ويسلب الشرعية من السلطتين التشريعية والتنفيذية على السواء.
-ان تحقيق الانتصار الشامل على تنظيم داعش الارهابي، دفع الكثير من المخاطر عن البلاد، وخفف الضغوط عن الحكومة، ورفع مستوى الأمن بالنسبة للجمهور، وهو ما يتيح الانطلاق للعمل بفعالية وديناميكية كبيرة على الملفات السياسية والاقتصادية والخدمية المختلفة، ولعل الانتخابات البرلمانية المقبلة، تعد واحداً من أبرز وأهم تلك الملفات.
-هناك مؤشرات مشجعة على عودة أعداد لا يستهان بها من النازحين الى مناطقهم ومدنهم التي تركوها جراء سيطرة تنظيم داعش عليها، إذ اكدت وزارة الهجرة والمهجرين قبل عدة ايام، ان إحصائياتها تشير الى عودة حوالي 50% من النازحين الى مناطقهم، وأن وتيرة العودة ستتزايد خلال الشهور القلائل المقبلة، ارتباطاً بتحسن الاوضاع الامنية، وتوفير المزيد من الخدمات، وانطلاق مشاريع إعادة إعمار المناطق المحررة.
-إذا كانت هناك احتقانات وتشنجات وتقاطعات سياسية بين مختلف الفرقاء، فإن تعطيل وتأخير الانتخابات لن يفضي الى احتوائها ومعالجتها، بل على العكس من ذلك، ربما يتسبب في تفاقمها واتساع مدياتها ومستوياتها.
وفي الجانب الآخر فإن الفريق المطالب بإرجاء الانتخابات، يتمثل بطيف واسع من القوى والاحزاب الممثلة للمكون السني، الذي يتمركز ثقله الجماهيري الكبير في المحافظات والمدن التي استبيحت من قبل تنظيم داعش قبل ثلاثة اعوام ونصف، وقبلها كانت جماعات تنظيم القاعدة تتحرك وتنشط فيها بحرية.
وتتذرع تلك القوى، وهي تصر على تأجيل الانتخابات، بالعدد الهائل للنازحين، الذين لم يعودوا الى مناطقهم، والدمار الكبير الذي تعرضت له تلك المناطق جراء الحرب على داعش، بعبارة أخرى، ان تلك القوى، تقول، إنه من غير المنطقي دعوة الناس المشردين والمحرومين من أبسط سبل العيش الكريم الى الانتخابات.
تبدو مثل تلك الذرائع والحجج مقبولة ومعقولة في ظاهرها، بيد ان الوجه الاخر لها، يكشف حقيقة ان الذين يطالبون بالتأجيل، هم من فقدوا كل قواعدهم الجماهيرية، لانهم خذلوها في أوقات الشدة، واختاروا الراحة والدعة والأمان في بغداد وعمّان واسطنبول ودبي وبيروت والقاهرة وأربيل وغيرها، وحتى الذين رفعوا مظلومية مدنهم وجماهيرهم، بدا انهم يبحثون عن مكاسب وامتيازات، من خلال مزايدات سياسية مفضوحة مع خصومهم ومنافسيهم.
ويشبّه البعض أجواء رفض اجراء الانتخابات في موعدها المقرر من قبل جملة من القوى والكيانات السياسية، بأجواء رفض مشروع الدستور الدائم في عام 2005، حيث كانت الضغوط الخارجية، الاقليمية والدولية، هي التي توجه بوصلة المواقف والاتجاهات الرافضة.
وثمة تحركات اميركية مدعومة بتحركات دولية وإقليمية لتأجيل الانتخابات، وهناك وسائل اعلام- قنوات فضائية وصحف ومواقع الكترونية- تروّج لهذا الاتجاه.
فالضخ- والتضخيم- الاعلامي المتواصل لمعاناة النازحين، وبث المخاوف والهواجس من استفحال نفوذ الحشد الشعبي- أو ما تطلق عليه الدوائر الخارجية الميليشيات المدعومة من ايران- يؤكد بما لا يقبل الشك حقيقة الاجندات السياسية الخارجية الساعية الى تعويق العملية السياسية، من خلال إدخال الانتخابات في نفق مظلم، ليصار فيما بعد الى القفز على الدستور وتجاوزه بطريقة او بأخرى.
ومن المهم ادراك حقيقة ان تعطيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، يعني فتح الابواب على مصاريعها لعودة الارهاب والاضطرابات بمسميات وعناوين اخرى، وبالتالي تبديد كل المكاسب والانجازات التي تحققت بفضل كم كبير من التضحيات.
وبقدر ما توجد أطراف تحرص على وضع العراق على السكة الصحيحة، وتجنيبه المنزلقات الخطيرة، هناك أطراف تسعى بكل ما أوتيت من قدرات وإمكانيات لدفعه الى دوامة الفوضى، وفي خضم هذه الاتجاهات المتضاربة، فان الاستحقاقات الانتخابية ستلقي بظلالها على عموم مشهد عام 2018 السياسي في العراق، فمن الان بدأت تفاعلات تشكيل التحالفات والائتلافات الانتخابية، وفيما بعد ستنطلق الحملات الانتخابية بوتيرة أسرع وأوضح، وإن كان بصورة غير رسمية، وبعد ذلك يبدأ حراك من نوع آخر يستتبع الانتخابات، من أجل تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي كل الاحوال، فان مجمل القراءات تذهب الى ان الانتخابات ستجرى في العام الحالي، وربما تتأخر لشهور قلائل، لتفويت الفرصة على دعاة التأجيل والتسويف، وهذا يعني ان الاستحقاقات الانتخابية ستلقي بظلالها على عموم المشهد السياسي لعام 2018، وتجعله عاما انتخابيا بامتياز، مثلما كان عام 2017 عام مواجهة داعش والانتصار عليه.
بقلم / عادل الجبوري